بعد أن أغار الروم على بلدة زبطرة كان
هناك تاجر يشاهد ذلك فأسرع إلى حاكم المسلمين في ذلك العصر المعتصم بالله ابن
هارون الرشيد فقال للحرس أريد مقابلة أمير المؤمنين وعند وصوله قال له المعتصم ما
ورائك يا هذا وكان تاجراً يطوف الشرق والغرب واوربا , فقال له :
أغار الروم على بلدة زِبَطْرَة المسلمة وعاثوا فيها فساداً، واعتدى رومي من أهل عمّورية على امرأة عربية مسلمة
فصاحت مستنجدة بكم يا أمير بصوتها العالي(وامعتصماه, وامعتصماه, وامعتصماه) فسخر منها الرومي، وقال دعيه يأتي إليك بخيلً أبلج, فقال له المعتصم أحقاً ذكرتني بالاسم , قال الرجل بلا, فأقسم أن ينصرها.
قال المعتصم أتوني بخيل أبلج ، وأمر القادة
بجمع الجند والاتجاه نحو بلاد الروم وفتح عمّورية وعند وصولهم كان المناخ وقت
تساقط الثلوج , فعند وصولهم إلى عمورية وجدوها محصنه وكان خارج الحصون مزارع التين
والعنب والزيتون , فقال البعض ننصح يا أمير (نصحوا المعتصم) بالانتظار
حتى ينضج التين والعنب فيخرجوا إليها فنقاتلهم لأنه لن يستطيع فتح عمّورية قبل ذلك
لكنه لم يستمع لنصيحتهم ، فقال ْأتوني بالشباب اليافعين الذين باعو أنفسهم لله
وقاموا بتسلق الجدران وفتح الباب ودخل المسلمون وقتلوا من قتلوا وأسرو من أسروا, وأسر الجندي الرومي الذي أعتدى على المرأة
المسلمة وأحضر المرأة لتراه ويراها، فقال لها المعتصم إن أرتد الاقتصاص منه
فلتفعلي, وانتصر، فأنشد أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في ذلك بائيته هذه .
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ *** في حدّهِ الحدُّ بينَ
الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في*** مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك
والرّيَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَةً*** بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لا
في السَّبْعَةِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا*** صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ
فيها ومنْ كَذِبِ
فَتْحُ الفُتوحِ تَعَالَى أَنْ يُحيطَ بِهِ*** نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ
نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ
فتحٌ تفتَّحُ أبوابُ السَّماءِ لهُ*** وتبرزُ الأرضُ في أثوابها القُشُبِ
يَا يَوْمَ وَقْعَةِ عَمُّوريَّة انْصَرَفَتْ*** منكَ المُنى حُفَّلاً
معسولةِ الحلبِ
سبعون ألفا كآساد الشرى نضجت***جلودهمْ قبل نُضج التين والعنب
أبقيْتَ جدَّ بني الإسلامِ في صعدٍ*** والمُشْرِكينَ ودَارَ الشرْكِ في
صَبَبِ
لقد تركتَ أميرَ المؤمنينَ بها*** للنَّارِ يوماً ذليلَ الصَّخرِ والخشبِ
غادرتَ فيها بهيمَ اللَّيلِ وهوَ ضُحىً*** يَشُلُّهُ وَسْطَهَا صُبْحٌ
مِنَ اللَّهَبِ
حتَّى كأنَّ جلابيبَ الدُّجى رغبتْ*** عَنْ لَوْنِهَا وكَأَنَّ الشَّمْسَ
لَم تَغِبِ
ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفةٌ*** وظُلمة مِن دخانٍ في ضُحىً شحبِ
فالشَّمْسُ طَالِعَةٌ مِنْ ذَا وقدْ أَفَلَتْ*** والشَّمسُ واجبةٌ منْ
ذا ولمْ تجبِ
ما ربعُ ميَّةَ معموراً يطوفُ بهِ*** غَيْلاَنُ أَبْهَى رُبىً مِنْ رَبْعِهَا
الخَرِبِ
ولا الْخُدُودُ وقدْ أُدْمينَ مِنْ خجَلٍ*** َشهى إلى ناظِري مِنْ خَدها
التَّرِبِ
لوْ يعلمُ الكفرُ كمْ منْ أعصرٍ كمنتْ*** لَهُ العَواقِبُ بَيْنَ السُّمْرِ
والقُضُبِ
تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِمِ*** للهِ مرتقبٍ في الله مُرتغبِ
ومُطعَمِ النَّصرِ لَمْ تَكْهَمْ أَسِنَّتُهُ*** يوماً ولاَ حُجبتْ عنْ
روحِ محتجبِ
لَمْ يَغْزُ قَوْماً، ولَمْ يَنْهَدْ إلَى بَلَدٍ*** إلاَّ تقدَّمهُ جيشٌ
من الرَّعُبِ
لوْ لمْ يقدْ جحفلاً، يومَ الوغى لغدا*** منْ نفسهِ وحدها في جحفلٍ لجبِ
رمى بكَ اللهُ بُرْجَيْها فهدَّمها*** ولوْ رمى بكَ غيرُ اللهِ لمْ يصبِ
مِنْ بَعْدِ ما أَشَّبُوها واثقينَ بِهَا*** واللهُ مفتاحُ باب المَعقل
الأشبِ
أمانياً سلبتهمْ نجحَ هاجسِها*** ظُبَى السيوفِ وأطراف القنا السُّلُبِ
لَبَّيْتَ صَوْتاً زِبَطْرِيّاً هَرَقْتَ لَهُ*** كأسَ الكرى ورُضابَ
الخُرَّدِ العُرُبِ
عداك حرُّ الثغورِ المستضامةِ عنْ*** بردِ الثُّغور وعنْ سلسالها الحصبِ
أجبتهُ مُعلناً بالسَّيفِ مُنصَلتاً*** وَلَوْ أَجَبْتَ بِغَيْرِ السَّيْفِ
لَمْ تُجِبِ
حتّى تَرَكْتَ عَمود الشرْكِ مُنْعَفِرا*** ولم تُعرِّجْ على الأوتادِ
والطُّنُبِ
كَمْ أَحْرَزَتْ قُضُبُ الهنْدِي مُصْلَتَةً*** تهتزُّ منْ قُضُبٍ تهتزُّ
في كُثُبِ
خَلِيفَةَ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ*** جُرْثُومَةِ الديْنِ
والإِسْلاَمِ والحَسَبِ
بصُرْتَ بالرَّاحةِ الكُبرى فلمْ ترها*** تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ
إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهرِ من رحمٍ*** موصولةٍ أوْ ذمامٍ غيرِ مُنقضبِ
أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أبو تمام. الشاعر، الأديب. أحد أمراء البيان. ولد في جاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر، واستقدمه المعتصم إلى بغداد، فأجازه وقدمه على شعراء..
فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا