الشرط والعرف في الزواج أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
الشرط والعرف في الزواج
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
االشرط غير المهر ومع ذلك يتداخل المهر والشرط عند الكثيرين, وتترتب على هذا التداخل اشكاليات كثيرة, كما ان الشرط في الزواج في غالب الاحيان لا تشترطه الزوجة او وليها وانما يحدده العرف, والاعراف في اليمن تختلف فيما يتعلق بتكاليف الزواج المتعارف عليها ؛ وهذه الاشكاليات تحدث خلافات ونزاعات تصل في احيان كثيرة الى منصة القضاء؛كما ان الخلط بين المهر والشرط طالما قد
تحول الى مشكلة عويصة فان ذلك يحتاج حتما الى تدخل القانون لفك هذا التداخل وبيان الفرق بينهما وهذا ماسوف نوصي به في موضعه من هذا التعليق؛ ولذلك فان هذه الاشكاليات تستحق الاشارة اليها بمناسبة التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/2/2011م في الطعن الشخصي رقم (41131) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية
التي تناولها هذا الحكم ان شابا قام الزواج من ابنة خاله التي كانت تقيم معه في قريته باليمن وقد تولى خاله دفع كافة تكاليف ومتطلبات حفل زفاف ابنته الى ابن اخته ؛ وقد سافر العريس بعروسته الى خارج اليمن حيث يعمل الزوج العريس ؛ وبعد فترة تحسنت الحالة المالية للزوج الذي نسى جميل خاله الذي يبدو انه كان فقيرا فحينها قام الخال بمطالبة ابن اخته بمصاريف وتكاليف حفل الزفاف والوليمة التي اقامها الاب بمناسبة زفاف ابنته لان العرف في القرية والمنطقة يشترط على العريس ان يتحمل كافة متطلبات حفل الزفاف الذي يقيمه اهل العروس عند زفافها, وقد حاول الخال مطالبة زوج ابنته بسداد تلك المبالغ الا انه رفض ذلك, مما دفع الخال الى اللجوء الى القضاء حيث قام برفع دعواه امام المحكمة الابتدائية طلب فيها الزام زوج ابنته بدفع كافة التكاليف (الشرط) التي دفعها عند زفاف ابنته فلم يحضر الزوج رغم اعلانه فقامت المحكمة بالتنصيب عنه حيث سارت الاجراءات في مواجهة المنصب حتى وصلت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بالزام الزوج المدعى عليه بدفع مبلغ مائة وخمسين الف ريال مهر ومائة الف غرامة ومبلغ عشرين الف ريال مصاريف التقاضي) فقام الزوج المدعى عليه باستئناف الحكم الابتدائي وذكر في استئنافه: أن الحكم صدر في غيابه ومن غير ان يتم اعلانه بالدعوى لأنه يعمل خارج اليمن ؛ فقبلت محكمة الاستئناف استئنافه وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي, وقد جاء ضمن اسباب الحكم الاستئنافي (بان المدعي المستأنف ضده لا صفة له في رفع الدعوى باسمه دون وكالة من ابنته زوجة المدعى عليه) فقام المستأنف ضده الخال بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي قبلت الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي, وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (ان محكمة الاستئناف اخطأت في توصيف موضوع الدعوى وهو طلب تسليم الشرط وغرامة العرس وليس المهر, وبعد الاطلاع على الحكم الابتدائي وما تعقبه لدى محكمة الاستئناف وحكمها بإلغائه تبين ان الطاعن طلب الحكم على المدعى عليه بتسليم المبلغ المذكور في الدعوى وهو ما شرطه الطاعن على زوج ابنته وذلك حسب عرف المحل الذي يدعيه الطاعن ويظهر منه على ان العريس هو الذي يتحمل تكاليف حفل زفاف العروس ونحوه بحسب ذلك العرف؛ ولما كانت الدعوى منحصرة في طلب المدعي الوفاء بالشرط المتفق عليه بحسب العرف فانه كان من المتعين على محكمة الاستئناف الوقوف على صحة الشرط او بطلانه وحيث ظهر ان الطاعن لم يأت في دعواه جعلى ذكر المهر المعجل او المؤجل فانه لم يكن بحاجة الى توكيل من ابنته حتى تتوفر له الصفة والمصلحة في رفع دعواه) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الوجوه الاتية :
الوجه
الأول : تداخل المهر والشرط واسبابه :
التداخل
والخلط بين المهر والشرط يثير اشكاليات كثيرة لا سيما عند فسخ الزواج او الخلع,
وهذا الخلط بين الامرين يتسبب في حدوث اخطاء حتى في احكام القضاء مثلما حصل في
الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي في القضية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا,
ولذلك من المهم للغاية بيان الفرق بينهما مع انه قد سبق لنا ان كتبنا عن هذا بتوسع
في تعليق سابق بعنوان (تداخل الشرط مع المهر) فالتداخل بينهما يحدث بسبب ان الزوج
يدفع الى ولي الزوجة مبلغ مقطوع يتضمن تكاليف العرس والمهر والكسوة ....الخ,
ولايتم الاتفاق على تحديد مقدار المهر من هذا المبلغ المقطوع, فالمهر في الشريعة
والقانون هو ما تستلمه الزوجة بالفعل ولذلك فقد تم تعديل المادة (33) احوال شخصية
حيث صرحت هذه المادة في اخر تعديل لها عام 1998م
بان (المهر ملك للمرأة تتصرف فيه كيفما شاءت ولا يعتد بأي شرط مخالف) ولذلك
ينبغي عند دفع المبلغ المقطوع تحديد مقدار المهر الذي سيتم تسليمه بالفعل الى
المرأة حتى يتم ذكره في وثيقة عقد الزواج حتى يكون باقي المبلغ شرط, لان المهر هو
الذي يجب على الزوجة رده اذا ارادت فسخ عقد الزواج, ونخلص من هذا الوجه الى القول
بان المهر هو ما يتم تسليمه الى الزوجة بالفعل اما الشرط فهو المبالغ التي يدفعها
الزوج الى ولي المرأة لتجهيز العروسة وتكاليف حفل زفافها.
الوجه
الثاني :العرف و دوره في تحديد الشرط في الزواج :
من خلال
المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان الدعوى والاحكام الابتدائي والاستئنافي و حكم
المحكمة العليا قد تناولت الشرط بالمفهوم السابق ذكره أي انه تكاليف ونفقات حفل
زفاف الزوجة ؛ حيث ذكر الحكم محل تعليقنا بان
المرجع في تحديد تكاليف العرس هو العرف السائد في المحل حسبما ورد في الحكم محل
تعليقنا, والعرف معتبر في الشريعة والقانون, فمن
ضمن القواعد الفقهية المعتبرة في الشريعة الاسلامية قاعدة (المعروف عرفا
كالمشروط شرطا) ومعنى هذه القاعدة ان ما تعارف عليه الناس في معاملاتهم هو قائم
مقام الشرط في الالتزام والتقيد به ولو لم يتم الاتفاق عليه, وفي هذا المعنى نصت
المادة (12) من القانون المدني اليمني على ان (الاصل في المعاملات وانواعها
وكيفيتها ما اقره الشرع ثم ما جرى به عرف الناس وتراضوا عليه مالم يخالف حكم الشرع
من تحليل حرام او تحريم حلال وكل حكم مبني على عرف او عادة يتغير بتغير ذلك العرف
ويزول بزوال تلك العادة) وبتطبيق القاعدة والنص القانوني السابق ذكرهما على الشرط
في الزواج نلاحظ الاتي :
1-
العرف لا
يتدخل الا عند عدم الاتفاق بين الزوج وولي المراة لان العرف لا يتم العمل به الا
عند عدم الاتفاق ؛ فذلك ظاهر من صيغة القاعدة الشرعية السابق ذكرها اضافة الى انه
يجوز للأفراد الاتفاق على خلاف العرف لانهم هم الذين صنعوا العرف بخلاف النص
الشرعي والقانوني اذا كان امرا فلا يجوز الاتفاق على خلافه.
2-
العرف
ملزم للأشخاص ينبغي عليهم الوفاء بالالتزامات التي يحددها العرف الثابت والمستقر
والمضطرد وغير المخالف للشرع والقانون, ولذلك نجد المدعي في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا قد استند في طلباته بتكاليف زواج ابنته استند الى العرف السائد
في المحل أو القرية أي ما تعارف عليه اهل القرية لان الاعراف والعادات تختلف
احيانا بين قرية واخرى وعزلة واخرى وهكذا, وبتطبيق هذا المفهوم على تكاليف الزواج
نجد ان هناك قاسم مشترك بين الاعراف والعادات فيما يتعلق بتكاليف الزواج واساس هذا
القاسم المشترك هو الحديث النبوي (اولم
ولو بشاة) فهذا الحديث النبوي الشريف لا يقصر الوليمة على وليمة الزوج فقط فالحكمة من الوليمة هي اعلان واشهار
الزواج فلا تتحقق هذه الحكمة الا بإشهار حفل زفاف الزوج الذي يتم قبل الزفاف في
داره وكذا حفل زفاف الزوجة,الذي يتم في بيت اهلها؛ فالشرع والقانون يحتما على
الرجل ان يدفع تكاليف زفاف المرأة التي ستزف اليه ؛اي ان هذا الحديث الشريف الذي
ندب الى وليمة الزواج هو القاسم المشترك بين الاعراف والعادات المختلفة لان تفاصيل
هذه الوليمة تختلف من قرية الى اخرى وهكذا .
3-
تكاليف
الزواج في المحلات والبلدات والقرى والمدن تختلف باختلاف الظروف المالية
والاجتماعية والثقافية للأشخاص المقيمين في محل واحد او قرية واحدة حتى لو كانوا
اقارب, ولذلك فان الظروف المالية والاجتماعية لطرفي العلاقة الزوجية تتحكم بالعرف
ولا يتحكم العرف بها, ولذلك لا يعقل ان يطالب ولي المرأة من الرجل الفقير شرطا
مثلما يطلب من الغني, وبهذا تظهر الحكمة البالغة في التفرقة بين المهر الذي هو حق
للمرأة الذي يكون في الغالب مثل مهر امثالها بصرف النظر عن اية ظروف اما الشرط فهو
محكوم بالظروف قال تعالى في اكثر من عشر آيات (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) .
4- صرح النص القانوني السابق ذكره ان العرف لا يجوز له ان يحل حراما, ومن
المحرمات في تكاليف الزواج الاسراف في التكاليف والمبالغة فيها ويندرج ضمن
المحرمات اجور المغنيات وتكاليف القاعات وفساتين الزفاف الباهضة لان الشريعة تحرم
اجر النائحة والمغنية وكذا الاسراف والتبذير محرم قطعا, فاذا تعارف الناس على مثل
هذه المحرمات فالعرف فاسد لا يعمل به, ولذلك نجد ان حكم المحكمة العليا قد ارشد
محكمة الموضوع الى البحث والتحقيق في عرف المحل للتأكد من صحته اوبطلانه أي موافقة
تكاليف العرس لأحكام الشريعة والقانون .
الوجه
الثالث : توصية الى المشرع اليمني :
من خلال
مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد كيف يتم الخلط بين المهر والشرط, وباعتباري قمت لمدة
طويلة بتدريس مادة (فسخ عقد الزواج) وعلى
معرفة بخلفيات هذا الموضوع وبراءة لذمتي وهو الباعث لي على كتابة هذه التعليقات
اوصي قانون الاحوال الشخصية بتعديل المادة (33) احوال شخصية بحيث تتضمن فقرتين
الاولى تعرف المهر والثانية تعرف الشرط بحيث تكون صيغة هذه المادة ( 1؛- المهر هو:ما يدفعه الزوج لزوجته بعقد
الزواج معجلا او مؤجلا 2؛-الشرط هو: المبلغ الذي يدفعه الزوج لولي
المرأة مقابل تكاليف زواجها). والله اعلم.
أضف تعليق