من الإشكاليات العملية الواقعية قدر المبلغ الذي يدفعه الشفيع حين قيامه بالشفعة؛ حيث يعمد بعض المشترين للأموال المشتركة بالتواطؤ مع بعض الشركاء أو الورثة المخالطين في زيادة سعر شراء المال والمبالغة فيه ويتم ذكر ذلك في بصيرة شراء المشتري للمال محل الشفعة ؛ فإذا قام الشفيع بممارسة حقه في الشفعة طلب منه المشتري دفع الثمن المذكور في بصيرة الشراء ، علاوة على أن هناك إشكاليات أخرى عند التأكد من القيمة الحقيقية للمال أو العين محل الشفعة وكيفية تقدير المبلغ الحقيقي في هذه الحالة، ولما
كانت هذه الإشكاليات العملية كثيرة الوقوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/3/2011م في الطعن المدني رقم (42657) لسنة 1432ه وتتلخص وقائع الدعوى التي تناولها هذا الحكم ان اخوين يملكان أرضاَ مشتركة بينهما قاما بإنشاء مشروع مياه في تلك الأرض حيث قاما بحفر بئر وشبكة ومنظومة سقي ؛وبعد فترة قام أحد الأخوين الشريكين ببيع نصيبه في الأرض والمشروع إلى شخص آخر ثم سافر البائع إلى خارج الوطن وعندما علم الأخ الشريك بالبيع قام بالإنتقال إلى شيخ المحل حيث قام بقيد الشفعة ثم قام بعد بقيد الشفعة لدى المحكمة المختصة وبعدئذ قام برفع دعواه ضد المشتري أمام المحكمة ذاتهاحيث طلب فيها الشفعة في المال المبيع فقبل المشتري ذلك شريطة أن يدفع المدعي الشفيع للمشتري ثمن الأرض وتكليف خبيرين عدلين لتقدير الثمن، وقد خلصت المحكمة الإبتدائية إلى الحكم بقبول دعوى الشفيع وإلزام المدعى عليه المشتري بتسليم العين المشفوعة مع البئر والماكينة والشبكة والملحقات وإلزام الشفيع المدعي بدفع ثمن العين وثمن البئر والماكينة والشبكة والملحقات، فلم يقبل المدعي الشفيع بالحكم الإبتدائي فقام بإستئنافه أمام محكمة الإستئناف التي رفضت عريضة استئنافه وقضت بتأييد الحكم الإبتدائي فما كان من الشفيع إلا أن قام بالطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي أمام المحكمة العليا التي قبلت الطعن وقضت بنقض الحكم الإستئنافي؛ وقد جاء في أسباب حكم المحكمة العليا (ولعل محكمة أول درجة قد اخطأت مادياً عندما ذكرت في أسباب حكمها أن المدعي عمل مكان الماكينة ومد الشبكة ثم حكمت على المدعي بقيمة كل ذلك إضافة إلى المبلغ المزبور بالبصيرة وخمسة الآف أجرة الكاتب ...الخ) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: المبلغ الواجب على الشفيع دفعه في القانون اليمني:
لكثرة حالات الشفعة في اليمن
وكثرة النزاعات المتعلقة بها فقد نظمها القانون المدني تنظيماً جيداً ومفصلاً إلى
حد ما ، ومن ذلك الأحكام العامة التي أشارت إلى المبلغ الواجب على الشفيع دفعه
للمشتري للعين المشفوعة؛ ومن المواد التي تناولت هذا الموضوع المادة (1279) مدني
التي نصت على أنه ( يلزم الشفيع أن يؤدي للمشتري اومن في حكمه مثل العوض قدراً وجنساً ونوعاً وصفة إن
كان مثلياً وقيمته وقت العقد إن كان قيمياً وكذا ما غرمه المشتري في الشراء كأجرة
كتابة الحجج وأجرة الدلال ورسوم تعميد الحجج وما إلى ذلك من المصاريف الرسمية فهي
تعتبر جزءا من العوض) وقد بينت المادة السابق ذكرها تفاصيل المبلغ الذي يتوجب على
الشفيع دفعه إلى المشتري للعقار المشفوع ، ويمكن تلخيص هذا المبلغ على النحو
الآتي:
1- المبلغ الأصلي الذي دفعه المشتري للبائع: وهو ثمن
العقار المشفوع فيه الذي استلمه البائع إلى يده، وقد اشترط النص القانوني السابق
أن يكون هذا المبلغ مثل هذا المبلغ الذي دفعه المشتري للعقار المشفوع من حيث مقداره ونوعه وحنسه..الخ.
2-
ملحقات الثمن الذي دفعه المشتري: هناك
ملحقات للثمن الذي يدفعه المشتري تبعاً للمبلغ الأصلي الذي يدفعه إلى البائع ،
وهذه المبالغ جرى العرف والعادة على أن يدفعها المشتري لأشخاص أو جهات غير البائع
مالك العقار مثل أجرة الأمين الشرعي وحق السعاية والشهود ورسوم التوثيق وضريبة
المبيعات ورسوم التسجيل في السجل العقاري وقد ذكر النص القانوني أن هذه المبالغ
الملحقة بالثمن تعد جزءاً من الثمن.
الوجه
الثاني: إثبات المبالغ المدفوعة من المشتري لبائع العقار:
ذكرنا أن
هناك إشكاليات عدة بشأن تقدير هذه المبالغ التي يجب على الشفيع دفعها ، حبث تظهر
هذه الاشكاليات لوجود الإحتيال والتلاعب والتواطؤ فيما بين البائع والمشتري للعين
المشفوعة حيث يجازف البائع والمشتري في تقدير الثمن حتى
يضطر الشفيع إلى دفع مبالغ أكثر من المبلغ الحقيقي الذي دفعه المشتري بالفعل ثمناً للعقار ، وهذا يقتضي الإشارة إلى الوسائل
التي ينبغي الإعتماد عليها لإثبات هذه المبالغ
أو عند التأكد من صحة وسلامة الثمن المدفوع فعلاً ، ويمكن تلخيص ذلك على
النحو الآتي:
1- بصيرة شراء الأرض المشفوعة: فوثيقة الملكية
تتضمن الثمن الذي دفعه المشتري للبائع وجنسه ونوعه وقدره كما أن غالبية
البصائركانت تتضمن في نهايتها المبالغ
التي اقتضاها الأمين الشرعي والسعاية والشهود وهذا في البصائر القديمة أما في
البصائر الحالية فإنها تتضمن فقط الثمن المدفوع من قبل المشتري إلى يد البائع،
وهذا من عيوب صياغة البصائر في الوقت المعاصر، ولا تكون البصيرة وسيلة إثبات
مقبولة إلا إذا كانت موثوقة ولا تكون كذلك إلا إذا كانت صادرة من أمين شرعي معتمد
ومختص مكانياً .ومن المشهود لهم بالعدالةوالامانة والصدق، علماً بأن كثيراً من
الأمناء الشرعيين يدلس عليهم البائع أو المشتري عند تدوين الثمن في البصيرة حيث
يتفق البائع والمشتري قبل حضورهم إلى الأمين على ثمن غير حقيقي يتم ذكره للأمين
على أنه ثمن الارض المشفوعة ففي هذه
الحالة ليس بوسع الأمين الشرعي حتى لو كان عدلاً وأميناً أن يكتشف هذه الحيلة ،
ولذلك نجد كثير من القضاة لا يعتمدون على البصيرة كدليل وحيد لإثبات الثمن المدفوع
من المشتري إلى البائع للعين المشفوعة وربما أن هذا الأمر كان السبب الدافع لمحكمة
أول درجة لتعيين خبيرين لتقدير ثمن الأرض المشفوعة في الحكم محل تعليقنا.
2- الوثائق والمحررات الأخرى: مثل سندات سداد رسوم ضريبة المبيعات العقارية ورسوم
التوثيق ورسوم المساحة التي يتم تحصيلها في السجل العقاري ، وهذه المحررات رسمية
ولها حجتها الثبوتية، بخلاف المحررات الأخرى الصادرة عن مكاتب بيع وشراء العقارات
والمكاتب الهندسية وسندات قبض السعاية والشهود لاجورهم.
3- الشهادة: حيث يتم إثبات المبالغ التي دفعها المشتري إلى البائع
كثمن يتم إثبات دفعها عن طريق شهادة الشهود الذين شاهدوا واقعة الدفع وعرفوا القصد
من دفع هذه المبالغ.
الوجه الثالث: تقدير مبلغ الشفعة من قبل القضاء:
سبق القول بأن القانون قد أشار إلى المبالغ الواجب على
الشفيع أن يدفعها إلى مشتري العين المشفوعة وسبق لنا ان ذكرنا في الوجه السابق
كيفية إثبات دفع المشتري لتلك المبالغ إلى البائع ثمناً للعين المشفوعة، وعلى هذا الأساس فإذا ثبت لدى القاضي تلك
المبالغ عن طريق وسائل الإثبات الأصولية المشار إليها سابقاً فلا مجال عندئذ
للتقدير لأن هذه المبالغ قد تم تحديدها بوسائل إثبات معتبرة شرعاً وقانوناً، ولكن
إذا كانت وسائل الإثبات السابق ذكرها لم تولد لدى القاضي القناعة والإطمئنان
لسلامتها أو في حالة عدم وجود هذه الوسائل أو الأدلة فلا مناص عندئذ من اللجوء إلى
الخبراء العدول للقيام بتقدير الثمن والمبالغ الملحقة به مع أن القانون لم يجيز
ذلك إلا بالنسبة لتقدير الثمن بسبب مضي
مدة طويلة من وقت دفع الثمن ومطالبة الشفيع بالشفعة حيث نصت المادة (1280) مدني
على أنه ( إذا تأخر طلب الشفعة إلى وقت نقصت فيه أو زادت قيمة النقود التي جرى
التعامل بها غير الذهب والفضة لزم أن يؤدى
مقدار قيمة العوض ويستعان في التقدير في التقدير بالمقومين العدول ولا اثرللزيادة
في
قيمة العين المشفوعة أو نقصانها) ومن خلال
مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد أنه قد نقض الحكم الإبتدائي الذي اعتمد على تقدير
عوض الشفعة والمبالغ الواجب دفعها من قبل الشفيع للمشتري لان ذلك الحكم اعتمد على تقدير الخبراء العدول
للثمن مع أن الثمن كان ثابتاً في البصيرة
وأن المبالغ الأخرى كانت ثابتة بشهادة
الشهود، وربما أيضاً أنه كان هناك خلاف بشأن الثمن المذكور في البصيرة هل
يشمل تكاليف تعميق البئر وبناء مكان
ماكينة رفع المياه من البئر والمكان القائم عليها أم ان الثمن المذكور في البصيرة قاصر على قيمة الأرض؟ والله
اعلم .
إرسال تعليق
فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا