امرؤ القيس بن
حُجْر:
رحلته إلى
الشرق أو إلى الغرب؟
"القسم الآول"
د. ليلى توفيق العمري
الأستاذ
المساعد في قسم اللغة العربية
الجامعة
الهاشمية
يذهب
بعض الجغرافيين([1]) إلى أن
رحلة امرىء القيس بن جُحْر – التي رافقه فيها عمرو بن قَمِيئة - كانت إلى الهند
ولم تكن إلى القسطنطينية عاصمة بلاد الروم، ويستدلّون على زعمهم هذا من تحديدهم
موقع بعض المواضع التي وردت في شعر ابن قميئة رفيقه في السفر.
وللوصول
إلى الحقيقة لا بدَّ من معرفة الطريق الذي سلكه امرؤ القيس في هذه الرحلة، والذي
انتهى به إلى الموضع الذي حَطَّ فيه قدميه، ومن ثَمَّ كانت له فيه أخبار وأشعار
ونهاية حياة. هذه الحقيقة – التي تنازع جوهرَها وتجاذب أطرافَها
ثلاثةُ محاور يأخذ بعضها برقاب بعض، يشدّه حيناً، ويؤازره حيناً آخر
- تشكّل الأساس الذي يقوم عليه هذا البحث.
فأوّل هذه المحاور: يعتمد على ما ذكرته
كتب الأدب العام بخاصة، وكتب الأخبار والتاريخ عن سبب رحلة امرىء القيس، والديار
التي مرَّ بها في طريقه إلى قيصر ملك الروم.
وثانيها: يحتجّ بما يزوّدنا به ديوانا
امرىء القيس وعمرو بن قميئة من أشعار تبيّن بعض المواضع التي سلكاها وجابا خلالها
أو مرَّا بها، بحيث تقطع في محتواها ومضمونها بمسيرهما إلى ملك الروم، وكذلك بما
تزوّدنا به كتب الأدب العام والتاريخ والطبقات والتراجم من أحوال وأخبار مرافقة
لشعر هذين الشاعرين الذي قيل في هذه الرحلة، تنتهي بنا إلى الغاية التي قصدنا
إثباتها، وأردنا الوصول إليها.
وثالثها: يقوم على ما ورد في كتب
الجغرافيين من أقوال تشير إلى اختلافهم، أو اتفاقهم في تعيين موقع بعض المواضع
التي سلكها امرؤ القيس وعمرو بن قميئة في رحلتهما إلى قيصر، والخروج منها برأي
واضح قطع العلماء فيه القول، وفصلوا فيه الخلاف بينهم.
*
* *
(1)
يذكر
صاحب الأغاني([2])
في خبر يردّه إلى ابن الكلبي أن حُجْراً لم يكن راضياً عن ابنه امرىء القيس، فطرده
من عنده "وآلى ألاَّ يقيم معه أَنَفَةً من قوله الشعر، وكانت الملوك تأنَف من
ذلك، فكان يسير في أحياء العرب ومعه أخلاطٌ من شُذَّاذ العرب من طيِّىء وكلب وبَكر
بن وائل؛ فإذا صادف غديراً أو روضةً أو موضع صيد، أقام فذبح لمن معه في كل يوم؛
وخرج إلى الصيد فتصيَّد، ثم عاد فأكل وأكلوا معه وشرب الخمر وسقاهم وغنَّته
قِيانُه، ولا يزال كذلك حتى يَنْفَدَ ماءُ ذلك الغدير، ثم ينتقل عنه إلى
غيره". واستمرّ امرؤ القيس في هذه الحياة العابثة حتى "أتاه خبر أبيه
ومقتله([3])
وهو بِدَمُّون([4])
من أرض اليمن، أتاه به رجلٌ من بني عِجل يقال له عامر الأعور أخو الوَصَّاف. فلما
أتاه بذلك قال([5]):
تَطَاوَلَ الليلُ عَلَى دَمُّونْ
دَمُّونُ إنَّا معشرٌ يمانونْ
وإنَّنـا لأهْلِهـا
مُحِبُّـونْ
ثم قال: ضَيَّعني
صغيراً وحمَّلني دَمَه كبيراً، لا صَحْوَ اليوم، ولا سُكرَ غداً، اليومَ خمرٌ،
وغداً أمر، فذهبتْ مثلاً. ثم قال([6]):
خليليَّ
لا في اليومِ مَصْحًى لِشارِبٍ ولا في
غَدٍ إذْ ذَاكَ ما كان يُشْرَبُ
ثم شرب سبعاً، فلم صَحَا آلَى ألاَّ
يأكلَ لحماً، ولا يشربَ خمراً، ولا يَدَّهِنَ بدُهن، ولا يصيبَ امرأةً، ولا يغسِلَ
رأسه من جنابة، حتى يُدرك بثأره"([7]).
وفي رواية أخرى أن حُجْراً طرد ابنه
امرأ القيس "لِمَا صَنَع في الشعر بفاطمة ما صنع، وكان لها عاشقاً، فطلبها
زماناً فلم يصل إليها، وكان يطلب منها غِرَّة حتى كان منها يومَ الغدير بدَارةِ
جُلْجُلٍ([8])
ما كان، فقال([9]):
* قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ
ومَنْزِلِ*"
فلما بلغ ذلك حُجْراً
غضب، وأَوْصَى مولى له يقال له ربيعة بقتله، ثم طرده([10])،
وقيل: إنما طرده لأنه تغزَّل بامرأة من نساء أبيه([11]).
فلما طرده والده، صار
يتجول في الآفاق يجمع إليه طائفة من الصعاليك والذؤبان والشذاذ من أحياء طيِّىء
وكلب وبكر، وأخذ يتنقّل بهم في منازل العرب، ويغير بهم على أحيائها، ويقاسمهم ما
تناله أيديهم أو ما يقع لهم من الصيد، ثم يذهب بهم إلى المناهل والغدران والرياض،
يذبح لهم، ويؤاكلهم، ويعاقرهم الخمر، وينشدهم الشعر، وتغنّيهم قيانه، حتى جاءه خبر
مقتل والده، فنبذ هذه الحياة وصمّم على الأخذ بالثأر من قَتَلة أبيه([12]).
ولم يزل امرؤ القيس
مع صعاليك العرب حتى أتاه نبأ مقتل والده وهو بدمُّون من أرض اليمن على رواية ابن
الكلبي، وفي رواية أخرى تنسب إلى الهيثم بن عدي "أن امرأ القيس لمَّا قُتِل
أبوه كان غلاماً قد ترعرع، وكان في بني حَنظلة مقيماً لأن ظِئْرَه كانت امرأةً
منهم. فلما بلغه ذلك قال([13]):
يا لَهْفَ هندٍ إذْ خَطِئْنَ كاهلاَ
تاللهِ لا يَذْهَبُ شيخي باطِلاَ وخيرَهُمْ - قد عَلِمُوا- فواضِلا وحيَّ صَعبٍ والوَشِيجَ الذَّابِلا |
القاتِلينَ المَلِكَ الحُلاحِلاَ
يا خيرَ شيخ حَسَباً ونائِلا يَحمِلْننا والأَسَلَ النَّواهِلا مُسْتَثْفِراتٍ بالحَصَى جَوَافِلا"([14]) |
أتَاني
وأصحابي على رأْسِ صَيْلَعٍ([16])
فقلتُ لِعِجْليٍّ بعيدٍ مآبُهُ: فقال: أَبيتَ اللعْنَ، عَمْرٌو وكاهِلٌ |
حديثٌ
أَطَارَ النَّوْمَ عَنِّي فأَنْعَمَا
أَبِنْ لي وبَيِّنْ لي الحديثَ المُجَمْجَما أباحَا حِمَى حُجْرٍ فأَصْبَحَ مُسْلَمَا |
ويفهم
من هذه الأبيات أن امرأ القيس كان في "صيلع" عندما بلغه نبأ مقتل والده،
أتاه به رجل اسمه عِجْل، ويُعْرف بعامر الأعور([17])،
ويذكر ياقوت الحموي([18])
أن في "صيلع" ورد الخبر على امرىء القيس بمقتل أبيه حُجْر.
وفي
خبر آخر يفيد أنه نزل في "بني دارم"، وبقي عندهم حتى قتل عمه شرحبيل([19])،
وفي رواية مرجعها الهيثم بن عدي أيضاً أنه كان مع والده حُجْر - في جمع من قومه
كندة- عندما هاجمته بنو أسد وقتلته، وأنه هرب على فرس له شقراء، وتمكّن من النجاة([20]).
ويروي ابن السكيت أنه
لمَّا طعن الأسديُّ حُجْراً ولم يجهز عليه، أوصى ودفع كتابَه إلى رجل، وطلب منه أن
يستقري أولاده واحداً واحداً حتى يأتي
امرأ القيس، ففعل، فلما أتى امرأ القيس وجده "مع نديم له يشرب الخمر
ويُلاعبه بالنَّرد؛ فقال له: قُتِلَ حُجْر. فلم يلتفت إلى قوله؛ وأمسك نديمه. فقال
له
امرؤ
القيس: اضربْ فضرب. حتى إذا فرغَ قال: ما كنتُ لأفسد عليك دَسْتك([21]).
ثم سأل
الرسولَ عن أمر أبيه كُلِّه فأَخبره. فقال: الخمرُ عليَّ والنساء حرامٌ حتى أقتُل
من بني أسد مائة وأجُزَّ نواصيَ مائة. وفي ذلك يقول([22]):
وتناقض
رواية ابن السكيت رواية أوثق([24])
منها تنسب إلى الهيثم بن عدي، وهي الرواية الوحيدة - من بين روايات أربع ذكرها أبو
الفرج- التي تقرّر أن امرأ القيس شهد لقاء كندة مع بني أسد، وأنه هرب على فرس له
شقراء، وأعجزهم اللحاق به. ونستطيع أن نوفّق بين هذه الروايات جميعها، إذا ذهبنا
في التأويل إلى أنه فرَّ من المعركة بعد أن هُزم قومه، وقبل أن يقتل أبوه، وأن
الخبر جاءه هارباً في دَمُّون([25]).
ويذكر ابن الكلبي ويعقوب بن السكيت أن
امرأ القيس ارتحل - بعد أن أتاه نبأ مقتل والده- حتى نزل بكراً وتغلب([26])،
فسألهم النصر على بني أسد، فبعث العيونَ على بني أسد فَنَذِروا([27])
بالعيون ولجأوا إلى بني كنانة، ثم علموا أن امرأ القيس يتعقّبهم، فارتحلوا عن بني
كنانة ليلاً دون أن يشعروا، فلما وصل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب إلى بني
كنانة ظانّاً بني أسد بينهم، نادى: يا لِثارات الملك! يا لِثارات الهُمام! فأخبروه
أن بني أسد قد تركوهم وارتحلوا عنهم، فقال في ذلك([28]):
أَلا يا لَهْفَ هِنْدٍ إثرَ قَوْمٍ
وقاهُمْ جَدُّهُمْ بِبَنِي أَبِيهِمْ وأَفْلَتَهُنَّ عِلباءٌ جَريضاً |
هُمُ كانوا الشِّفاءَ فلم يُصابوا
وبالأَشْقَيْنَ ما كان العِقابُ ولو أَدْرَكْنَه صَفِرَ الوِطابُ |
وتتبّعهم امرؤ القيس
حتى أدركهم فقاتلهم فكثرت الجرحى والقتلى فيهم، وحجز الليل بينهم، وهربت بنو أسد،
فلما أصبحت بكر وتغلبُ أَبَوْا أن يتَّبعوهم، وقالوا له: "قد أصبتَ ثأرَك.
قال: والله، ما فعلتُ ولا أصبتُ من بني كاهل ولا من غيرهم من بني أسد أحداً.
قالوا: بَلَى، ولكنك رجل مشؤوم، وكرهوا قتالهم بني
كنانة، وانصرفوا عنه، ومضى هارباً لوجهه حتى لحق بحميرَ"([29]).
كنانة، وانصرفوا عنه، ومضى هارباً لوجهه حتى لحق بحميرَ"([29]).
ويشير ابن قتيبة([30]) إلى أن
امرأ القيس سار إلى بني أسد عندما لجأوا إلى بني كنانة، فأوقع ببني كنانة، ونجتْ
بنو كاهل من بني أسد؛ فقال([31]):
يا لَهْفَ نَفْسِي إذْ خَطِئْنَ كاهـِلا
القاتِلِـينَ المَلِكَ الحُلاحـِلا
تاللهِ
لا يَذْهَبُ شيخي باطِلا
يا ذَا المُخَوِّفُنا بِقَتْـ
أَزَعَمْتَ أَنَّك قد قَتَلْـ |
![]() ![]() ــتَ سَرَاتنا كَذِباً وَمَيْنا |
وفي رواية يرجعها الإخباريون إلى ابن
السكيت: "أن امرأ القيس لما أقبل من الحرب على فرسه الشَّقراء لجأ إلى ابن
عمته عمرو بن المُنذر – وأُمّه هند بنت عمرو بن حُجْر بن آكل المُرار، وذلك بعد
قتل أبيه وأعمامه وتَفرُّقِ مُلكِ أهل بيته،
وكان عمرو يومئذٍ خليفةً لأبيه المنذر ببَقَّة وهي بين الأنبار وهِيتَ-
فمدحه وذكر صِهرَه ورحمه وأنه قد تعلق بحباله ولجأ إليه، فأجاره، ومكث عنده
زماناً. ثم بلغ المنذرَ([33])َ
مكانُه عنده فطلبه، وأنذره عمرو فهرب حتى أتى حمير"([34]).
ويقول ابن الكلبي
والهيثم بن عَدي وعمر بن شبَّة وابن قتيبة([35]):
إنَّ امرأ القيس خرج من فوره –بعد امتناع بكر بن وائل
وتغلب من اتباع بني أسد- إلى اليمن " فاستنصر أزدَ شَنُوءةَ؛ فأَبَوْا أن
ينصروه وقالوا: إخواننا وجيرانُنا. فنزل بقَيْلٍ يُدْعى مَرْثَد الخير بنَ ذي
جَدَن الحميريّ، وكانت بينهما قَرابة، فاستنصره واستمدّه على بني أسد؛ فأمدّه
بخمسمائة رجل من حِميَر؛ ومات مَرثد قبل رحيل امرىء القيس بهم، وقام بالمملكة بعده
رجلٌ من حمير يقال له قَرْمَل ابن الحُمَيْم وكانت أمّه سوداء، فردّد امرأ القيس
وطوَّل عليه حتى همّ بالانصراف؛ وقال([36]):
وإذْ
نَحْن نَدْعُو مَرْثَدَ الخَيْرِ رَبَّنا
|
وإذْ
نَحْنُ لا نُدْعَى عَبيداً لِقَرْمَلِ
|
فأنفذَ له ذلك
الجيشَ؛ وتبِعه شُذَّاذٌ من العرب، واستأجر من قبائل العرب رجالاً، فسار بهم إلى
بني أسد. ومرَّ بتَبَالةَ([37])
وبها صنم للعرب تعظِّمه يقال له ذو الخَلَصة([38])؛
فاستقسم([39])
عنده بقِداحه وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربّص، فأجالها فخرج الناهي، ثم أجالها
فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي؛ فجمعها وكسرها وضرب بها وجهَ الصنم وقال:
مَصِصْتَ بَظْرَ أُمّك! لو أبوك قُتِل ما عُقتَني. ثم خرج فظفِر ببني أسد".
قُولاَ لِدُودَانَ([41])
عبيدِ العَصَا
قد قَرَّتِ العَيْنانِ من مالِكٍٍ (5) ومن بَني غَنْم بنِ دُودانَ(5) إذْ ....... حَلَّتْ ليَ الخَمْرُ وكنتُ امْرَأً فاليومَ أُسْقَى غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ |
ما غَرَّكُمْ بالأَسَدِ الباسِلِ!
ومن بَني عَمْرٍو(5) ومِنْ كاهِلِ(5) نَقْذِفُ أعلاهمْ على السَّافِلِ
عن شُرْبِها في شُغُلٍ شاغِلِ
إثماً مِنَ الله ولا واغِلِ |
ويفهم من هذه الأبيات
أنه أوقع في بطون بني أسد، في: "بني دودان" و "بني مالك" و
"بني عمرو" و "بني كاهل" و " بني غنم بن دودان"،
وهي التي قتلت أباه جُحْراً([42])،
قالها بعد أن أنجده قرمل بن الحميم الحميري([43])،
وأنه "ألبسهم الدروع البيض محماة، وكحّلهم بالنار"([44])،
فبرّ بيمينه، وحلّ له شرب الخمر([45]).
"وألحّ المنذر
في طلب امرىء القيس ووجَّه الجيوش في طلبه من إياد وبَهراء وتَنوخ ولم تكن لهم
طاقة، وأمدّه أنوشروان بجيش من الأساورة فسرَّحهم في طلبه. وتفرَّقت حِميَرُ ومن
كان معه عنه. فنجا في عُصبة من بني آكل المُرار حتى نزل بالحارث بن شِهاب من بني
يَربوع ابن حَنظلة، ومع امرىء القيس أدراع خمسة: الفضفاضة والضافية والمحصِّنة
والخريق وأُم الذيول كُنَّ لبني آكل المرار يتوارثونها مَلِكاً عن ملك. فقلَّما لبِثوا
عند الحارث بن شهاب حتى بعث إليه المنذر مائة من أصحابه يُوعِده بالحرب إن لم
يُسْلم إليه بني آكل المُرار فأسلمهم؛ ونجا امرؤ القيس ومعه يزيد بن معاوية بن
الحارث وبنته هند (بنت امرىء القيس) والأَدرُع والسلاح ومال كان بقي معه؛ فخرج على
وجهه حتى وقع في أرض طيِّىء([46])؛
وقيل: بل نزل قبلَهم على سعد بن الضِّباب الإيادي سيِّدِ قومه فأجاره"([47])،
ومدحه امرؤ القيس([48]).
ثم
إن امرأ القيس تحول عنه فنزل برجل من بَني جَديلة طيِّىء يقال له المعلَّى بن
تَيْم، وكان أجاره والمنذر بن ماء السماء يطلبه فمنعه ووَفَى له، ولم يكن للملكين:
ملك العراق وهو المنذر، وملك الشآم وهو الحارث بن أبي شمر الغساني اقتدار عليه([49])،
وفي ذلك يقول([50]):
كأني إذا نزلتُ على المُعَلَّى
فما مَلِكُ العراقِ على المعلَّى أقَرَّ حَشَا امرىء القيس بن جُحْرٍ |
نزلتُ على البَوَاذِخِ من شَمامِ
بمقتدرٍ ولا مَلِكُ الشآمِ بنو تَيْمٍ مصابيحُ الظلامِ |
وقد لبث عنده زماناً، ثم اضطرّ إلى الارتحال عنه([51])،
فخرج ونزل ببني نبهان من طيِّىء على خالد بن أصمع النبهاني([52])،
فكان عندهم ما شاء الله، ثم خرج فنزل بعامر بن جُوَيْن وهو يومئذٍ أحد الخُلَعاء
الفُتَّاك قد تبرَّأ قومُه من جرائره، فبقي عنده زماناً، ثم أحسَّ منه ما رابه، إذ
أراد أن يغلب امرأ القيس على ماله وأهله، ففطِن امرؤ القيس لذلك بشعر كان عامر
ينطق به، وهو قوله:
فكم بالصَّعيدِ من هِجانٍ مؤَبَّلَهْ
أردتُ بها فَتكاً فلم أَرْتَمِضْله |
تَسيرُ صِحاحاً ذاتَ قيدٍ ومُرْسَلَهْ
ونهنهتُ نفسي بعدما كدتُ أَفْعَلَهْ |
فلما خافه على أهله وماله تغفَّله
وانتقل إلى رجل من بني ثُعَل يقال له حارِثة بن مُرّ([53]) فاستجار
به، فوقعت الحرب بين عامر وبين الثُّعَلي([54]).
وفي ديوان امرىء
القيس من رواية الأصمعي([55]) أن امرأ
القيس تحوّل عن خالد بن أصمع النبهاني فنزل على جاريةَ بن مُرّ بن حنبل أخي بني
ثُعل([56])،
فأجاره وأكرمه.
فلما وقعت الحرب بين
طيِّىء من أجل امرىء القيس، خرج من عندهم، ونزل برجل من بني فَزارة يقال له: عمرو
بن جابر بن مازِن، وكان كثير التردّد على قيصر امبراطور بيزنطة والنعمان ملك
الحيرة، فطلب منه الجوار حتى يرى ذات عَيبة([57])، فأشار
عليه الفَزاري بالذهاب إلى السموأل بن عادياء بتيماء، فوافق، وأرسله في صحبة رجلٍ
من بني فَزارة يقال له: الرَّبيع بن ضُبَع الفَزاري كان ممن يأتي السموأل فيحمِلُه
ويُعطيه، فوفد الفزاري بامرىء القيس إليه، فنزل عنده وأكرمه وعرف له حقَّه. ثم إنه
طلب إليه أن يكتب له إلى الحارث بن أبي شَمِر الغسَّاني بالشام ليوصله إلى قيصر،
فاستنجد له رجلاً، واستودع عنده ابنته هنداً وأدراعه وأمواله، وأقام مع ابنته
"يزيد بن معاوية بن الحارث" ابن عمه، وخرج حتى انتهى إلى قيصر([58]).
ويرى
جرجي زيدان أن امرأ القيس أتى السموأل لمَّا تنكَّرت له القبائل في اليمن ونجد
والحجاز، فلم يجرهُ أحد "فاستجاره فأجاره... وهو لا يرى من يستنصره على
أعدائه إلاَّ قيصر الروم، لأن ملوك الحيرة عمال الفرس نصروا أعداءه على جاري عادة
العرب في ذلك العهد، إذا تظلَّموا من إحدى هاتين الدولتين استنصروا الأخرى"([59]). في حين
يزعم بعض المؤرخين أن امرأ القيس قَرَّر أن يذهب إلى القسطنطينية ليستنجد بملك
الروم لأن قبائل العرب رفضت نصرته خوفاً من بني أسد، وخوفاً من إغضاب المناذرة
والفرس([60])،
وهو زعم يحتاج – في شقّه الأول - إلى إعادة النظر، ليس هذا محّله.
([2])
9: 87، وانظر الكامل في التاريخ 1: 515-516، نشوة الطرب 1: 252، قراءة ثانية في
شعر امرىء القيس: 97، تاريخ آداب اللغة العربية 1: 108-109، تاريخ العرب قبل
الإسلام 3: 252، العرب قبل الإسلام لحسين الشيخ: 170.
وقد
تحدّث عن رحلة امرىء القيس إلى قيصر عدد من الباحثين والمؤلّفين العرب المحدثين،
في مؤلّفات ودراسات متخصّصة عرضت لحياته وشعره؛ منها: امرؤ القيس لسليم الجندي:
12-25، امرؤ القيس حياته وشعره: 75-103، امرؤ القيس شاعر المرأة والطبيعة: 10-11،
16، 17-22، امرؤ القيس الملك الضّلّيل: 21-35،
41-44، امرؤ القيس منتخبات شعرية:
384-394، امرؤ القيس يقف على المسرح: 38-42، أمير الشعر في العصر القديم: 271-294،
الشوامخ امرؤ القيس: 16-21، علاء الدين ومسرحيته الشعرية: امرؤ القيس بن حُجْر:
17-22، الملك الضّلّيل امرؤ القيس:
145-150.
([3])
انظر خبر مقتله في الشعر والشعراء: 50-51، 57-58، الأغاني 9: 82-86، الكامل في
التاريخ 1: 514-515، نشوة الطرب 1: 246-248، المختصر في أخبار البشر1: 74-75،
تاريخ ابن خلدون 2: 572-573، امرؤ القيس حياته وشعره: 44-49، امرؤ القيس شاعر المرأة والطبيعة: 9-10، امرؤ
القيس الملك الضليل: 21-23، امرؤ القيس
يقف على المسرح: 39، أمير الشعر في العصر القديم: 271، تاريخ آداب اللغة العربية
1: 108، العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان: 246، العرب قبل الإسلام لحسين الشيخ: 170.
([7])
الأغاني 9: 87-88، وانظر الشعر والشعراء: 52، وفي ص: 58 ذكر ابن قتيبة أنه عندما
قتل عِلْباء بن الحارث الأسدي حُجْراً، وأفلتَ امرؤ القيس يومئذٍ، حلف لا يغسل
رأسه ولا يشرب خمراً حتى يدركَ ثأره ببني أسد، الكامل في التاريخ 1: 516، نشوة
الطرب 248:1، المختصر في أخبار البشر 1: 75، تاريخ ابن خلدون 2: 573، تاريخ آداب
اللغة العربية 1: 109، تاريخ العرب قبل الإسلام 3: 252-253، العرب قبل الإسلام
لحسين الشيخ: 170-171.
(2)
الأغاني 9: 87، وانظر الكامل في التاريخ 1: 515. يذكر الرواة منهم الخليل بن أحمد
الفراهيدي أنه قَدِم على امرىء القيس رجال من قبائل بني أسد بعد مقتل أبيه حجر
-وقبل تنقّله في قبائل العرب مستنجداً بها للثأر منهم - ليعتذروا إليه وليسووا
قضية قتل والده، فرفض إلا الانتقام من بني أسد قائلاً لهم: " لقد علمت العربُ
أنْ لا كُفْءَ لحُجْر في دم، وإني لن أعتاض به جملاً أو ناقةً فأكتسبَ بذلك
سُبَّةَ الأبد وفَتَّ العَضُد. وأما النَّظِرة (المهلة) فقد أوجبتْها الأجِنَّةُ
في بطون أُمهاتها، ولن أكون لعَطَبها سبباً، وستعرفون طلائع كندةَ من بعد ذلك،
تحمل القلوب حَنَقاً وفوق الأسِنَّة عَلَقاً (الدم)".
وفي
رواية أخرى تنسب إلى أبي عبيدة في هذا المعنى تقول: إن بني أسد اجتمعت " بعد
قتلهم حُجْر بن عمرو، والدَ امرىء القيس، إلى امرىء القيس ابنه على أن يعطوه ألف
بعير دية أبيه؛ أو يُقِيدوه من أي رجل شاء من بني أسد، أو يُمهلَهم حولاً؛ فقال:
أما الدية فما ظننت أنكم تعرضونها على مثلي، وأما القَودُ: فلو قِيد إليَّ ألفٌ من بني أسد ما رَضيتُهم ولا رأيتهم
كفؤاً لحُجْر، وأما النَّظِرة فلكم، ثم ستعرفونني في فرسان قحطان، أُحكِّم فيكم
ظُبَا السيوف وشَبَا الأسنة، حتى أُشْفي نفسي وأنالَ ثأري". الأغاني 9: 103-105، 22: 82 على الترتيب، وانظر ديوان
عبيد: 135، تاريخ العرب قبل الإسلام 3:
258.
([26])
من
الأخبار التي تحدّث بها الرواة قبل نزول امرىء القيس على بَكْر وتغلب - فيما ذكره
المفضل- أن ثعلبة بن مالك من بني عمرو بن معاوية من كندة نازعه على عرش أبيه بعد
مقتله؛ قالوا: إن امرأ القيس وثعلبة أصابا المُلْك بعد قَتْل حجر، فنفِسَ ثعلبةُ
على امرىء القيس منزلتَه من نجد، فأقبل يقود الخيل إليه، وهو يريد قتاله، فبلغ ذلك
امرأ القيس، فخرج بأصحابه ليلقاه بين الأَبْرَقَيْن، حتى إذا كان قريباً منه قال
لجنده: اكمنُوا في غَيابة من الأرض (أي مُنْهَبِط منها) فإني متقدم على فرسي حتى
أبرُز للقوم لعلِّي أغتَرُّهم (آتيهم على غِرَّة)، فأَطْعُن بعضَهم وهم غارّون
(غافلون)، فإنهم سيركبون في أثري ويعجلون عن أداتهم، فإذا مرُّوا بكم متفرّقين -
وقد انهزمتُ لهم، وانقطع نظامُهم- فاحملوا عليهم حملة رجل واحد، فانكمنوا لهم،
وخرجوا وخرج امرؤ القيس على فرسه،
ومعه سيفُه ورمحه، وقد لبس دِرْعَه تحت ثيابه حتى مرَّ على راعي غنم، فسأله عن
معسكر ثعلبة بن مالك، فدلَّه عليه، فسار نحوه تعدُو به فرسه، حتى خالط القوم، فلما
كان في طرف من القوم طعن رجلاً منهم، ثم انهزم، فخرجوا في أثره، تعدو بهم خيلُهم،
ليس عليهم كثير أداة، حتى حاذوْا أصحاب امرىء القيس وهم لا يشعرون بالمكيدة التي
دبَّرها لهم هو وأصحابه. فلما حاذوْهم وفيهم ثعلبة بن مالك -وهو يومئذ مُعْلِم (أي
أعلم مكانه في الحرب بعلامة أعلمها)- حملوا عليه حملة رجل واحد، وكرَّ امرؤ القيس،
فحمل عليه وطعنه طعنة شديدة فأذراه عن فرسه، وانهزم أصحابه، وأسروا منهم كثيرين،
وأسر ثعلبة، ثم قتله امرؤ القيس صبراً؛ وفي ذلك يقول قصيدته التي
مطلعها:
أحـارِ بـنَ
عَمْـرٍو كأَنِّـي
خَمـِرْ ويَعْـدُو علـى
المَـرْءِ ما يأْتَمِـرْ
ديوان امرىء القيس: 153-167، وانظر أمير
الشعر في العصر القديم: 275-276.
([29])
الأغاني 9: 90-92، وانظر 22: 118، الشعر والشعراء: 52، وفيه ذكر ابن قتيبة أنه
استجاش بكر بن وائل، وذكر في ص: 58-59 أنه عندما قُتِل حُجْر أتى امرؤ القيس ذا
جَدَنٍ الحميريّ "فاستمدّه فأمدّه، وبلغ الخبرُ بني أسد فانتقلوا عن منازلهم،
فنزلوا على قوم من بني كنانةَ بن خُزَيمةَ، والكنانيون لا يعلمون بمسيرِ امرىء
القيس إليهم، فطرقهم في جند عظيم، فأغار على الكنانيين وقتل منهم، وهو يظنُّ أنهم
بنو أسد، ثم تبيَّن أنهم ليسوا هم، فقال:
ألا يا لهفَ نفسي إثرَ قومٍ ………… (الأبيات)
ثم
تبع بني أسد فأدركهم وقتل فيهم قتلاً ذريعاً، وقال:
قُولاَ لِدُودَانَ: عبيدِ العصا ………… (الأبيات الآتية)
ثم إن المنذر بن ماء السماء غزا كندةَ فأصاب
منهم، وأسر اثني عشر فتًى من ملوكهم، فأمر بهم فقُتِلوا بمكان بين الحيرة والكوفة،
يقال له جَفْرُ الأملاك، وكان امرؤ القيس يومئذ معهم، فهربَ حتى لجأ إلى سَعْد بن
الضِّباب الإيادي، سيّد إياد، فأجاره…". الكامل في التاريخ 1:
516-517، نشوة الطرب 1: 248-250، المختصر في أخبار البشر 1:
75، تاريخ ابن خلدون 2: 573، وأشار إلى أن امرأ القيس سار إلى المنذر بن امرىء القيس ملك الحيرة بعد أن فاته بنو أسد،
وأوقع في كنانة، ثم سار في اتباع بني أسد، ولم يظفر منهم بشيء، و ص: 574، معاهد
التنصيص 1: 388-389، تاريخ العرب قبل الإسلام 3: 256، العرب قبل
الإسلام لحسين الشيخ: 171.
([35])
الأغاني 9: 92-93، وانظر الأصنام: 59-60، معجم البلدان 2: 439، الكامل في التاريخ
517:1، نشوة الطرب 250:1، وذكر ابن سعيد أن امرأ القيس انصرف إلى حمير فنزل بقبيلة
تدعى مَرْثَد الخير من ذي جَدَن، فاستنصرهم فأمدُّوه بخمسمائة رجل، ولم يذكر في
هذا الخبر موت مرثد وقيام قرمل بن الحميم بالمملكة بعده، وأشار ابن خلدون (تاريخ
ابن خلدون 2: 573) إلى أنه بعد أن رجعت بكر وتغلب عن امرىء القيس سار إلى مُؤثِرِ الخير بن ذي
جدن من ملوك حمير صريخاً بنصره بخمسمائة رجل من حمير بجمع من العرب سواهم، واجتزأ
ابن كثير (البداية والنهاية 1: 204) هذا
الخبر على استقسام امرىء القيس عند ذي الخلصة، وعلى إغارته على بني أسد وقتلهم
قتلاً ذريعاً، بلوغ الأرب 207:2، تاريخ العرب قبل الإسلام 3: 256-257، المستشرقون والشعر
الجاهلي: 101، 106.
([47])
الأغاني 9: 93، وانظر 22: 118، الكامل في التاريخ 1: 517-518، نشوة الطرب 1 :251، المختصر في أخبار البشر 1: 75، تاريخ
ابن خلدون 2: 573، 574، معاهد التنصيص 1: 389، تاريخ العرب قبل الإسلام 3:
257-258، وجاء في العقد الثمين: 73 أن امرأ القيس نزل على هانىء بن مسعود بن عامر
بن عمرو بن أبي ربيعة قبل سعد بن الضباب فاستجاره فلم يجرهُ، فأتى سعد بن الضباب،
فأجاره، فقال يمدحه ويهجو هانىء بن مسعود قصيدته التي مطلعها:
لعَمْرُكَ ما قَلبـِي إلى أهْلِـه
بحُرّْ ولا مُقْصـرٍ يومـاً
فيأْتينـي بِقُـرّْ
أَصَـدَّ نَشـَاصَ
ذي القَرْنَيْنِ حتى تَوَلَّـى
عـارِضُ المَـلِكِ
الهُمَـامِ
([51])
الأغاني 9: 94، وكان سبب تحوّل امرىء القيس عن المعلَّى بن تَيْم كما يذكر
الأصفهاني (9: 94-95): أن امرأ القيس عندما أقام عند المعلَّى زماناً "اتّخذ
إبلاً هناك. فغدا قومٌ من بني جَديلة يقال لهم بنو زيد فطردوا الإبل. وكانت لامرىء
القيس رواحل مُقيَّدة عند البيوت خوفاً من أن يَدهَمه أمرٌ ليسبق عليهن. فخرج
حينئذٍ فنزل ببني نَبْهان من طيِّىء، فخرج نفر منهم فركبوا الرواحل ليطلبوا له
الإبل فأخذتهن جَديلـة، فرجعوا إليه بلا
شيء. فقال في ذلك:
وأَعْجَبَنِي مَشْيُ الحُزُقَّةِ خالدٍ
فَدَعْ عنك نَهْباً صِيحَ في حَجَراتِهِ |
كمَشْي أتانٍ حُلِّئتْ بالمَنَاهِل
ولكنْ حديثاً ما حدِيثُ الرواحِلِ |
ففرَّقت
عليه بنو نَبْهان فِرْقاً من مِعزًى يحلبُها..."، وانظر المحبر: 353-254،
الكامل في التاريخ 1: 518، تاريخ العرب قبل الإسلام 3: 262.
([54])
الأغاني 9: 95-96، وفي ديوان امرىء القيس: 212 أن المنذر بن ماء السماء بعث في إثر
امرىء القيس جيشاً "فلجأ إلى المعلَّى، وكان في طيِّىء، ثم في بني جديلة، ثم
أحد بني ثعلبة، وكان سيِّداً منيعاً فمنعه من المنذر... ثم خرج من فوره ذلك حتى
جعل المنذر يطلبه في كل مكان؛ فخَشِيَ أن يصيبَه فلم يُنَهْنِه دون أن أتَى قيصر
ملك الروم..."، وفي الشعر والشعراء: 59 أن امرأ القيس تحول عن سَعْد بن
الضباب الإيادي إلى جَبَلَيْ طيِّىء، فنزل على قوم منهم عامرُ ابن جُوَيْن الطائي،
وفي الكامل في التاريخ 1: 518 أنه رحل عن المعلَّى بن تيم الطائي، ونزل بعامر بن
جوين الطائي، وانظر تاريخ العرب قبل الإسلام 3: 262.
([58])
الأغاني 9: 96-99، وانظر 22: 118-119، شعر السموأل: 7، طبقات فحول الشعراء: 279، المحبر: 349، الشعر والشعراء: 60، وفيه
ذكر ابن قتيبة أن امرأ القيس " لم يزل ينتقل من قوم إلى قوم بجبلَيْ طيِّىء،
ثم سمت به نفسه إلى ملك الروم. فأتى السموأل بنَ عادياءَ اليهوديَّ، ملك تيماء،
وهي مدينةٌ بين الشام والحجاز، فاستودعه مائة درعٍ وسلاحاً كثيراً..."، مجمع
الأمثال 441:2، المستقصى 1: 435، الكامل في التاريخ 1: 518. ويقرب من خبر الشعر
والشعراء ما ذكره ابن سعيد في نشوة الطرب 1: 251، وأبو الفداء في المختصر في أخبار
البشر 1: 75، تاريخ ابن خلدون 2: 573، 574، معاهد التنصيص 1: 388، 389-390، بلوغ الأرب 1: 136-137،
تاريخ آداب اللغة العربية 1: 108، تاريخ الأدب العربي لبلاشير: 292، تاريخ العرب
قبل الإسلام 3: 262، العرب قبل الإسلام لجرجي زيدان: 246. أما اليعقوبي فإنه يروي
في (تاريخه 1: 217-220) عن امرىء القيس – منذ أن بلغه مقتل أبيه حُجْر إلى أن وصل
إلى قيصر ملك الروم- رواية تختلف في كثير من أحداثها وتفاصيلها عن رواية صاحب
الأغاني، يقول فيها: "فلما بلغه مقتل أبيه جمع جمعاً، وقصد لبني أسد، فلمَّا
كان في الليلة التي أراد أن يَغير عليهم في صبيحتها نزل بجمعه ذلك، فذعر القطا،
فطار عن مجاثمه، فمرَّ ببني أسد، فقالت بنت علباء: ما رأيت كالليلة قطا أكثر! فقال
علباء: لو تُرك القطا لغَفَا ونام، فأرسلها مثلاً. وعرف أن جيشاً قد قرب منه،
فارتحل، وأصبح امرؤ القيس، فأوقع بكنانة، فأصاب فيهم وجعل يقول: يا للثارات!
فقالوا: والله ما نحن إلا من كنانة! فقال:
ألا يـا لَهْـفَ
نفسـي، بَعْـد
قـومٍ، .......... (الأبيات)
...
ومضى امرؤ القيس إلى اليمن لما لم يكن به قوّة على بني أسد ومن معهم من قيس، فأقام
زماناً، وكان يُدْمِن مع نَدَامَى له، فأشرف يوماً، فإذا براكب مقبل، فسأله: من
أين أقبلت؟ قال: من نجد! فسقاه مما كان يشرب، فلما أخذت منه الخمرة رفع عقيرته،
وقال:
سقينا امْرأ القيس بن حُـجْر بن حارثٍ كؤوسَ الشَّجا حتى تَعَوَّدَ بالقَهْـــرِ
وأَلْهَـاهُ شـُرْبُ ناعِـمٍ وقراقـــرٍ، وأَعْياهُ ثَأرٌ كـان يَطْلُبُ في حُــجْرِ
وذاك لَعَمْري كـان أَسْهَـلَ مَشْرَعاً عليه مِنَ البِيضِ الصَّوارِمِ والسّمْرِ
ففزع
امرؤ القيس لذلك، ثم قال: يا أخا أهل الحجاز! مَنْ قائل هذا الشعر؟ قال: عَبيد بن
الأبرص. قال: صدقت! ثم ركب، واستنجد قومه، فأمدّوه بخمسمائة من مذحج، فخرج إلى أرض
معدّ، فأوقع بقبائل من معدّ، وقتل الأشقر بن عمرو، وهو سيِّد بني أسد، وشرب في قحف
رأسه، وقال امرؤ القيس في شعر له:
قـُولا
لـِدُودَانَ: عَبيـدِ العَصَـا، ........... (الأبيات)
وطلب
قبائل معدّ امرأ القيس، وذهب من كان معه، وبلغه أن المنذر ملك الحيرة قد نذر دمه،
فأراد الرجوع إلى اليمن، فخاف حضرموت، وطلبته بنو أسد وقبائل معد، فلمَّا علم أنه
لا قوّة به على طلب المنذر واجتماع قبائل معدّ على طلبه، ولم يمكنه الرجوع، سار
إلى سعد بن الضباب الإيادي، وكان عاملاً لكسرى على بعض كور العراق، فاستتر عنده
حيناً، حتى مات سعد بن الضباب، فلما مات سعد خرج امرؤ القيس إلى جبلَيْ طيِّىء،
... فنزل بقوم من طيِّىء ثم لم يزل ينتقل في طيِّىء مرّة، وفي جديلة مرَّة، وفي
نبهان مرَّة، حتى صار إلى تَيْماء، فنزل بالسموأل بن عادياء... فأودعه أدراعاً،
وانصرف عنه يريد ملك الروم، حتى صار إلى قيصر ملك الروم، فاستنصره، فوجّه معه
تسعمائة من أبناء البطارقة".
اترك تعليقا: