أخر المواضيع

الإعالة كشرط لاستحقاق المعاش التقاعدي

الإعالة كشرط لاستحقاق المعاش التقاعدي
أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 حدد قانون التأمينات والمعاشات المستحقين  للمعاش التقاعدي  بعد وفاة الموظف او المتقاعد صاحب المعاش وصرح القانون بان هولاء لايستحقون هذا المعاش بعد وفاة صاحبه  الا اذا كان الموظف او المتقاعد يعيلهم في اثناء حياته؛ ولكن القانون ولائحته التنفيذية لم يعرفا ماهية الاعالة وحدودها ومظاهرها وكيفية اثباتها ؛ ولذلك فان اغلب النزاعات والخلافات تحدث  فيما بين  موسسة التامينات وبين المستحقين للمعاش التقاعدي الذين كان الموظف او المتقاعد يعيلهم في اثناء حياته هذا من جهة ومن جهة ثانية فان النزاع يحدث كثيرا بين المستحقين للمعاش انفسهم؛ وكان الاولى بالقانون ان يعرف الاعالة حتي يحد من الخلافات التي تحدث كثيرا في هذا الشان ؛ومن هذا المنطلق فقد اخترنا التعليق  الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8/1/2011م في الطعن المدني رقم (40829) لسنة 1432هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان اخت كانت تعيش مع اختها المتقاعدة التي لم يكن لها اولاد فكانت المتقاعدة تعيل اختها المقيمة معها ولم يكن للمتقاعدة اولاد حيث  انها لم تتزوج في حين كان للأخت الاخرى التي تعيلها المتقاعدة اولاد لكنهم يعيشون في محافظة اخرى ولا يعيلون او ينفقون على امهم المقيمة مع اختها المتقاعدة, وعندما توفت المتقاعدة قامت الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات بإيقاف صرف المعاش التقاعدي باعتبار ان المتقاعدة ليس لديها اولاد ولا تعيل احدا ؛ فقامت الاخت بمطالبة الهيئة العامة بصرف معاش اختها التقاعدي على اساس انها المستحقة الوحيدة لمعاش اختها لان اختها كانت تعيلها من هذا المعاش في اثناء حياتها فرفضت الهيئة ذلك مستندة من وجهة نظرها الى احكام قانون التأمينات والمعاشات ولائحته التنفيذية, فقامت تلك الاخت برفع دعوى امام المحكمة الابتدائية المختصة مطالبة  الزام هيئة التأمينات والمعاشات بصرف معاش اختها التقاعدي لها, لان اختها كانت تعيلها وانه لا عائل لها وانها كبيرة السن لا تعمل وليس لها مصدر للدخل فردت هيئة المعاشات بان المدعية ام ولها اولاد يعملون فنفقة امهم واجبة عليهم بموجب قانون الاحوال الشخصية ولذلك لاينطبق على المدعية شرط الاعالة المنصوص عليه في المادة (48) من قانون التأمينات والمعاشات, وقد خلصت المحكمة الابتدائية الى الحكم بقبول دعوى المدعية واستحقاقها لمعاش اختها المتوفية عملا بالمادة  (48)   من القانون رقم (25) لسنة 1991م بشأن المعاشات والتأمينات, وقد جاء في اسباب الحكم الابتدائي (انه لا يوجد نص في قانون التأمينات المشار اليه يحرم الاخوة او الاخوات من معاشات اختهم او اخيهم بل ان المادة (48) من القانون المذكور تنص  على استحقاق الاخوة والاخوات المعاش بشرط الاعالة وهذا الشرط متوفر في المدعية بوجود حكم إعالة صادر من المحكمة المختصةيدل على ان صاحبة المعاش التقاعدي كانت تعيل اختها المدعية) فلم تقبل هيئة التأمينات بالحكم الابتدائي حيث بادرت الى استئناف الحكم الابتدائي امام محكمة الاستئناف وذكرت الهيئة في الاستئناف ان المدعية لها اولاد يجب عليهم الانفاق عليها  وفقا للمواد (157و161و162) من قانون الاحوال الشخصية كما ان المتوفية لم تعل  المدعية المستأنف ضدها حال حياتها وهو شرط جوهري لاستحقاق الاخوة لراتب اخيهم المتوفي, وقد انتهت محكمة الاستئناف الى الحكم برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي, فلم تقبل هيئة التأمينات بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض امام المحكمة العليا وذكرت في  عريضة الطعن       بالنقض الاسانيد ذاتها التي اثارتها الهيئة امام محكمة الاستئناف, وقد قضت الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بإقرار الحكم الاستئنافي وقد جاء في اسباب هذا الحكم (فقد كان الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى الطعن بالنقض  والرد عليه وتبين ان الطاعنة تنعي على الحكم عدم الرجوع الى النصوص القانونية والمبادئ الشرعية, والدائرة تجد انه لا جدوى للطاعنة حيث تبين ان الحكم المطعون فيه قد ايد الحكم الابتدائي الذي استند الى نصوص القانون رقم (25) لسنة 1991م بشأن التأمينات والمعاشات, وحيث ان الحكم قد جاء موافقا لأحكام المادة (48؛) من ذلك القانون فالمتعين اقرار الحكم) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الاتية :
الوجه الأول : السند القانوني للحكم محل تعليقنا :
من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان المادة (48) من قانون التأمينات والمعاشات قد وردت في اسباب الحكم الابتدائي والحكم الاستئنافي وحكم المحكمة العليا, وذلك يعني ان هذه المادة هي مدار الخلاف بين المحكوم لها وهيئة التأمينات, ولذلك فهذه المادة تعد جوهر النزاع وسند الحكم, ولذلك من  اللازم ذكر هذه المادة التي تنص على انه (اذا توفي المؤمن عليه او المتقاعد يستحق من كان يعولهم شرعا وهم الارملة او الارمل والابناء الذكور والاناث والمعالين من الوالدين والاخوة وابناء الابن المتوفي المعاش او المكافأة المقررة طبقا لأحكام هذا القانون وتوزع عليهم بالتساوي واذا توفي المؤمن عليه عن زوجة او زوجات حوامل اعيد توزيع المعاش عند الولادة طبقا لما سبق) وعند التأمل في نص هذه المادة نجد انها قد حددت المستحقين للمعاش التقاعدي في حالة وفاة  الموظف او المتقاعد وانها قد اشترطت لاستحقاقهم المعاش اعالتهم من قبل الموظف او المتقاعد صاحب المعاش, وبتطبيق هذا النص على المحكوم عليها في الحكم محل تعليقنا نجد انها ما كانت تستحق المعاش التقاعدي لأختها المتقاعدة لو لم تكن اختها تعيلها في اثناء حياتها, فالاعالة هي شرط استحقاق المعاش حسبما ورد في النص, ولذلك تركز الخلاف في هذه القضية بشأن ما اذا كانت المتوفية صاحبة المعاش تعيل اختها ام لا حسبما هو ظاهر من مطالعة الحكم محل تعليقنا. وللتأكيد على النص القانوني السابق ذكره فقد نصت المادة (37) من اللائحة التنفيذية لقانون التأمينات والمعاشات على ان المستحقون لمعاش التقاعد هم الزوج والزوجة والابناء من الذكور والاناث والاب والام والاخ والاخت ويستحق هؤلاء انصبة متساوية في معاش التقاعد المستحق عن المؤمن عليه او صاحب المعاش المتوفي ويشترط لاستحقاق الوالدين      والاخوة والاخوات وابناء الابن ان يكونوا معالين من المتوفي قبل وفاته).
الوجه الثاني : مفهوم العائل في القانون واللائحة اثبات الاعالة :
صرح قانون التأمينات والمعاشات المستحقون المعاش التقاعدي واشترط لذلك اعالتهم من قبل الموظف او المتقاعد صاحب المعاش الا ان القانون واللائحة لم يحددا  مفهوم العائل لان هذا المفهوم عام يتداخل مع النفقة والولاية والكفالة وغيرها من المفاهيم المشابهة او المقاربة ولذلك تثور الخلافات فيما بين المطالبين بالمعاش التقاعدي وهيئة التأمينات وفيما بينهم وبين بعضهم بسبب سكوت القانون واللائحة عن تعريف عبارة (العائل او من يعولهم) الواردة في القانون ؛ والمقصود بالعائل ومن يعولهم المقصود بذلك هو ان يتكفل الموظف اوالمتقاعد صاحب المعاش بالانفاق على المستحقين للمعاش المشار اليهم وذلك بصفة منتظمة ومستمرة وان يقوم بتلبية غالبية احتياجاتهم من مكونات النفقة كالسكن والغذاء والكساء, واثبات ذلك يكون عسيرا على من يريد ان يثبت ان صاحب المعاش  كان يعوله لان الغالب في اوجه النفقة انها تتم خفية ؛ ولكن هناك مظاهر يستدل منها او يستشهد بها لاثبات الاعالة كإقامة المستحقين مع صاحب المعاش مثلما حصل مع المحكوم لها في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث اثبتت انها كانت تقيم مع اختها حتى ماتت الاختحيت حصلت على حكم من المحكمة المختصة يثبت حالة اقامتها مع اختها وانها كانت تعيلها, كما يمكن اثبات الاعالة عن طريق تقديم المدعي ما يثبت ان العائل كان يدفع عنه ايجار البيت ويجلب اليه المتطلبات الاساسية ولو لم يكن مقيما معه في البيت المستأجر, وبناء على ما تقدم فان الاعالة مقصورة على النفقة أي ان معناها ان الموظف او المتقاعد قبل وفاته كان ينفق على المستحقين بغالب نفقاتهم وكان يتكفل بغالب نفقاتهم حتى ولو لم تكن النفقة كافية, اما اذا كان يقوم بمساعدتهم في اثناء المرض او مواسم الاعياد او رمضان فلا يكون ذلك من   قبيل الاعالة التي تعني ان المعول يعتمد في غالب نفقته على العائل له, ووفقا لهذا المفهوم للعائل, فان القوامة او الولاية على المستحقين  لا تعني انه  يعولهم او يعولهن فاذا كانت البنت او الاخت موظفة تعول نفسها او تنفق على نفسها فان ولاية الزواج  التي تكون للاب او للأخ لاتعني انه يعولها وكذا الحال بالنسبة للوصاية.
الوجه الثالث : الاعالة الفعلية والاعالة الشرعية والقانونية :
عند التأمل في نص المادة (48) تأمينات السابق ذكرها نجد انها قد اشترطت لاستحقاق المعاش التقاعدي ان يعيل الموظف او المتقاعد صاحب المعاش المستحقين للمعاش من بعده وهذا يعني انه كان يعولهم بالفعل أي انه ينفق عليهم بغالب النفقة بمعنى انه ينفق عليهم بالفعل ولو كان هناك اشخاص اخرين ملزمين بالانفاق عليهم  وفقا لأحكام الشريعة والقانون  طالما ان هؤلاء الملزمون شرعا وقانونا لا يقومون بالإنفاق او الاعالة بالفعل, ولذلك نجد ان هيئة التأمينات والمعاشات في الحكم محل تعليقنا قد ظلت امام محكمتي الموضوع والمحكمة العليا تدافع بان  الاخت المحكوم لها بالمعاش لها اولاد موظفون يجب عليهم وفقا لأحكام قانون الاحوال الشخصية ان يقوموا بإعالتها والانفاق عليها الا ان المحكمة العليا ومحكمتا الموضوع لم تلفت لذلك ؛ لان نص قانون التأمينات هو النص الخاص الواجب التطبيق في النزاع, وختاما نوصي المعنين في هيئة التأمينات بتعريف (العائل والاعالة) كشرط من شروط استحقاق المعاش التقاعدي قطعا للخلافات التي يرجع اغلبها الى غموض هذا المصطلح؛ والله اعلم.         

أضف تعليق

ليست هناك تعليقات

فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا