الجوار ليس سببا للشفعة
بقلم أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء الشفعة وسيلة جبربة من وسائل التملك جبرًا على المشتري ولها غايات ومقاصد ،لذلك ينبغي عدم التوسع في أسبابها حتى لا تكون قيدًا على حرية انتقال الأموال وتداولها بين الناس كما اراد الشرع والقانون،وحتى لاتكون الشفعة وسيلة من وسائل اكل اموال الناس بالباطل، لا سيما أنه من السائد في اليمن عند حدوث أي بيع وشراء في الأراضي والعقارات أن يتسابق الانتهازيون للحصول على نصيبهم من الغنيمة بمسميات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان مثل الشفعة والسعاية والدلالة والصلحة ...الخ، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/10/2010م في الطعن المدني رقم (35716) لسنة 1430هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن أحد الأشخاص قام برفع دعوى شفعة ضد اخته طلب في دعواه الشفعة فيما شرته أخته المدعى عليها لان املاكه تحيط بالعين المشفوع فيها من ثلاث جهات، وقد ردت المدعى عليها بأن اسباب الشفعة محددة في القانون على سبيل الحصر فلم يتوفر في الدعوى
سبب من أسباب الشفعة المنصوص عليها في القانون، وبعد ان سارت المحكمة الابتدائية في اجراءات نظر الدعوى خلصت إلى الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء سبب الشفعة، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي أن سبب مطالبة المدعي بالشفعة لاوجود له، فاسباب الشفعة المحددة في القانون، فلم يقبل المدعي بالحكم الابتدائي فقام باستئنافه إلا أن الشعبة الاستئنافية رفضت استئنافه وقضت بتأييد الحكم الابتدائي، فلم يقنع المستأنف فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي، فرفضت الدائرة المدنية الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن القانون في المادة (1257) مدني لم يجز طلب الشفعة إلا للخلطة على الشيوع في أصل العين والخلطة على الشيوع في حق الشرب ومجراه والخلطة على الشيوع في الطريق، ولما كانت الخلطة في أصل العين وفي حق الشرب ومجراه وفي الطريق هي من الأمور الموضوعية التي تستظهرها محكمة الموضوع من خلال الأوراق والأدلة المقبولة قانوناً، ولان محكمة الموضوع قد أقامت حكمها المطعون فيه على أدلة معتبرة قانوناً فان ما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه جدل موضوعي) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية : الوجه الأول : شفعة الجار في الفقه الاسلامي : اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين : الأول : يذهب إلى حق الجار في الشفعة، وهو قول بعض الزيدية وقول الحنفية وغيرهم وحجتهم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم { الجار أحق بسقبه} وكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم { الجار أحق بسقبة جاره اذا كان طريقهما واحدًا} فهذه الاحاديث تدل على جواز شفعة الجار،، اما القول الثاني فقد : ذهب الى انه لا تثبت الشفعة للجار الا اذا كان شريكا لجاره في طريق أو شرب أو مجرى أو شريك مخالط له في أصل المال، فلا تثبت الشفعة للجار عند اصحاب هذا القول الا اذا كان بين الجارين حق مشترك على الشيوع من حقوق الملك من طريق أو ماء أو نحو ذلك اما اذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة، والقول الثاني هو قول غالبية الفقه الاسلامي وقد اختار الامام أحمد يحيى حميد الدين رحمه الله هذا القول في اختياراته المشهورة بمنع الشفعة للجار وفي الدور، فكان هذا الاختيار هو الأصل التاريخي لموقف القانون المدني اليمني من شفعة الجار، وقد اختار الأمام احمد حميد الدين رحمه الله هذا القول عندما لاحظ تكاثر ادعياء الشفعة بقصد الابتزاز وحينما لاحظ أنه لن يستقر بيع وشراء ولن تتداول الأموال وتنتقل اذا تم تطبيق شفعة الجار. الوجه الثاني : شفعة الجار في القانون اليمني : حصر القانون المدني أسباب الشفعة في المادة (1257) مدني وذلك
بسبب الخلطة في أصل المال والخلطة والشيوع في حق الشرب ومجراه والخلطة على الشيوع في الطريق، وبناءً على ذلك فلم يقرر القانون شفعة الجار، وبهذا يكون القانون قد اخذ بقول غالبية الفقهاء، وقد كان موقف القانون اليمني في هذه المسالة موافقًا لقول غالبية الفقهاء ، لان الشفعة تمليك جبري استثنائي لا ينبغي التوسع في أسبابه إضافة إلى أن القول الثاني الذي اخذ به القانون يناسب الواقع اليمني للغاية حيث تسود ظاهرة سيئة وهي كثرة الادعياء بالحقوق عند إجراء أي بيع وشراء للعقارات بمسميات عدة ابرزها شفعة الجار التي يتوسل بها الشفيع للحصول على أي مبلغ من المشتري وقد لاحظت شخصيا هذا الامر يتكرر في اغلب البيوع التي تتم حتى قبل أربعة أيام فقد طلب أحد الاشخاص الشفعة في دار وعندما قام البائع بتسليمه خمسين الف ريال أخذها وانصرف، فالواقع يدل على أن الجار الذي لا يستطيع الحصول على السعاية أو الصلحة يتوسل بالشفعة، والأهم من هذا وذاك انه لو تم تقرير الشفعة للجار من غير خلطة وشيوع في أصل العين أو الطريق أو المشرب لتعطل البيع والشراء فكل الدور والمزارع لها جيران يحيطون بها من كل جانب،والله اعلم.
أضف تعليق