إعلان علوي

آخر الاخبار

كيف تكون مشاركة الزوجة لزوجها في بناء المنزل

 

مشاركة الزوجة لزوجها في بناء المنزل
أ.د. عبد المؤن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

 من المسائل المعتادة والمألوفة في اليمن ان الزوجات يشاركن ازواجهن في بناء منازل الزوجية التي تجمع الزوجات بأزواجهن واولادهم, ولان المجتمع اليمني مجتمع محافظ تحتجب فيه النساء فان مشاركتهن لأزواجهن سواء في بناء




المنازل او في النشاط التجاري الذي يباشره الازواج تكون غالبا خفية وباسم الزوج وبنظره ولحسابه وغالبا ايضا لا يتم الاثبات الكتابي لمشاركات الزوجات لأزواجهن وذلك في محررات رسمية او عرفية للثقة المطلقة السائدة بين الزوجات و ازواجهن, ولذلك تكون حقوق الزوجات عرضة للضياع عند اختلاف الزوجات مع الازواج بشأن مقدار مشاركتهن واثبات تلك المشاركة وكيفية احتساب المشاركات, وربما ان غالبية الزوجات في اليمن يسكتن عن المطالبة بحقوقهن المترتبة على مشاركتهن لأزواجهن سواء في بناء منازل الزوجية او في اي نشاط يقوم الزوج به مثل  فتح بقالة او غير ذلك, ولذلك فان هذا الموضوع يتسبب في حدوث مشاكل كثيرة بين الازواج فبعضها قد تتحول الى نزاعات تصل الى ساحات القضاء وغالبها لا تصل الى القضاء ولكنها تتسبب في خلافات زوجية واسرية لا تنتهي تنكد الحياة الزوجية, ولذلك فلهذا الموضوع اهمية فهو يستحق ان يتم تسليط الضوء عليه ولفت انتباه المعنيين الى هذا الموضوع والتوعية به, ومن هذا المنطلق اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22/1/2011م في الطعن المدني رقم (41973) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان زوج استأجر ارضا من الاوقاف لغرض بناء منزل وبعد حصوله على الارض تعثرت محاولاته في استكمال بناء المنزل بسبب ازدياد مضاعفات مرض السكر الذي كان يعاني منه وحينها تدخلت زوجته لإنقاذ الموقف واستكمال بناء المنزل حيث قامت ببيع ذهبها حيث كان بحوزتها كميات لا بأس بها بالاضافة الى عشر بقر  وبالفعل تم بناء الطابق الاول من  المنزل ثم الطابق الثاني ثم بناء منزل مجاور للمنزل القديم, وكان الطابق الاول من المنزل القديم يتكون من اربع شقق ومثله الطابق الثاني وكان الزوج يستغل المنزل القديم بطابقيه في التأجير للغير وكانت الارض مستأجرة من الاوقاف باسم الزوج وكذلك رخصة البناء وعقود الخدمات الخاصة بالمنزل من ماء وكهرباء وهاتف ولم يكن لدى الزوجة اية وثائق تثبت مشاركتها لزوجها في بناء المنزل, وعندما ازدادت ايجارات المنزل القديم كان الزوج يستأثر بالعائدات لوحده فدب النزاع بين الزوجين حتى قامت الزوجة برفع دعوى ضد زوجها امام المحكمة الابتدائية ذكرت فيها انها باعت كل حليها الذهبية وبقرها وانها هي اصلا التي قامت ببناء المنزل القديم وانها التي كانت تشتري مواد البناء وهي التي كانت تدفع اجور العمال, وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم (بثبوت تملك المدعية للطابق الارضي من المنزل وثبوت تملك المدعى عليه للطابق الاعلى بالإضافة الى البناء المسلح المجاور للبيت الذي قامت ببنائه المدعية وعلى المدعى عليه تمكين المدعية من المنزل الذي قامت ببنائه ومحاسبتها بالإيجارات عن الفترة السابقة بما يقدره عدلان خبيران يختارهما الطرفان) حسبما ورد في منطوق الحكم الابتدائي وقد جاء في اسباب الحكم الابتدائي: انه من الثابت بحسب ما ورد في شهادات الشهود ان المدعية تملك البيت الاول الذي قامت ببنائه وان الزوج كان مريضا بالسكر ولا يعمل ولا يدخل ريالا واحدا كما اثبت الشهود ان الدور الاعلى خاص بالمدعى عليه حيث قام ببيع ارض في    البلاد وبنى الدور الاعلى وجزء من الارض المتبقية الملاصقة للبيت القديم) فلم يقبل الزوج الحك الابتدائي فقام باستئنافه الا ان محكمة الاستئناف رفضت طعنه وايدت الحكم الابتدائي مسببة حكمها بأسباب تماثل اسباب الحكم الابتدائي, ولكن الزوج قام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي امام المحكمة العليا التي رفضت طعنه واقرت الحكم الاستئنافي ؛ وقد جاء في اسباب حكم المحكمة العليا (والدائرة بعد الرجوع الى الطعن والحكمين الابتدائي والاستئنافي تجد ان الطاعن قد اثار في طعنه الاسباب ذاتها التي سبق له  اثارتها ضمن اسباب استئنافه امام الشعبة الاستئنافية كما ان هذه الاسباب هي الردود ذاتها التي اثارها امام المحكمة الابتدائية, فالدائرة وجدت ان الشعبة الاستئنافية قد قامت بمناقشة تلك الاسباب والرد عليها بموجب السلطة التقديرية المقررة لها وفقا للقانون ولا معقب عليها في ذلك) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الاوجه الاتية :

الوجه الاول : وسائل اثبات ملكية العقار :

الخلاف والتنازع بين الزوجين في القضية محل تعليقنا هو بشأن ملكية منزل, وملكية المنزل كانت ثابتة كتابة عن طريقة وثيقة الايجار الرسمية الصادرة للزوج من وزارة الاوقاف (المأذونية) وكذا بصيرة شراء الزوج لحق اليد العرفية من الحائز السابق للارض ؛ وعلى هذا الاساس فان ملكية الزوج للأرض كانت ثابتة كتابة  بوثائق رسمية منها مأذونية الاوقاف بالإضافة الى بصيرة شراء حق اليد في ارض الاوقاف, علاوة على ان ملكية البناء القائم على    الارض كانت ثابتة كتابة للزوج  عقود الخدمات مثل الماء والكهرباء والهاتف كما انه  بموجب احكام القانون المدني  فان البناء القائم على الارض يكون تابعا للأرض فيكون ملكا لمالك الارض, وعلى هذا الاساس فان ملكية الزوج كانت ثابتة كتابة, اضافة الى ان عقود الايجار التي كان يبرمها الزوج  مع المستأجرين كانت باسم الزوج, علاوة ان قانون التوثيق وقانون السجل العقاري قد قررا صراحة ان اثبات ملكية العقار تكون بالطريقة التي حددها القانون وهي وثائق او عقود الملكية المكتوبة, وبالطبع هذا هو الاصل العام في اثبات ملكية العقارات.

الوجه الثاني : عدم جواز نفي الثابت كتابة بدليل غير كتابي :

استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن وكذا  محاكم النقض والتمييز والتعقيب العربية على عدم جواز اثبات خلاف الدليل الكتابي الا بدليل كتابي اخر يضاهيه في المرتبة والحجية, فما ثبت كتابة لا يجوز نفيه الا كتابة, وهذه القواعد معلومة ومفهومة عند الجميع, وعند تطبيق هذه القاعدة في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد انه ما كان يجوز اثبات خلاف الادلة الكتابية التي تدل على ملكية الزوج للمنزل الا بأدلة كتابية مماثلة ومع ذلك قبلت محكمتا الموضوع اثبات خلاف الدليل الكتابي بأدلة غير كتابية وهي شهادات الشهود وقد اقرت المحكمة العليا ذلك وهي تعلم يقينا ان قضاءها قد استقر على (ان ما ثبت كتابة لا يجوز دحضه الا كتابة), ومن جهة نظرنا ان ما ذهبت اليه محكمتا الموضوع واقرار حكم المحكمة العليا لهما صحيح يوافق الشريعة الاسلامية وروح القانون فقاعدة (ما ثبت كتابة لا ينفى الا كتابة) قاعدة اصيلة تقرر الاصل العام, ولكن لكل قاعدة استثناءات ترد عليها ومن ذلك الاعتبارات الشرعية والقانونية والاجتماعية والواقعية التي تجعل اثبات الزوجة لمشاركتها لزوجها في نشاطه التجاري او بناء المنزل متعذر عن طريق الكتابة فان لم يتم  السماح لها باثبات مشاركتها في شراء او بناء العقار باية وسيلة فسوف يترتب على ذلك ضياع اموالها وهذا محرم في  الشريعة الاسلامية والقانون ؛ لان الزوجة لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها, ولذلك فقد كان القضاء محقا وعادلا حينما اجاز للزوجة على سبيل الاستثناء اثبات ملكيتها للطابق الارضي من المنزل عن طريق شهادات الشهود الذين شهدوا ان الزوجة هي التي كانت تدفع ثمن مواد البناء واجور العمال .

الوجه الثالث : الحكم بثبوت ملكية الزوجة للطابق الارضي من المنزل :

من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد انه قد قضى بثبوت ملكية الزوجة للطابق الارضي من المنزل القديم وفي الوقت ذاته ثبوت ملكية الزوج للطابق الثاني من المنزل والبناء المسلح المجاور للمنزل القديم, وقد اقرت المحكمة العليا ذلك في حكمها محل تعليقنا, ومن خلال مطالعة هذا الحكم نجد انه حكم تقريري لحق نشأ قبل النطق بالحكم واصداره ولذلك فقد صار هذا الحكم  دليل اثبات قاطع على ملكية الزوج والزوجة لما ورد في منطوق الحكم, وبناء على ذلك فقد حل الحكم محل وثائق اثبات الملكية ووفقا لقانون السجل العقاري يحق تسجيل الاحكام المثبتة للملكية عوضا عن وثائق الملكية  علما بأن بعض الاحكام يتضمن منطوقها بانه يحق للمحكوم لهم بإثبات الملكية بتسجيل الحكم لدى السجل العقاري, كما نلاحظ ان الحكم قد قضى بثبوت الملكية التي كانت محل خلاف بين الزوجين المتنازعين وذلك يعني ان  عماد الحكم هو وسائل الاثبات التي استند اليها الزوجان والمقدمة منهما اثناء تداعيهما امام محكمة الموضوع .

الوجه الرابع:كيفية تقديرحصةالزوجةمن العقار الذي شاركت في بنائه:

من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد انه قد حدد حصة الزوجة من مشاركتها لزوجها في الطابق الارضي في المنزل ؛وهذا يعني ان  ذلك الطابق يساوي المبالغ التي دفعتها الزوجة؛ وقد اعتمد القاضي في هذا التقدير على ان الزوجة هي التي كانت تدفع ثمن مواد البناء واجور العمال عند بناء ذلك الطابق  ولذلك فان هذا الطابق  حقها لان الارض  ملك الاوقاف وهذا التقديرموافق للشرع والقانون؛ لكن هذا لايعني ان هذا المعيار هو الوحيد  في تقدير حصة الزوجة في المنزل المسجل باسم  زوجها؛فبعض القضاة يقوم  بتحديد حصة الزوجة في المنزل على اساس المبلغ المدفوع منها يوم دفعه ونسبته في قيمة العقار يوم دفعه ؛واذكر ان زوجة سلمت زوجها حزامها الذهبي عندما اشترى الزوج الارضية التي تم بناء المنزل عليها فحكم لها القاضي بخمس قيمة الارضية بسعر الزمان والمكان يوم سداد الزوج لحقها فهذا المعيار هو المناسب والعادل من وجهة نظرنا. 

الوجه الخامس:مشاركة الزوجة بين الاستثمار والمساعدة او التبرع:

منذ اكثر من عشر سنوات والنقاش العلمي يدور بين الباحثين  في اليمن ومصر والجزائر بشان هذا الموضوع ؛ فهناك اتجاه ضعيف يذهب الى ان الزوجة عندما تدفع المال الى زوجها تكون متبرعة بمالها فليس قصدها الدخول في شراكة في المنزل او غيره بل قصدها معاونة زوجها المسكين  ومساعدته في بناء المنزل ولذلك تسري على مشاركة الزوجة احكام التبرع ؛ في حين هناك اتجاه ثان وهو الغالب وهو الذي نختاره وهوالذي يذهب الى ان المال المدفوع من الزوجة هو مشاركة وليس مساعدة فقرائن الحال تدل يقينا على ذلك فالزوج هو الذي يجب عليه ان ينفق على الزوجة حتي لو كانت غنية؛علاوة على ان قصد الزوجة عند دفعها مالها لزوجها هو بناء منزل لسكنهما واولادهما اذا ظل استخدام المنزل كسكن شخصي واذا استمرت العلاقة الزوجية ؛فاذا قام الزوج باستثمار المنزل كما حصل في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا ففي هذه الحالة تكون الزوجة شريكة لزوجها في العائدات .؛ كما ان الزوج اذا طلق الزوجة اوتم فسخ العلاقة الزوجية بينهما فعندئذ تنفسخ ايضا المشاركة المالية بين الزوجين فيجب على الزوج حتما ان يدفع لزوجته حصتها من المنزل على اساس نسبة مشاركتها ؛ والله اعلم .

ليست هناك تعليقات

فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا