جهالة الدعوى وإطالة إجراءات التقاضي أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

جهالة الدعوى وإطالة إجراءات التقاضي
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

هناك ثغرات تتسبب في إطالة إجراءات التقاضي ، ومن هذه الثغرات قيام المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى قبل استيفاء بياناتها ثم الحكم بعدم الدعوى لجهالتها ، ثم يتم استئناف الحكم الابتدائي في هذه الحالة وبعد ذلك يتم الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي وتستغرق هذه الإجراءات سنوات طويلة تنتهي بعدم قبول الدعوى لجهالة بعض بياناتها، كما ان لدعاوى القسمة خصوصيتها فيما يتعلق باثبات اموال التركة والخصم المكلف بالاثبات، وبغرض تسليط الضوء على هذه الظاهرة فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/2/2013م في الطعن رقم (47547) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن غالبية الورثة تقدموا أمام المحكمة الابتدائية بدعوى ضد اخويهم الكبيرين الحائزين للتركة،حيث طلب المدعون في دعواهم بقسمة تركة والدهم فدفع المدعى عليهما بجهالة الدعوى وعدم بيان الحق المدعى به وفقاً للمادة (104) مرافعات، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم ببطلان صحيفة الدعوى المرفوعة، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي (وحيث أن ما اثاره الدافعون من التجهيل بالحق المدعى به سديد لان المادة (271) مرافعات قد نصت على أنه يشترط لقبول الدعوى شكلاً أن تكون قد رفعت إلى المحكمة بالطريقة والإجراءات الصحيحة واذا تبينت المحكمة نقصاً أو بطلاناً في الإجراءات تامر باستكمال الناقص أو تصحيح الباطل وحيث أن الثابت أن المحكمة قد أمرت المدعين بتصحيح دعواهم وبيان الحق المدعى به بياناً كافياً نافياً للجهالة وحددت لهم ميعاداً إلا أنهم عجزوا عن ذلك فقدموا دعواهم المصححة ناقصة بعض البيانات) فلم يقبل المدعون بالحكم الابتدائي فقاموا باستئنافه وذكروا في استئنافهم بأنهم قد قدموا البيانات اللازمة التي تدل على صحة دعواهم، فقضت الشعبة الشخصية ببطلان الحكم الابتدائي، وقد جاء في أسباب الحكم الاستئنافي (فقد تبين للشعبة عدم موافقة الحكم الابتدائي للقانون حيث أنه خالف القانون مخالفة صريحة مما يستوجب بطلانه) فلم يقبل الاخوان المدعى عليهما فقاما بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن الدائرة المدنية قضت بإقرار الحكم الاستئنافي، وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (فمن خلال رجوع الدائرة إلى أوراق القضية فقد وجدت أن الطاعنين قد اثاروا في طعنهم الوقائع الموضوعية التي سبق لهم اثارتها أمام محكمة الموضوع التي ناقشت تلك الوقائع بموجب السلطة التقديرية المخولة لها كمحكمة موضوع ،ومن خلال ذلك توصلت الشعبة في حكمها المطعون فيه إلى نتيجة موافقة للشرع والقانون مما يستوجب رفض الطعن) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : تحضير الدعوى قبل نظرها من قبل قاضي الموضوع :

أوجب قانون المرافعات على القاضي  دراسة الدعوى وفحصها قبل نظرها للتأكد من توفر اركان وشروط الدعوى وتوجيه المدعي باستيفاء النقص فيها  والتاكد من توفر الحد الادنى من أدلة الدعوى، وغالب القضاة الشباب يقومون بهذا الأمر، ولكن هذه المسألة تثير إشكاليات من أهمها القول بأن قاضي الموضوع يقوم بتلقين المدعي الذي يقدم دعوى فيأمره القاضي باستيفاء البيانات الناقصة، أي أن القاضي يلقن المدعي بجعل دعواه صحيحة مقبولة، ولذلك يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن الاولى هو استحداث نظام قاضي التحضير الذي يكون مختصا بدراسة الدعاوى وتوجيه المدعين باستيفاء النقص مثلما هو الحال في الدول المتقدمة في القضاء كفرنسا حيث يقتصر عمل قاضي التحضير على دراسة وفحص صحيفة الدعوى فاذا تأكد قاضي التحضير من توفر اركان وشروط الدعوى وادلتها قام بإحالتها إلى قاضي الموضوع لنظرها والفصل فيها، ولو تم فحص الدعوى ودراستها لتم التأكد من توفر شروط واركانها وادلتها ومن ثم يترتب عل  ذلك سرعة الفصل في الدعاوى وتبعا لذلك سيتم  تلافي الدفع وطلبات التصحيح للدعوى اثناء إجراءات التقاضي،وسوف يترتب على ذلك التقليل من الطعون في الأحكام والقرارات، ولا شك أن ذلك سيكون اسهاما في تسريع إجراءات التقاضي.

الوجه الثاني : إشكالية إثبات الحق المدعى في التركات ودعاوى القسمة :

من المقرر وفقاً لأحكام الشرع وقانوني الإثبات والمرافعات أن المدعي هو يجب عليه أن يقدم للمحكمة الأدلة المثبتة لدعواه، ولذلك لاحظنا أن الحكم الابتدائي قد اعتمد قاعدة (البينة على المدعي) ولذلك قضى بعدم قبول الدعوى لعجز المدعي عن بيان الحق المدعى به أي اثبات أموال التركة المطلوب قسمتها، وهنا تظهر خصوصية دعوى القسمة وإشكالية إثبات أموال التركة ومن ثم إشكالية إثبات دعوى القسمة ذاتها، لان المدعي المطالب بالقسمة لا تتوفر لديه أية بيانات أو مستندات عن أموال التركة حيث توجه دعوى القسمة إلى الحائز المتصرف القائم على اموال التركة الذي يدير التركة، فهذا المدعى عليه هو الذي تتوفر لديه مستندات وأدلة وبيانات أموال التركة ،فيكون المدعي في دعوى القسمة عاجزاً في الغالب عن إثبات الحق المدعى به أي أموال التركة، ولذلك فأن القاضي الماهر عن نظره في دعوى  القسمة يتحقق أولاً من الوارث  الحائز للتركة القائم عليها المتصرف فيها فيطلب منه القاضي  تقديم كشف بأموال التركة وأوصافها وأماكن وجودها، أو يطلب من الورثة تقديم كل واحد منهم كشف بأموال التركة التي لديه أو لدى غيره ثم يطلب من الحائز لها القائم عليها بإثباتها، ونخلص من هذا الوجه إلى أن لدعوى القسمة خصوصية في إثباتها وإثبات ملكية المورث لأموال التركة المطلوب قسمتها، ولذلك لاحظنا أن الحكم الابتدائي في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا قد أخطأ في تطبيق القانون بل أنه خالف القانون مخالفة صارخة عندما اغفل خصوصية إثبات دعوى القسمة، فالورثة المدعون كانوا قد ذكروا في دعواهم المصححة أموال التركة ونوعها وذكروا انها في حيازة وتصرف الاخوين الكبيرين المدعى عليهما وعندئذ كان ينبغي على المحكمة الابتدائية أن تكلف المدعى الحائز للتركة ان يثبت او ينفي  أن  الأموال التي بحوزته  من التركة  أو يثبت اختصاصهما بتلك الأموال،وانها ملك خاص به،والله اعلم.