ضمانات القاضي في الشريعة الإسلامية والقانون - دراسة مقارنة - رسالة مقدمة إلى مجلس كلية القانون في جامعة بابل , وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في القانون من الطالب حامد إبراهيم عبد الكريم الجبوري بإشراف الأستاذ الدكتور صبري حمد خاطر
O
رب
العالمين (الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم) والصلاة والسلام على سيدنا
الهادي الأمين محمد بن عبد الله وعلى اله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين .
اولاً :
التعريف بموضوع البحث :
مما لا شك فيه إن موضوع العدالة يعد من الموضوعات التي تشكل عصب الحياة الإنسانية فبدون هذه العدالة تسود الفوضى والظلم المجتمع لذلك نجد إن المجتمعات البشرية والشرائع السماوية وغير السماوية على حد سواء حرصت على إيجاد قواعد تؤسس لتحقيق هذه العدالة بين البشر , وقد كان من أهم أركانها التي لا تقوم دونه هو أيجاد قضاة يعملون في سبيل تحقيق العدالة , ولما كان القضاة هم عماد القضاء وركيزته الأولى فان الاهتمام انصب عليهم من اجل إيجاد أساس متين يمارس من خلاله القاضي دوره ومهمته على احسن وجه وأكمله.
ولما كان القاضي ، وهو في سبيل تحقيق هذه الغاية ، عرضة لان تتدخل جهات مختلفة من حكومة او افراد في عمله ، ومحاولة التأثير فيه او محاولة المساس بكرامته او الايقاع به والكيد له من خلال اساليب مختلفة تتبعها هذه الجهات من اجل تحقيق اهدافها التي تتوخاها من اجل محاولة اكراه هذا القاضي او ذاك للانحراف عن عمله الذي رسمه المشرع له , كذلك فأن القاضي بحكم طبيعته البشرية عرضة لان يقع في الخطأ عند ممارسته عمله القضائي ، لذلك كان لزاماً ان يوفر للقاضي من النصوص التشريعية ما يكفل له اداء عمله القضائي على وفق النصوص التشريعية التي تهدف الى احقاق الحق وايصاله الى اصحابه , بالنحو الذي يمنع أي تأثير في القاضي , ابتداءً من عملية اختياره لمنصب القضاء ومروراً بادائه عمله القضائي وانتهاءً بنهاية خدمته من منصب القضاء , فأذا اراد القاضي ان يمارس عمله بحياد وحرية ودون تدخل من احد ودون مساس بكرامته فهل يستطيع ذلك , وما هي الحماية التي وفرها له المشرع لكي يؤدي عمله باستقرار واطمئنان ودون خشية من ان يلحق به ضرر من أي نوع نتيجة ادائه عمله على وفق ارادة المشرع ، والتي اسميناها ( الضمانات ) ؟.
ثانياً
: نطاق البحث :
ان لموضوع القضاء تفرعات عديدة ويتمتع بسعة
كبيرة بحسب الجهة التي ينظر اليه منها فكان ان اولت الشرائع والقوانين المختلفة
اهمية كبيرة لهذا الامر فعالجته في تشريعاتها معالجة تختلف من شريعة الى اخرى ومن
دولة الى اخرى بحسب منطلقاتها الفكرية .
لذلك ومن اجل اعطاء زخم واحاطة كاملة
بموضوع ضمانات القاضي فقد تناولناه في هذه الدراسة وقد تركنا الموضوعات الاخرى
لباحثين اخرين , ونلفت الى ان موضوع ضمانات القاضي يتداخل احياناً مع موضوع
الضمانات التي تكفل للمتقاضي وقد عملنا على ازالة هذا التداخل من خلال البحث في
الضمانات التي توفر الحماية للقاضي عن غيرها من الضمانات التي توفر الحماية
للمتقاضي او يجب ان توفر له والتي تصلح ان تكون موضوعاً جيداً لدراسة اخرى , وعليه
فان نطاق هذا البحث يتحدد في الضمانات التي وفرتها التشريعات التي تناولناها
للقاضي لكي يؤدي عمله دون تدخل او مساس به او التي ينبغي ان توفر له من خلال تحديد
مواطن الخلل او القصور في هذه التشريعات واقتراح ازالتها او اضافة ضمانات جديدة .
ثالثاً : اهمية البحث
وهدفه :
ان ، لموضوع القضاء عامةً ، اهمية كبيرة جداً ذلك ان المجتمعات المتحضرة لا
يمكن ان تقوم من غير وجود القضاء فيها مما يشكل المرجعية للجميع – دون استثناء –
في حال وجود حالة تنازع تحتاج الى الفصل فيها وحسمها .
كما ان لموضوع ضمانات القاضي اهمية خاصة , لانه ، ببساطة ان المجتمعات تقاس
درجة رقيها وتقدمها من خلال وجود المؤسسة القضائية العادلة وان تحقيق هذه العدالة
التي تسعى اليها الانسانية لا يتصور ولا يمكن القول بدولة القانون دون وجود القضاء
، ولا وجود للقضاء من غير قاضٍ ولسنا نبالغ اذا قلنا ان لا وجود للقاضي اذا لم
توجد ضمانات تكفل له حسن اداء عمله القضائي , لانه سيكون غير قادر – في الغالب –
على انجاز العدالة ومن ثم فان وجوده يكون كعدمه , بل ان وجوده سيكون اكثر خطورة من
عدمه بسبب من انه سوف يضع الحق في يد غير صاحبه من خلال تقرير حقيقة قضائية ملزمة
للكافة مخالفة للحقيقة الواقعية , وهذا من اخطر ما يمكن ان تشهده المجتمعات
البشرية , لذلك فان اهميته لا تأتي من ارتباطه بعمل القضاة وحياتهم بشكل مباشر بل
ان اهميته متأتية من ارتباطه بقضية العدالة أي بحياة الناس ومصالحهم ووجودهم، ومن
هنا تظهر خطورة عمل القاضي لان القاضي لا يقرر لنفسه بل يقرر للناس وعليهم فهو
الركيزة الاساس في تحقيق العدالة التي سعت وتسعى الامم والشعوب والحكومات والشرائع
الى تحقيقها , وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله تعالى :
((
واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل )) . والحقيقة ان هذه الضمانات لم
تقرر لشخص القاضي بقدر ما هي ضمانات لحسن سير العدالة بين الناس .
والسؤال هو هل يستطيع القاضي ان يحقق
العدالة دون تدخل من احد ؟
من خلال تتبع مسيرة العمل القضائي نجد
ان جهات عديدة حاولت ان تتدخل في عمل القاضي من اجل تحقيق اهدافها وقد اتخذت في
سبيل ذلك وسائل مختلفة مادية ومعنوية , وان القاضي عرضة يومياً للتدخل في عمله ،
مما يستلزم احاطته بمجموعة من الضمانات تنأى به عن كل الضغوط من أي جهة كانت , مما
يستلزم معرفة نظرة المشرع الى هذه الحقيقة
وكيفية التعامل معها ومجموعة القواعد والنظم التي وفرها للقضاة من حيث ضمانات
اختيارهم واستقلالهم وعدم المساس بكرامتهم وعدم مسؤوليتهم .
وتنبع اهمية موضوع ضمانات القاضي ايضاً
من حيث اننا مع اهمية هذا الموضوع البالغة لم نجد في العراق دراسة مستقلة متكاملة
تبحثه , كذلك لم نجد في الدراسات العربية من تناول هذا الموضوع بدراسة مستقلة .
ويهدف البحث الى دراسة هذه الضمانات
وتحديدها في التشريع الاسلامي والتشريع العراقي وبعض التشريعات العربية مع تحديد
اوجه الخلل في هذه التشريعات ان وجدت وكذلك تحديد اوجه القصور في هذه التشريعات
وتحديد الحاجة الى ايجاد ضمانات اضافية فيها او الغاء نص يُحد منها بحسب مقارنتها
مع التشريعات الاخرى او بحسب رؤيتنا التي تقتضيها دواعي العدالة .
لذلك فان هذا البحث تأتي اهميته ايضاً من أنه
سوف يشكل مرجعية للقاضي في معرفة الضمانات المكفولة له في القانون ولا سيما في
العراق لا ننا وجدنا من خلال مراجعة اغلب القضاة في العراق ان لم نقل كلهم عدم
معرفة وعدم احاطة بهذه الضمانات المقررة لهم او التي يجب ان تقرر لهم بل انهم
يؤكدون ان لا ضمان للقاضي وهذا متاتٍّ من تعامل النظام السابق مع القضاء .
كذلك فانه يشكل مرجعية للافراد والجهات الحكومية
في معرفة ضمانات القاضي ومن ثمّ تجنب المساس بهذه الضمانات والوقوف عند حدودها .
كذلك يمكن القول انه يشكل مرجعية للمشرع
العراقي في هذا الظرف الانتقالي للوقوف على حقيقة الضمانات للقاضي واوجه القصور
فيها وما يجب ان يضاف اليها ، والنص عليه في القوانين التي تصدر او تعدل مما يتعلق
بضمانات القاضي .
رابعاً : منهج البحث وخطته :
لما كان هذا البحث يدرس موضوع الضمانات في
الفقه الاسلامي وكذلك في القانون فقد اعتمد
منهج التأصيل لهذه الضمانات في كل من الفقه الاسلامي والقانون .
ولما كانت دراسة هذا الموضوع في القانون العراقي
وحده لا تكفي لبيان صورة متكاملة لهذه الضمانات لذا فقد اعتمدت هذه الدراسة منهج
المقارنة بقوانين بعض الدول العربية , كما ان البحث اعتمد المنهج العلمي القائم
على الاستقراء والتحليل الى جانب التأصيل والمقارنة .
واذ ان تناول موضوع ضمانات القاضي يقتضي التعريف
بالقضاء الذي يشكل مدخلاً نستطيع من خلاله الوقوف على اهمية القضاء ومن ثم اهمية
الضمانات التي تمنح له كذلك لما كان موضوع تحديد شروط القاضي التي يستلزمها تولي
منصب القضاء مهماً في اقرار هذه الضمانات من خلال اختيار القاضي لمنصب القضاء كونه
يستأهل هذا المنصب بكفايته الذاتية دون منة من جهة او اخرى , وهي تشكل الاساس في عمله بحرية ودون تدخل ، لضمان
استقلاله ، لذا سوف ندرسه في فصل تمهيدي مستقل .
وقد تم تقسيم هذا البحث على ثلاثة فصول ,
نتناول في الفصل الاول موضوع القضاء الذي قسمناه على مبحثين تناول في المبحث الاول
التعريف بالقضاء وفي المبحث الثاني نتناول موضوع شروط القاضي , ولمّا كان موضوع
استقلال القضاء يمثل اهمية خاصة في هذا الموضوع فسوف نفرد له فصلاً مستقلاً , إذ
ندرسه في الفصل الثاني في ثلاثة مباحث تناولنا فيها استقلال القضاء عن السلطة
التنفيذية وعن السلطة التشريعية في المبحث الاول
.
ورغم ان موضوع اختيار القضاة واستقلال
النظام الاداري والمالي للقضاة يمثلان صورتين من صور استقلال القضاء رأينا –
لأهميتهما في مجال العمل القضائي – ان نفرد لهما مبحثين إذ نتناول موضوع اختيار
القضاة في المبحث الثاني ونتناول موضوع النظام الاداري والمالي للقضاة في المبحث
الثالث .
ولما كان القاضي بشراً قد يخطئ وهو يباشر
عمله في مجال القضاء لذا اقتضى توفير الحماية له من ان تطاله احكام المسؤولية
المدنية او الجزائية او التأديبية لذا فقد افردنا الفصل الثالث لضمانات هيبة
القضاة وفي ثلاثة مباحث , تناولنا في المبحث الاول الضمانات في المسؤولية المدنية
, وتناولنا في المبحث الثاني الضمانات في المسؤولية الجزائية والتأديبية ,
وتناولنا في المبحث الثالث موضوع ضمانات الاحترام الأدبي للقضاة لما قد يقع على
القاضي في اثناء ممارسة عمله من تطاول واساءة من الخصوم او غيرهم .
وبعد ان انتهينا من كل ذلك فقد انهينا
البحث بخاتمة تتضمن ما تم التوصل اليه من نتائج ومقترحات .
وما
توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب .
أضف تعليق