المبحث الثاني
المرابحة
وسنتناول هذا المبحث في ثلاثة مطالب ، الأول
في بيع المرابحة العادية ، والثاني طبيعة المرابحة ومشروعيتها والثالث شروط صحة المرابحة .
المطلب
الأول
المرابحة
العادية
المرابحة صورة من صور البيع ، وعلى وجه
التحديد من بيوع الأمانة ، وهي البيوع التي تستند على الثقة بين المتبايعيين
وتعتمد رأس المال أساساً للثمن ، ومنها بيع التولية والوضيعة .
وكما أوضحنا فيما تقدم ، يجوز إبرام هذه
البيوع بالدفع العاجل أو السداد بالأجل .
وقد اتفق المسلمون على جوازها استناداً إلى
عموم الأدلة التي تبيح البيع بصفة عامة ، ووضعوا لها من الشروط والضوابط بحيث تبقى
في إطار الصدق والأمانة الذي تدور عليه هذه البيوع .
والأهم في هذه البيوع هو بيع المرابحة ،
والذي استخدمته البنوك الإسلامية كأداة للتمويل لديها ، ولتقوم هذه الأداة
الإسلامية المشروعة ، فيما بعد وبشكل رئيسي ، مقام نظام التمويل بالفائدة لدى
البنوك التقليدية ، وقد احتل نظام التمويل بالمرابحة للأمر بالشراء ، الدرجة
الأولى بين أدوات التمويل المستخدمة لدى البنوك الإسلامية .
وسنتناول في هذا المطلب موضوع المرابحة
العادية من حيث طبيعتها وشروطها وضوابطها وتطبيقاتها العملية في عدد من الفروع
فيما يلي :
المطلب
الثاني
طبيعة
المرابحة ومشروعيتها
المرابحة لغة : مصدر من الربح هي
الزيادة . [1]
وهي مفاعلة من الربح ، وهو النماء في
التجارة (التجر) . [2]
وفي الاصطلاح الفقهي : عرفها
المالكية بأنها : ( مبيع السلعة بالثمن الذي اشتراها به مع زيادة ربح معلوم ) . [3]
وعرفها الحنابلة بأنها : ( بيع برأس المال
وربح معلوم ) . [4]
وعرفها الحنفية بأنها : ( بيع بمثل الثمن
الأول مع زيادة ربح ) . [5]
وعرفها الشافعية بأنها : ( عقد يبنى الثمن
فيه على ثمن البيع الأول مع زيادة ) . [6]
مشروعيتها : يستمد بيع المرابحة
مشروعيته من القرآن والسنّة واتفاق الفقهاء حوله من حيث المبدأ .
في القرآن : قال تعالى : [ ليس
عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر
الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ] . سورة البقرة ، الآية
198 .
وذلك أن المرابحة تمثل ابتغاء للفضل أي
الزيادة ، كما أنها تدخل في عموم عقود البيع المشروعة لقوله تعالى : [ وأحل الله
البيع وحرّم الربا ] . سورة البقرة، الآية 275 .
في السنّة : كما أجاز الرسول عليه
الصلاة والسلام بيع السلعة بأكثر من رأس مالها في قوله عليه السلام : ( البيعان
بالخيار ما لم يفترقا ) .
وأيضاً : ( لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره
، خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه ) . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب
بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح
سواءً بسواء ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت
هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم ) . [7]
اتفاق الفقهاء : هناك أيضاً فتوى
صادرة عن مؤتمر المصاريف الإسلامية الثاني تقول : ( إن المواعدة على بيع المرابحة
للأمر بالشراء ، بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها
بالربح المذكور في الوعد السابق هو أمر جائز شرعاً طالما كانت تقع على المصرف
مسؤولية الهلاك قبل التسليم ، وتبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي ، أما بالنسبة
للوعد وكونه ملزم للأمر بالشراء أو المصرف أو كليهما فإن الأخذ بالإلزام أمر مقبول
شرعاً ، وكل مصرف مخيّر في الأخذ بما يراه في مسألة القول بالإلزام حسب ما تراه
هيئة الرقابة الشرعية لديه ) . [8]
المطلب
الثالث
شروط
صحة المرابحة
المرابحة بيع كالبيوع تحل بما تحل به
البيوع ، فحيث يكون البيع حلالاً فهي حلال ، وحيث كان البيع حراماً فهي حرام ،
ولكن يلزم لصحة المرابحة بالإضافة إلى الشروط العامة في العقود ( كالأهلية والمحل
والصيغة ) بعض الشروط الأخرى منها ما يلي :
1 - أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني ،
لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والعلم بالثمن الأول شرط لصحة البيع
فإذا لم يكن معلوماً فهو بيع فاسد . [9]
2 - أن يكون الربح معلوماً لأنه بعض الثمن ، والعلم
بالثمن شرط لصحة البيع.[10]
3 - أن لا يكون الثمن في العقد الأول مقابلاً بجنسه
من أموال الربا ، فإن كان كذلك بأن اشترى المكيل أو الموزون بجنسه مثلاً بمثل لم
يجز بأن يبيعه مرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول وزيادة ، والزيادة في أموال
الربا تكون ربا لا ربحاً . [11]
4 - أن يكون رأس المال من المثليات كالمكيلات
والموزونات والعدديات المتقاربة ، فإن كان قيمياً مما لا مثل له من العروض لم يجز
بيعه مرابحة، لأن المرابحة بيع بمثل الثمن الأول مع زيادة ربح . [12]
5 - أن يكون عقد البيع الأول صحيحاً ، فإن كان
فاسداً لم تجز المرابحة ، لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ، والبيع
الفاسد يثبت الملك فيه بقيمة المبيع إن كان قيمياً أو بمثله إن كان مثلياً ، لا
بالثمن المسمى لفساد التسمية ، والمملوك بالقيمة لا يباع مرابحة ، لأن القيمة مجهولة
لا تعرف إلاّ بالتقويم ، والمرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح والثمن الأول
هنا مجهول القيمة . [13]
وتوجد شروط أخرى متعلقة بكل من بيان العيب
، وما قد يطرأ على المبيع من الزيادة أو النقصان ولأن بيع المرابحة من بيوع
الأمانة ، فيمتنع فيها على البائع خيانة المشتري في ثمن البيع صفة وقدراً ، أو في
المبيع من حيث سلامته أو تعيبه .
وقد شرح أئمة المذاهب الإسلامية والفقهاء
المسلمون من بعدهم هذه الأمور بالتفصيل الدقيق مع ضرب الأمثلة عليها ، ليرجع إليها
من يريد الاستزادة في هذا الموضوع . [14]
ومما سبق ذكره من شروط خاصة بالمرابحة ،
يتبين وجوب أن يكون المبيع حاضراً يراه المشتري ، أو أن يكون قد رآه وعرفه ، وأن
يعرف المشتري مقدار الثمن الأصلي ومقدار الربح الذي سيدفعه زيادة عن الثمن الأصلي
، إن كان المبيع حالاً .
وأن يعرف مقدار الثمن الآجل إن كان بيع
المرابحة مرتبطاً بالأجل ، لأن الثمن الآجل يكون أعلى من الثمن الحال عادة .
(3) علاء الدين بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب
الشرائع، دار الكتاب العربي، ط2،بيروت ،1394هـ،ج5،ص222.
(1) مسلم بن حجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، المكتبة
العصرية، صيدا ، بيروت ، سنة 2004،كتاب البيوع، ص 568 وما بعدها .
(2) فتاوى المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، المنعقد في دولة الكويت
ما بين 6-8 جمادى الأخرى 1403هـ الموافق 21-23 آذار سنة 1983، حيث شارك فيه كلاً
من العلماء الشيوخ إبراهيم المحمود، بدر المتولي عبد الباسط، حسن عبد الله الأمين،
زكريا البري، زكي الدين شعبان، عبد الحميد السائح، محمد الحبيب الخوجة ، محمد
سليمان الأشقر، محمد الصديق الضرير، يوسف القرضاوي، المصدر، الفتاوى الشرعية،
الجزء الثاني، البنك الإسلامي الأردني، المرجع السابق ، ص 49-52 .
(2)
محمد صلاح الصاوي، مشكلة الاستثمار في البنوك الاسلامية، دار الوفاء، المنصورة، ط1
، سنة 1990، ص 206
0 comments:
إرسال تعليق
فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا