*عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي والمدعى عليه معاً
*عبء الإثبات يقع على عاتق المدعي والمدعى عليه معاً*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
*الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen
➖➖➖➖➖➖
*▪️يظن بعض الأشخاص ان الإثبات دوماً يكون على كاهل المدعي، في حين ان هذا الظن على خلاف قاعدة الإثبات في الفقه الإسلامي وقانون الإثبات اليمني حسبما يظهر من مطالعة الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15/10/2012م في الطعن رقم (49762)، الذي قضى بانه: ((وتشير الدائرة هنا إلى ان الإثبات هو (إقامة الدليل بالطرق القانونية لإثبات الحق المتنازع عليه أو نفيه) حسبما ورد في المادة (1) من قانون الإثبات، أي ان عبء الإثبات يقع على من يدعي حق وعلى من يدعي نفيه، فهو يطال الخصمين وفقاً لذلك النص)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الأول: السند القانوني للحكم بان عبء الإثبات يقع على الطرفين المدعي والمدعى عليه:*
*▪️حسبما هو ظاهر في أسباب الحكم محل تعليقنا نجد انه استند إلى المادة (1) من قانون الإثبات التي نصت على ان: (الدعوى هي طريق المدعي إلى القضاء للحصول على الحق الذي يدعيه قبل المدعى عليه، والإثبات: إقامة الدليل بالطرق القانونية لإثبات الحق المتنازع عليه أو نفيه) فهذا النص يصرح بان عبء الإثبات يقع على عاتق طرفي الدعوى (المدعي والمدعى عليه) فبنبغي على المدعي ان يقدم الأدلة المثبتة لدعواه وفي الوقت ذاته ينبغي على المدعى عليه إذا أراد ان ينفي الحق المدعى به عليه ينبغي عليه ان يقدم الأدلة التي تنفي وجود الحق المدعى به لديه، فمذهب القانون اليمني على خلاف ما ذهب اليه القانون المصري الذي جعل الاثبات على كاهل المدعي بالحق، وقد احسن القانون اليمني صنعا حيث اراد ان يكون موقف المدعى عليه في الخصومة موقفاً إيجابياً متفاعلاً فلا يكتفي بالإنكار لان التساجل بالأدلة بين طرفي الخصومة يظهر الحقيقة التي يهدف القاضي إلى الحكم بها، فتقرير عبء الإثبات على طرفي الخصومة مصدره ومعينه هو الشريعة الإسلامية وتحديداً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (البينة على المدعي واليمين على من انكر) فالشريعة الإسلامية لم ترد من المدعى عليه ان يكون سلبياً في الدعوى فأوجبت عليه ان يحلف اليمين لدحض الدعوى المرفوعة عليه ،ومن باب أولى ينبغي عليه ان يقدم الأدلة المتوفرة لديه لنفي الدعوى المرفوعة عليه، فذلك أولى من بذل اليمين حفظاً ليمينه أو فدية ليمينه (تفسير آيات الأحكام، أ.د.عبدالمؤمن شجاع الدين، صـ47)، وقد أخذ نظام الإثبات الانجليزي بما قررته الشريعة الإسلامية في هذا الشأن، حيث يقوم المدعي في بريطانيا برفع دعواه ويكتفي بتقديم المضان والاحتمالات والأدلة الناقصة وعندئذ يجب على المدعى عليه ان يبادر إلى نفي الحق المدعى به وتقديم الأدلة على ذلك (رسالة الإثبات، د.أحمد نشأت، 1/43).*
➖➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثاني: ترتيب عبء الإثبات:*
*▪️نص القانون حسبما قضى الحكم محل تعليقنا بان عبء الإثبات يكون على عاتق الطرفين معاً المدعي والمدعى عليه، وذلك يقتضي الإشارة إلى ترتيبهما في تقديم أدلة الإثبات والنفي، حيث ينبغي على المدعي اولا ان يقدم ادلة إثبات دعواه، ولذلك فان ترتيب المدعي يكون أولاً حيث يقوم المدعي بتقديم أدلة إثبات الحق الذي يدعيه أمام المحكمة ثم يأتي الدور الإيجابي للمدعى عليه في مواجهة الدعوى المرفوعة عليه وادلتها فعندئذ ينبغي عليه ان يقدم الأدلة التي تنفي إنشغال ذمته بالحق المدعى به، وبناءً على ذلك فانه يجب على المدعي ان يقدم ادلته أولاً وينبغي ان تكون ادلة المدعي مقنعة للقاضي بصحة دعواه وبعدئذ يتم تكليف المدعى عليه بتقديم ادلته على نفي وجود الحق المدعى به في ذمته.*
➖➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الثالث: اهمية تقرير عبء الإثبات على الطرفين المدعي والمدعى عليه:*
*▪️لا يستطيع القاضي الوقوف على الحقيقة والحق والحكم به إلا اذا ظهر له الحق، فالحق لا يظهر إلا إذا تداعى امام القاضي اطراف الخصومة على قدم المساواة وتمت الاجراءات في مواجهتهما وقدم كل منهما ادلته وعبر عن وجهة نظره في كل ما يقال او يقدم في مجلس القضاء، فالتداعي امام القضاء تقليب للأدلة من نواحيها المختلفة، فلا يقف القاضي على الحقيقة والإحاطة بالقضية المنظورة امامه إلا إذا تناول الخصوم الأدلة إثباتاً ونفياً كما ان القاضي لا يستطيع المناقشة للأدلة والموازنة والترجيح بينها إذا وقف المدعى عليه موقفا سلبيا مكتفيا بإنكار الدعوى فقط.*
➖➖➖➖➖➖
*▪️الوجه الرابع: قاعدة المثبت مقدم على النافي ليست على إطلاقها:*
*▪️عند الترجيح بين ادلة الإثبات والنفي يستعمل القاضي قاعدة (المثبت مقدم على النافي) والحقيقة ان هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فهناك حالات يكون النافي مقدما على المثبت إذا كانت ادلة النافي المدعى عليه ارجح من أدلة المدعي المثبت من حيث مرتبتها ، ففي هذه الحالة يكون النافي مقدما على المثبت فيقول الشافعي ان النفي يتقدم على الإثبات إذا اعتضد بمزيد ثقة، وحاصله إن كان النافي قد استند إلى العلم فهو مقدم على المثبت، وفي حالات اخرى يتساوى المثبت مع النافي فلو شهد إثنان حاضران الواقعة بالقتل وشهد آخران حاضران الواقعة بعدم القتل يكون المثبت والنافي أي سواء لان النفي والإثبات المحصورين سيان، والله اعلم.*
أضف تعليق