ميزان العدالة ..مائل !
حين نتحدث عن العدالة ، فأنت تتحدث عن شقين (متهم وقانون ) ، وحين تتحدث عن متهم ، فأنت تتحدث عن تهمة معينة وتضعها فى كفة ميزان ، وتضع امامها حُكما على الكفة الأخرى كى لا تخل الموازين ، وتتحقق العدالة التامة حين تتساوى الكفتين.. فهى كما يرمزون اليها ، امرأة معصوبة العينين تشد بايديها على ميزان العدالة .. فليس على الميزان شئ سوى التهمة والحكم ، ولا يصح ان نمسك تهم اخرى او قضايا اخرى ونضعها على كفة الادانة - انتقاما من هذا الشخص- ويصير على الكفة الاخرى ايضا نفس الحكم للتهمة الأصلية .. فهذا هو الظلم بعينه !
إن مفهوم العدالة يتضمن مفهومي الحر
ية والمساواة بعكس مفهوم الظلم الذي يتضمن الاستبداد وانعدام المساواة ، لذلك ترمز المحاكم للعدالة بعمود الميزان الذي ينتصب بين كفتين متساويتين، هذا الرمز صعب التحقق في الواقع البشري الشديد التعقيد، وإذا سُئل أي شخص عادي عن وضعه فسوف يشكو لطوب الأرض من عدة ظلامات ولعل الأكثر إثارة للضحك هو قصة ذلك الرجل الذي طلب من أحد المحامين أن يكتب له شكوى تتضمن الظلم الذي تعرض له من قبل جاره، فلما انتهى المحامي من كتابة الشكوى وقرأها على الرجل، انفجر الرجل باكياً ولما سأله المحامي عن سبب بكائه رد الرجل قائلاً : لم أكن أعرف أنني كنت مظلوماً إلى هذا الحد! قديما منذ فجر التاريخ كان يرمز للعدالة بـ«امرأة معصوبة العينين تحمل ميزاناً وسيفاَ»، فقد تم استخدام هذا التعبير عبر قرون متعددة وحضارات مختلفة ومتباينة، وذلك لدلالته القوية ومعناه الواضح، حيث تلعب المرأة دوراً فعّالاً وحيوياً في بناء المجتمع، فهي اللّبنة الأساسيّة للمجتمعات المتقدمة، وهي كالبِذرة الّتي تُنتج ثماراً تصلُح بصلاحها وتفسد بفسادها؛ فهي من تَبني الأجيال لِينهضوا بحضارتهم، ويصنعوا مستقبلاً واعداً لبلادهم. وبسبب هذه الأهمية الكبرى للمرأة كانت هي سيدة العدل وأصبحت رمزا له في كافة أصقاع الأرض، فهى تعتبر منحوتة «سيدة العدل» من بين التماثيل الأعظم المعترف بها عالمياً ومن المثير للاهتمام أن هذا التمثال موجود في معظم المباني القانونية وبيوت العدل في العالم. وفى داخل قاعات المحاكم على مستوى العالم توضع هذه الصورة للمرأة المعصوبة التى تمثل العدالة لتذّكر العاملين بقطاع القضاء بالعدل للجميع، فإذا كانت البشرية منذ عهود سحيقة قد اتخذت من المرأة أعلى صورة للعدالة، فما الذى جعل دورها يتلاشى فى معظم المجتمعات العربية والإسلامية بهذه الصورة.
والسؤال الذى يطرح نفسه هنا..لماذا يرمز للعدالة
بامرأة معصوبة العينين..تحمل بيدها ميزان..وبالأخرى سيف؟ يُجيب الخبراغ القانونيون،
أن هذه الصورة ترمز إلى المدرسة الجنائية التقليدية التي يقيس القاضي فيها حجم
العقوبة بقدر حجم الجريمة دون أن ينظر إلى شخص المجرم والأسباب التي دفعته إلى
ارتكاب الجريمة، ولهذه الأسباب ظهرت بعدها المدرسة «النيو كلاسيكية» لكنها لم توفق
وبعدها ظهرت المدرسة الوضعية الإيطالية بزعامة الطبيب العسكري «لومبروزو» حيث تم
تصنيف المجرمين إلى المجرم بالصدفة والمجرم الخلقي وغيرها من التقسيمات، فضلاَ عن
الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجرم وأخذ هذه الظروف بنظر الاعتبار عند تحديد
العقوبة والمعروف «بمبدا تفريد العقوبة» فأصبح للقاضى حرية إصدار العقوبة تشديدا أو
تخفيفا طبقا للسيرة الجنائية «صحيفة السوابق» . الرﻣﺰ ﻟﻠﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺈﻣﺮﺃﺓ ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ
ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ﺗﺤﻤﻞ ﻣﻴﺰﺍﻧﺎً ﺑﻴﺪ ﻭﺍﻟﺴﻴﻒ ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺍﻷﺧﺮﻯ، فإنها «ﻣﻌﺼﻮﺑﺔ ﺍلعينين» ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ
ﺗﻘﺘﻀﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﺼﻮﻡ ﺩﻭﻥ أﺩﻧﻰ ﺗﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻨﻬﻢ، أﻣﺎ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﺬﻱ تحمله ﻓﻴﻪ إﺷﺎﺭﺓ
إﻟﻰ ﺍﺣﻘﺎﻕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻓﻖ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن. ﺑﻴﻨﻤﺎ «ﺍﻟﺴﻴﻒ» ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺮﺍﺩﻋﺔ ﻟﻠﺠﺎﻧﻲ
ﻭﺍﻷﻗﺘﺼﺎﺹ ﻣﻨﻪ ﻟﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺑﺬﻟﻚ، ﺍﻷﻣﻮﺭ إﻟﻰ ﻧﺼﺎﺑﻬﺎ ﻭﺑﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﺍﻋﺎﺩﺓ ﻛﻔﺘﻲ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ
ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺘﻴﻦ ﺑﻌﺪ أﻥ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﺍﻟﻤﺠﺮﻡ ﺟﺮﻳﻤﺘﻪ ﻓﺴّﺒﺐ ﺍﺧﻼﻻً ﻓﻴﻬﺎ، ﺃﻣﺎ ﻋﻦ ﻛﻮﻧﻬﺎ
«ﺇﻣﺮﺃﺓ» ﻭ ﻟﻴﺴﺖ ﺭﺟﻼً ﻓﻬﻲ ﻟﻺﺷﺎﺭﺓ ﺃﻧﻪ ﺭﻏﻢ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻭ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﻥ ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ
ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻛﻮﻥ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺃﺭﺣﻢ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺍﻟﺮﺟﻞ.
فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا