جزاء ندب خبير غير مختص
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
مقدمة:
يلجأ القاضي إلى ندب الخبير لبيان الرأي في مسألة فنية دقيقة يدقّ على
القاضي فهمها والإحاطة بها حيث يندب القاضي
صاحب الخبرة والاختصاص لبيان الرأي في تلك المسألة الدقيقة، بيد أنه إذا اخطأ القاضي في ندب الخبير فكان من غير ذوي الاختصاص فان ذلك يبطل حكم القاضي، إضافة إلى ان إعتراض الخصم على ندب الخبير أو إعتراضه على نتائج عمل الخبير لا يسقط حقوق
الخصم المعترض الثابتة في تقرير الخبير حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2/4/2012م في الطعن رقم (48089)، وقد
قضى هذا الحكم بانه ((كما ان الشعبة التفتت عن الاستئناف المقدم من الطاعن حالياً
بالنقض الذي طالب فيه الحكم له ببقية المبالغ التي
صرفها للترويج للمنتج كإيجار المحلات وخلافه التي لم تحكم بها له المحكمة
الابتدائية بحجة انه اسقط حقه في الاستشهاد برأي الخبير المحاسبي لأنه اعترض على النتائج التي توصل اليها المحاسب ، وما ذهبت إليه الشعبة بهذا الشأن غير
موفق لان إعتراض المستأنف (الطاعن حالياً بالنقض) على تعيين المحاسب القانوني للقيام
بمهمة تقدير التعويض المدعى به من قبله كوكيل الشركة
المنتجة في مدينة... وذلك عن الترويج والتسويق والبيع للمنتج المذكور في مدينة...، ،فما ذكره الطاعن في محله ولا يعد إعتراضه على المحاسب أو تقريره إسقاطاً لحقه في الاستشهاد برأي الخبير، إضافة الى ان المحاسب ليس من
اصحاب الخبرة في الموضوع المنتدب لأجله مما يستوجب إعادة الأوراق إلى الشعبة
التجارية لمعاودة نظر خصومة الاستئناف والنظر في الاستئناف المقدم من الطاعن
حالياً لاستظهار ما يجري به العرف في هذا المجال ممن يعملون في الانشطة المماثلة
(وكلاء وموكلون) وبما يتفق ومراكز الطرفين المتنازعين وبما انتهى إليه الحكمان
الابتدائي والاستئنافي من تكييف للعلاقة القائمة بين الطرفين، فالطاعن وكيل حصري للمطعون ضدها في
مدينة...، فينبغي على الشعبة إنتداب من تراه من
أصحاب الخبرة للتثبت من إستحقاق الطاعن مقابل ما صرفه للترويج والتسويق للمنتج في ضوء المستندات المقدمة منه
وما جرى به العرف) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: ماهية الخبرة القضائية:
اعمال الخبرة وسيلة من أهم وسائل الإثبات يتم اللجوء إليها في المسائل الفنية التخصصية التي يدق فهمها على القاضي حيث يقوم
القاضي بتكليف أهل الخبرة والاختصاص بدراسة المسألة الفنية وإزالة أوجه الغموض التي تلابسها وبيان اوجه
الرأي فيها ، وتختلف اعمال الخبرة بإختلاف التخصصات والخبرات المختلفة، فهناك خبرة طبية تندرج ضمنها تخصصات (قلب/عيون/جلد...إلخ) وهناك خبرة
هندسية تندرج ضمنها تخصصات فرعية (معمارية/ميكانيكية/ الكترونية...إلخ) وهكذا في
بقية التخصصات، ولا يكون لأعمال الخبرة حجيتها إلا إذا تمت بموجب تكليف من القاضي ولذلك يظهر البعد القضائي للخبرة إضافة إلى ان
اعمال الخبرة تتسم بالصفة القضائية ولذلك يطلق على الخبير
(العدل) علاوة على ان الخبير يرد بما يرد به القاضي (الوجيز في مبادئ الإثبات
والبينات، د.صلاح الدين الناهي، صـ75).
الوجه الثاني: الخبير غير المختص وتأثيره على تقرير الخبرة:
قضى الحكم محل تعليقنا بان المحاسب القانوني ليس صاحب خبرة فيما يتعلق
بتقدير التعويض المستحق عن اعمال الوكالة التجارية، لان المحاسب خبرته نوعية فيما يتعلق بأعمال المحاسبة والمراجعة
والتدقيق، اما اعمال الوكالة التجارية وبيان تكاليف التأسيس والإعلان للمنتج
والعمولات المستحقة للوكيل والأعراف التجارية
المرعية في هذا المجال، فالخبرة في تخصص الوكالات التجارية تخرج عن نطاق
إختصاص المحاسب، فأصحاب الخبرة في مجال الوكالات هم من يعملون وينشطون في هذا
المجال حسبما قضى الحكم محل تعليقنا، ولذلك فان تقرير اعمال الخبرة عندما يصدر من
شخص مختص فإنما يصدر عن شخص غير خبير وهذا يفقد التقرير الصادر عنه حجيته وقيمته القانونية حسبما قضى الحكم محل تعلقينا.
الوجه الثالث: إعتراض الخصم على
تقرير الخبير لا يسقط حقوقه المثبتة في التقرير:
كان الحكم المطعون فيه بالنقض قد ايد الحكم الابتدائي الذي اسقط المبالغ التي
احتسبها الخبير المحاسب في تقريره بناءً على المستندات المقدمة من الطاعن للمحاسب
حيث برر الحكم الابتدائي إسقاط تلك المبالغ بان إعتراض وملاحظات الطاعن على تقرير المحاسب يجعله غير معترف به وغير قابل لنتائج تقرير الخبرة ، وبشان هذه المسالة فقد قضى الحكم محل تعليقنا بان إعتراض الخصم أو ملاحظاته على تقرير الخبير
لا يسقط حقوقه التي يتوصل إليها التقرير، لان الخبير العدل
عندما يقوم بعمله يكون بناءً على تكليف القاضي وبموجب القانون ،فرفض الخصم أو إعتراضه على النتائج
التي يتوصل اليها تقرير الخبرة لا تسقط حقوق الخصم المعترض كما أن الخصم المعترض يباشر في إعتراضه حقا كفله القانون
إضافة الى أن تقرير الخبرة يخضع للسلطة
التقديرية لمحكمة الموضوع فهي التي تقبله أو لاتقبله أما إعتراضات الخصوم وإن كانت
تسهم في تصويب أعمال الخبرة الا أن هذه الإعتراضات لاتسقط أو تهدر تقارير الخبرة ، ونلاحظ ان الحكم
محل تعليقنا عندما ناقش مسألة المبالغ التي تم إسقاطها بسبب
إعتراض الطاعن لم يكن الحكم محل تعليقنا في ذلك قد أقر أو اعتمد التقرير الصادر من
غير مختص وإنما اشار الحكم وارشد إلى ان إعتراض الخصم أو عدم قبوله بالتقرير لا يسقط حقوقه الثابتة بتقرير اعمال
الخبرة، والله اعلم.
اترك تعليقا: