رقابة المحكمة العليا على تقدير الدليل أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
رقابة المحكمة العليا على تقدير الدليل
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
من المسلم به أن تقدير الدليل مسألة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، ولكن هذه السلطة التقديرية تخضع لرقابة المحكمة العليا، ولا ريب أن هناك أسباب موجبة تبرر رقابة المحكمة العليا في هذا الشأن، ولأهمية هذه المسألة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24/12/2012م في الطعن (47541) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن المدعي تقدم أمام المحكمة الابتدائية بدعوى مفادها أنه اشترى من المدعى عليه عمارة بمبلغ خمسة مليون ريالاً فقام بدفع اثنين مليون ريالاً وقبل أن يقوم بدفع بقية المبلغ قام البائع نفسه بإعادة بيع العمارة ذاتها لشخص آخر، وطلب المدعي في دعواه تسليمه العين المبيعة وإبطال البيع الثاني ،إلا أن المحكمة الابتدائية قضت بعدم قبول الدعوى لعجز المدعي عن اثباتها، فقام المدعي باستئناف الحكم الابتدائي وذكر في الاستئناف أنه قد قام بإثبات دعواه بشهادة ثلاثة شهود شهدوا على انعقاد العقد بقول البائع بعت والمشتري اشتريت إلا أن محكمة الاستئناف قضت بتأييد الحكم الابتدائي فلم يقبل بذلك المشتري المستأنف فقام بالطعن في النقض حيث قبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم الاستئنافي ، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث أن ما نعاه الطاعن من مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون صحيح، فاذا كان لمحكمة الموضوع تقدير أقوال الشهود دون رقابة عليها من المحكمة العليا أو تعقيب فأن شرط ذلك مرهون بعدم اخراج هذه الأقوال عن سياقها ومعناها وتوجيهها إلى ما لا يؤدي اليه مدلول تلك الشهادات، فاذا كان لمحكمة الموضوع مطلق الحرية في تقدير الدليل والبرهان دون معقب عليها فأن على محكمة الموضوع أن تورد من الأسباب ما يكون سائغاً ومقبولاً يؤدي إلى النتيجة التي قضت بها والا يكون هذا التقدير مبنياً على سبب مخالف للثابت في الأوراق واقوال الشهود، فاذا كانت محكمة الموضوع قد ذهبت في أسباب حكمها الى ان الشهادة التي تمسك بها الطاعن واوردها كانت مجمله لا تصلح دليلاً ناهضاً للقطع بثبوت الدعوى لانها شهادة مشوبة بالتهافت والتناقض وعدم المطابقة للدعوى فأن الحكم المطعون فيه يكون مبنياً على غير أساس صحيح وعلى سبب لا سند له في الأوراق حيث خالف بذلك تطبيق أحكام المادة (49) إثبات التي تنص على أن لا تبطل الشهادة حال اختلاف الشاهدين في الالفاظ اذا اتفقا في المعنى، مما يستوجب نقض الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : ماهية تقدير الدليل :
تقدير
الدليل هو سلطة قانونية جعلها القانون مناطة بمحكمة الموضوع حيث أوجب عليها أن
تقوم بدراسة الدليل المعروض أمامها ومناقشته وبيان أوجه القوة والضعف فيه
والموازنة بينه وبين الادلة التي استدل بها الخصم الاخر وبيان أوجه الترجيح بين
الأدلة وسبب اخذ قاضي الموضوع بالأدلة التي اخذ بها وسبب طرحه للأدلة التي لم يأخذ
بها، وقد اناط القانون بقاضي الموضوع هذه السلطة التقديرية، لان الدليل يحتاج إلى
مناقشة موضوعية تتم أولاً عند الترافع بين الخصوم اثناء إجراءات التقاضي أمام قاضي
الموضوع ثم المناقشة الموضوعية التي يقوم بها قاضي الموضوع عند تسبيبه للحكم، ولان
تقدير الادلة عملية قضائية موضوعية فقد كان من المناسب أن تسند هذه العملية إلى
محكمة الموضوع وفي الوقت ذاته فأن هذا الاعتبار يجعل المحكمة العليا باعتبارها
محكمة قانون غير مختصة أصلاً بتقدير الأدلة فلا تختص المحكمة العليا بهذه العملية الموضوعية وأن
كانت قضائية وهذا هو الأصل.
الوجه الثاني : رقابة المحكمة العليا على السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في تقدير الأدلة :
صرح
الحكم محل تعليقنا بأن تقدير الأدلة يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع وقد ذكرنا في الوجه الأول مظاهر هذه السلطة
واسبابها وأن الأصل الا تمتد اليها رقابة المحكمة العليا من قناعة قاضي الموضوع
وتقديره اذا كان ذلك لايخالف القانون ولا الثابت في اوراق القضية ، إلا أنه من
المقرر في قضاء محكمتي النقض بمصر وفرنسا أن محكمة النقض تقوم بدراسة المسائل
الموضوعية الواردة في ملف القضية للتأكد مما اذا كانت محكمة الموضوع قد التزمت
بالفعل بحدود وضوابط السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع فيما يتعلق بالدليل المعروض
عليها، لان هذا ركن ومظهر أصيل من مظاهر الرقابة القانونية لمحكمة النقض إضافة إلى
أن المحكمة العليا تختص بدراسة وبحث المسائل الموضوعية اذا كان ذلك لازماً لمعرفة
سلامة تطبيق محكمة الموضوع للقانون مثلما
اشار الحكم محل تعليقنا إلى خطأ الحكم الاستئنافي في تطبيق النصوص القانونية
المتعلقة بالشهادات وتطابقها في المعنى وأن اختلفت في الالفاظ حسبما هو مقرر في
قانون الإثبات على النحو المشار اليه في أسباب حكم المحكمة العليا محل تعليقنا،
فقد ناقش حكم المحكمة العليا مجموع الشهادات التي تدل على وقوع البيع بقول البائع
بعت والمشتر وكذا ناقش حكم المحكمة العليا خطأ الحكم الاستئنافي في تطبيق أحكام
البيع التي نصت على انعقاد البيع بأي لفظ يدل عليه فلم تشترط الكتابة إضافة إلى
اقرار كاتب العقد بوقوع البيع فقد ناقشت المحكمة العليا تلك المسائل الموضوعية حتى
تتأكد مما اذا الحكم المطعون فيه بالنقض قد خالف القانون او اخطا في تطبيق القانون
على المسائل الموضوعية التي اثارها الحكم الموضوعي عند تقديره للدليل.
أضف تعليق