اخر الأخبار

أحدث المواضيع

دراسة في القانون والقضاء اليمني حول حكم قسمة الإنسان لماله في حياته قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني د. عبد المؤمن بن عبد القادر شجاع الدين، الأستاذ المشارك رئيس قسم الفقه المقارن كلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء- اليمن الملخص العربي :

 

دراسة في القانون والقضاء اليمني حول حكم قسمة الإنسان لماله في حياته
قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني

د. عبد المؤمن بن عبد القادر شجاع الدين، الأستاذ المشارك رئيس قسم الفقه المقارن كلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء- اليمن

الملخص العربي :


انتشرت في العصر الحاضر ظاهرة قسمة الأشخاص لأموالهم في أثناء حياتهم على ورثتهم المحتملين, وقد تناول القانون اليمني هذه المسالة في نصوص مجملة غامضة متضاربة, حيث يحيط الغموض بهذا الموضوع من كل جانب,وقد اجتهدت المحكمة العليا باليمن (محكمة النقض) في معالجة هذه المشكلة اجتهاداً يحتاج للدراسة والبحث للتثبت من مدى موافقته للفقه الإسلامي ونصوص القانون اليمني,ومن ثم استخلاص النتائج وتقديم الـتوصيات المناسبة بشأن هذا الموضوع.

مقدمة:

الحمد لله الذي حدٌ الحدود وشرٌع الأحكام والصلاة والسلام على محمد بدر التمام وعلى اله وصحبه الكرام: أما بعد: فهذه المقدمة تتضمن مشكلة البحث وتساؤلاته ومناهجه ونطاقه و تقسيماته, وبيان ذلك على النحو الأتي:

أولاً: مشكلة البحث:

➖➖➖➖➖

تكمن مشكلة البحث في غموض هذا الموضوع وعدم استقراره في أذهان غالبية القضاة والمحامين والباحثين والمعنيين, ويرجع ذلك إلى الفروض الآتية:

▪️حداثة هذا الموضوع وجدته, لأنه نازلة من النوازل المعاصرة فلم يشر إليه من الفقهاء المتقدمين الا ابن حجر الهيثمي واحمد بن حنبل.

▪️تداخل هذا الموضوع مع تصرفات أخرى كالعطية والهبة والوصية والقسمة بعد الموت.

▪️تناثر مفردات هذا الموضوع في مراجع ومصادر شتى بل أن أقوال العلماء المعاصرين في هذه المسالة قد وردت ضمن فتاويهم أو مقابلات صحفية معهم كل عالم على حدة فلم تجمعها دراسة أو بحث.

▪️لم يتعرض القانون المدني اليمني لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته مع أن هذا القانون نظم أحكام القسمة الرضائية والقضائية.

▪️أشار قانون الأحوال الشخصية لهذا الموضوع في نصوص مجملة وغامضة ومتضاربة.

▪️عدم وجود مذكرة إيضاحية أو لائحة تفسيرية لقانون الأحوال الشخصية.

▪️عدم وجود شروح لمواد القانون التي تناولت هذا الموضوع.

▪️اختلاف العلماء المعاصرين بشان هذا الموضوع وتشعب هذا الخلاف.

ثانياً: تساؤلات البحث:

➖➖➖➖➖

▪️ما المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته؟

▪️ما الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والتصرفات المشابهة لذلك كالقسمة بعد وفاة المورث والعطية والهبة والوصية ؟ وما هو التكييف الفقهي لقسمه الإنسان ماله في أثناء حياته؟

▪️مادوافع قسمة الشخص ماله في أثناء حياته؟

▪️ماهي أقوال العلماء بشان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته؟ وما هي الفتاوى التي صدرت في هذا الشأن؟

كيف نظم القانون الـيمني هذا الموضوع؟

▪️ماهي أوجه القصور التي شابت القانون في هذا الشان؟

▪️ماهو موقف القضاء اليمني من هذا الموضوع؟ وما هو اجتهاده في هذا الشأن؟

▪️كيف تعامل هذا الاجتهاد مع هذا الموضوع؟

▪️ماهي منطلقات وأسس اجتهاد المحكمة العليا باليمن؟

▪️مامدى موافقة اجتهاد المحكمة العليا في هذا الموضوع لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني؟

ثالثاً: أهداف البحث:

➖➖➖➖➖➖

▪️جمع أقوال العلماء المعاصرين في هذه المسالة, ونظم الأقوال المتماثلة في قول واحد ثم ذكر أدلة كل قول والترجيح بينها.

تنص المادة (18) من القانون المدني اليمني على أن (المرجع في تفسير نصوص القوانين وتطبيقها هو الفقه الإسلامي والمذكرات الشارحة الصادرة من الهينة التشريعية المختصة) ومن المؤكد عدم وجود المذكرة الشارحة التي أشار أليها النص السابق ,ولذلك لم يعد هناك من مرجع لاستجلاء غموض أو إجمال النصوص القانونية التي تناولت هذا الموضوع إلاماورد في الفقه الإسلامي.

▪️بيان معالجة القانون اليمني لهذا الموضوع وأوجه القصور في ذلك.

▪️بيان اجتهاد المحكمة العليا باليمن بشان الموضوع ومدى موافقته أو مخالفته لأحكام الفقه الإسلامي ونصوص القانون.

▪️تقديم توصيات مفيدة لمعالجة القصور في تنظيم القانون لهذا الموضوع واجتهاد القضاء بشأنه.

رابعاً: مناهج البحث:

➖➖➖➖➖➖

▪️استعمل الباحث بحسب مقتضيات البحث المنهج الوصفي، وكذا المنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي بالإضافة إلى إجراء مقابلات مع بعض المختصين كالقضاة وغيرهم.

خامساً: نطاق البحث الزماني والمكاني والموضوعي:

➖➖➖➖➖

نطاق البحث الزماني:

▪️بالنسبة للشريعة الإسلامية فأنها لاتتحدد بزمان أو مكان، وعلى ذلك فإن البحث سوف يبين موقف الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من غير تحديد بزمان أو مكان، أما بالنسبة للقانون فان البحث يتحدد على القانون اليمني النافذ، ولن يتعرض للقوانين السابقة.

نطاق البحث المكاني:

▪️بالنسبة للشريعة الإسلامية فأنها لاتتحدد بمكان، ولذلك فالبحث سوف يذكر أقوال الفقهاء من غير تحديد للدول والأمصار التي أقاموا بها، أما بالنسبة للقانون فان نطاق البحث يتحدد على القانون اليمني، ولن يتعرض لغيره إلا على سبيل الإشارة أو المقارنة بحسب مقتضيات البحث.

نطاق البحث الموضوعي:

▪️يتحدد البحث في موضوع قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته على ورثته المحتملين من حيث ماهيته وتكييفه وأقوال العلماء في حكمه, وموقف القانون اليمني واجتهاد المحكمة العليا باليمن في هذا الشأن, ومدى موافقة هذا الاجتهاد القضائي لأحكام الفقه والقانون، ولن يتعرض البحث لهذا الموضوع من حيث الوجهات الأخرى كالوجهة الاجتماعية وغيرها, كما أن البحث لن يتعرض للمسائل التفصيلية ذات الصلة بهذا الموضوع كأحكام القسمة بعد الموت والعطية والهبة والوصية.

خامساً: تقسيمات البحث:

➖➖➖➖➖

▪️يتكون البحث من مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة, وذلك على النحو الأتي:

مقدمة البحث:

▪️تتضمن مشكلة البحث وتساؤلاته وأهدافه ومناهجه ونطاقه وتقسيماته.

المبحث الأول:

▪️ماهية قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته: وذكرنا فيه المقصود بهذه القسمة والفرق بينها وبين التصرفات الأخرى كالقسمة بعد الموت والعطية والهبة والوصية والتكييف الفقهي لهذا التصرف ودوافع قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته.

المبحث الـثاني:

▪️قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في الفقه الإسلامي: ونشير فيه إلى أقوال العلماء بشان حكم هذا التصرف.

المبحث الـثالث:

▪️قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني: ونبين فيه معالجة القانون اليمني لهذا الموضوع واجتهاد المحكمة العليا بشأن ذلك ومضمون هذا الاجتهاد و منطلقاته ومدى موافقة هذا الاجتهاد لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني.

المبحث الأول:

ماهية قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته :

➖➖➖➖➖

▪️ويتكون هذا المبحث من المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته ودافعها.

المطلب الثاني: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والتصرفات المشابهة.

المطلب الأول:

▪️المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته ودافعها :

ويتكون من فرعين:

الأول: المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته, والفرع الثاني:الدافع لإجراء قسمة المال في أثناء حياة المورث.

الفرع الأول : المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

➖➖➖➖➖

▪️القسمة في اللغة مشتقة من القَسْمُ وهو: مصدر قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً, فانْقَسَم هوالموضع مَقْسِم مثال مجلس. وقَسَّمَه: جزَّأَه، وهي القِسمةُ, والقِسْم، بالكسر: النصيب والحَظُّ، والجمع أَقْسام، وهو القَسِيم، والجمع أَقْسِماء واقسام وأَقاسِيمُ, فيقال: هذا قِسْمُك وهذا قِسْمِي,ويقال: القِسْم والمِقْسَم والقَسِيم نصيب الإِنسان من الشيء,كما يقال:قَسَمْت الشيء بين الشركاء أي أَعطيت كل شريك قِسْمه وقَسِيمه ([1]), وفي ضوء ما تقدم يكون المراد بقسمة المال أي توزيعه على الأولاد وغيرهم.

▪️وعلى ذلك فان المقصود بقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته هو قيام الشخص نفسه في أثناء حياته بحصر أمواله وتثمينها ثم يقوم بتقسيمها بين ورثته المحتملين([2]).

الفرع الثاني: الدافع لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

➖➖➖➖➖

▪️يتلخص هذا الدافع في أن كثيرا من الأشخاص يخشون اختلاف ورثتهم من بعدهم عند قسمة تركاتهم بعد موتهم أو خوفهم من استئثار بعض الورثة بالتركة وسطوهم على أنصبة الورثة الضعفاء, أو الخشية من عدم قدرة الورثة أو غيرهم على الحصر و التثمين الحقيقي لمكونات التركة بعد وفاة المورث,كما قد يكون الباعث رغبة الشخص في جبر ضعف بعض الورثة وتعويضهم,إضافة إلى انه قد يكون الباعث على إجراء هذه القسمة هي رغبة المورث في المساواة بين الورثة ذكوراً وإناثا,([3]) أو رغبته في تقدير سعاية احد الورثة الذي سعوا في نما وزيادة المال أو تقدير مقابل خدمة لنساء الشخص إذا كانت إحدى قريباته قد تفرغت لخدمته كما لو كان عاجزا يحتاج للخدمة والقيام بأمره, كما لا يستبعد أن يكون الدافع على إجراء هذه القسمة حرمان بعض الورثة من أنصبتهم الشرعية أو إنقاصها, كما لو كان الشخص له ابنة وزوجة وإخوة فيقوم بالقسمة في أثناء حياته بقصد حرمان أخوته([4]).

المطلب الثاني:

▪️الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والتصرفات المشابهة :

▪️كي يكون التصرف محل البحث واضحاً ينبغي الإشارة إلى أهم الفروق التي تميز قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته عن التصرفات المشابهة كالقسمة بعد وفاته والعطية والهبة والوصية.

أولاً: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والقسمة بعد وفاته:

➖➖➖➖➖➖

▪️القسمة في اللغة من القَسْمُ وهو: مصدر قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً,وقَسَّمَه: جزَّأَه، وهي القِسمةُ, ([5]) أما القسمة عند الفقهاء,فهي إفراز بعض الأنصبة وتمييزها عن بعض ومبادلة بعضها ببعض([6]), فالقسمة تحديد أنصبة الورثة الشرعية في التركة التي يتركها مورثهم بعد موته([7])، والقسمة للتركة لاتكون إلابعد موت الإنسان, أما القانون المدني اليمني فقد عرف القسمة في المادة (1197) بأنها (معرفة مقدار ما لكل شريك في المال وإفرازه بعد موازاة السهام في المثليات وتعديلها في القيميات ).

▪️والقسمة أما أن تكون رضائية أو قضائية, فالرضائية تتم بالتراضي بين الورثة,في حين أن القسمة القضائية أو الجبرية تتم بنظر القضاء عند اختلاف الورثة.

▪️عند تطبيق هذه المفاهيم العامة على قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته نجد أن هذه القسمة تكون في أثناء الحياة وليس بعد الموت,كما انها لاتتم بنظر القضاء, فليس هناك تركة,لان المورث لم يمت بعد, فلازالت أمواله بذمته فلم يتركها, ولايستطيع احد مطالبته بقسمتها, ولذلك فهذه القسمة تختلف من حيث تكييفها وأحكامها عن القسمة بمفهومها الفقهي والقانوني.

ثانياً: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والعطية والهبة :

➖➖➖➖➖

▪️العطية هي مايعطى الوالد لأولاده خاصة أثناء حياته وتجب فيها المساواة, أما الهبة فهي المال الذي يهبه الشخص لغير أولاده ولا تشترط فيها المساواة, ويشترط لنفاذ العطية والهبة أن يقبضها المعطى له أو الموهوب له([8]).

▪️على هذا الأساس فان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته إذا انحصرت على الأولاد فقط فكان هؤلاء هم كل الورثة المحتملين للشخص فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية الخالصة ,وتنطبق على هذا التصرف أحكام العطية, أما إذا كان هناك ورثة محتملون غير أولاد الشخص فيكون التصرف بالنسبة لهم هبة, في حين يكون هبة خالصة إذا لم يكن للشخص أولاد وكان له ورثة محتملون من غير الأولاد, ولذلك فان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته تستمد كثيرا من أحكامها من العطية كما سنرى.

رابعاً: الفرق بين قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته والوصية:

➖➖➖➖➖

▪️الوصية تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيراً لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ([9])، أما قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته فهو تصرف يتم وينفذ في أثناء الحياة، ويكون للأولاد والورثة المحتملين, في حين أن الوصية تكون لغيرهم فلاوصية لوارث, كما أنه لاتشترط المساواة في الوصية,في حين المساواة مشروطة في القسمة أثناء الحياة عندما يكون الورثة المحتملون هم الأولاد.

خامساً: التكييف الفقهي لقسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

➖➖➖➖➖

▪️من خلال ماتقدم يظهر أن قسمة الإنسان ماله على ورثته المحتملين في أثناء حياته ليس قسمة حقيقة بالمفهوم الشرعي والقانوني ,لأن الشخص لازال حياً ولازالت له أهلية وذمة مالية شرعية وقانونية فلاتركة إلابعد موته, كمان قسمة الإنسان ماله لاتتم بنظر القضاء, فحق الورثة لايكون إلابوفاة مورثهم, كما أن هذه القسمة تتم بصورتين الأولى أن يقوم الشخص بقسمة ماله على ورثته المحتملين بإرادته المنفردة ويعطي كل واحد من هؤلاء الورثة المحتملين ما يخصه حيث يقوم هؤلاء بقبض هذه الأموال والتصرف فيها أثناء حياة المورث, فعندئذ يكون هذا التصرف من قبيل العطية للأولاد أو الهبة لغير الأولاد, وقد يقوم الشخص في أثناء حياته بقسمة ماله على ورثته المحتملين ويطلب منهم التوقيع على وثيقة القسمة بما يفيد رضاهم بذلك وموافقتهم عليها, ولكنه لايمكن الورثة من الأموال التي حددها لهم في الوثيقة ولايقبضونها,فهذا التصرف يندرج ضمن الوصية وتنطبق عليه أحكامها.

▪️وعلى أساس ماتقدم فان القسمة في أثناء حياة المورث تصرف خاص مستقل ظهر في الآونة الأخيرة يحتاج إلى إفراده بدراسة بحثية مستقلة لبيان ماهيته وحكمه وتطبيق ذلك على اجتهاد المحكمة العليا باليمن (محكمة النقض) ومعرفة مدى موافقته أو مخالفته لأحكام الفقه الإسلامي ونصوص قانون الأحوال الشخصية.

المبحث الثاني:

القسمة في أثناء حياة المورث في الفقه الإسلامي :

➖➖➖➖➖

▪️لم يقف الباحث إلا على إشارات إلى هذا التصرف في بعض مراجع الفقه الإسلامي القديمة وتحديداً قول الأمام احمد بن حنبل وابن حجر الهيثمي, حيث قال ابن حجر –رحمه الله ( إذا قسم الأب ما بيده بين أولاده, فإن كان بطريق أنه ملَّك كل واحد منهم شيئاً على جهة الهبة الشرعية المستوفية لشرائطها من الإيجاب والقبول والإقباض أو الإذن في القبض، وقبض كل من أولاده الموهوب لهم بذلك، وكان ذلك في حالة صحة الواهب جاز ذلك، وملك كل منهم ما بيده لا يشاركه فيه أحد من إخوته)([10]).

▪️كما ان ابن قدامة ذكر أن الأمام احمد بن حنبل قال في هذه المسالة(أحب أن لايقسم ماله‏، ويدعه على فرائض الله تعالى لعله أن يولد له فإن أعطى ولده ماله‏،‏ ثم ولد له ولد فأعجب إليَّ أن يرجع فيسوي بينهم، يعني يرجع في الجميع أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد منهم ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث‏ ليساوي إخوته)([11]).

▪️أما في العصر الحاضر فقد أصبحت قسمة الإنسان لماله في إثناء حياته ظاهرة عامة منتشرة تستدعي الدراسة والبحث, ولذلك فقد اختلف العلماء المعاصرون بشأنها اختلافاً واسعاً ومتشعباً حيث,وردت أقوال العلماء متناثرة كل عالم على حدة,وذلك في مراجع ومصادر وشتى, فمنهم من ذهب إلى عدم جواز إجراء هذه القسمة ومنهم من ذهب إلى جوازها شريطة أن تكون كقسمة الميراث,في حين ذهب آخرون إلى جواز إجرائها شريطة أن تتم على سبيل العطية أو الهبة وليس كالميراث, وهناك من ذهب إلى كراهة إجراء هذه القسمة وأنها خلاف الأولى, حيث اختلف العلماء في هذه المسالة على أربعة أقوال هي:

القول الأول:

▪️قسمة الشخص لأمواله في أثناء حياته غير جائزة مطلقاً, وهو قول الأمام احمد بن حنبل من المتقدمين, وقول جماعة من العلماء المعاصرين منهم, د.علي جمعة مفتي مصر و د.عبد العزيز عزام أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر ود.محمد سيد احمد المسير الأستاذ في كلية أصول الدين جامعة الأزهر وابن عثيمين والشيخ عبد المحسن بن حمد العباد وعبد الحميد الهضابي من علماء السعودية([12]).

واستدلوا على قولهم بالاتي:

▪️قسم الله تعالى المواريث وحددها، ولم يترك أمرها لأحد غيره، فالتقسيم على الورثة مرده إلى الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يحكم الوارث والورثة، وليس لهم إلا أن ينفذوا حكم الله، ومن فعل غير ذلك فقد ظلم وتجاوز الحق والعدل، وحكم على نفسه وعلى غيره بالظلم، وعرض نفسه لغضب الله ومقته([13]) فقسمة الشخص لماله في أثناء حياته اعتداء على حكم الله ورفض لقضائه العادل الحكيم.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان العطية والهبة والمساواة بين الأولاد كذلك من أحكام الله التي يجب العمل بموجبها مثلها في ذلك مثل القسمة بعد وفاة المورث.

▪️أعمار الناس بيد الله عز وجل، ولايستطيع أحد أن يعلم متى يموت المورث والوارث يقول تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وماتدري نفس بأي أرض تموت)([14])، ولذلك فإن القسمة في أثناء الحياة،يتنافى مع الإيمان بالله والتوكل عليه والثقة به([15]).

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بأن كل إنسان سيموت حتما سوى كان مورثاً أو غيره تطبيقاً لقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) ولذلك لا يتنافى تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته مع التوكل على الله.

3- تقسيم التركة في أثناء حياة المورّث ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يندب أمته إلى ذلك، فضلا أنه لم يحثّ أو يرغّب في ذلك، وكذا لم يفعل هذا أحد من الصحابة.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان هذه القسمة لها أصل في السنة النبوية لأنها من ضمن تطبيقات العطية والهبة المنصوص عليهما في أحاديث نبوية كثيرة منها حديث النعمان بن بشير الأتي ذكره ضمن أدلة القول الثالث.

4- من شروط قسمة التركة تحقّق موت المورّث عملا بقوله تعالى: ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَاتَرَكَ ازواجكم ) [النساء:12] والإنسان مادام حياً فلم يترك شيئاً، وهذا غير متحقّق في من يقسم ماله في أثناء حياته على ورثته المحتملين.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته ليس من قبيل قسمة الميراث بمفهومها الشرعي ولاتسري أحكام الميراث على هذه القسمة.

5- القسمة في أثناء حياة المورث تفتح باباً واسعاً للحيلة على بعض الورثة, حيث يحرم بعض الورثة من أنصبتهم في حين تزيد أنصبة أخرين من دون حق خلافاً لفرائض الله التي افترضها.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: أن خشية الحيلة لا تبرر تعطيل أحكام العطية والهبة,كما أن شفقة الأب وحبه لأولاده تحول دون وجود الحيلة, كما أن وجود حيلة في قسمة ما لايعني وجود الحيلة في القسمات كلها.

6- قد يتزوج الشخص الذي يقسم ماله زوجة أخرى ويرزقه الله أولاد آخرين، فيحرمون من أمواله، وهذا ليس عدلاً ولا إنصافاً، بل إجحافاً وظلماً.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان هذا الأمر نادر, لان الغالب أن الأشخاص لا يقسمون أموالهم إلا بعد التوقف عن الإنجاب([16]).

7- قد يموت أحد أولاد الشخص الذي قسم ماله قبل أبيه,فحينئذ لا يحقّ لأبناء الابن المتوفى قبل أبيه أن يأخذوا شيئاً من التركة ، وذلك لوجود جدهم أوجدتهم وأعمامهم أو عماتهم، لأنهم محجوبون بهم،لأن هؤلاء الأولاد أي: حفدة المتوفى لايرثون شيئاً مع وجود أعمامهم أو عماتهم،وهم محجوبون بأعمامهم وعماتهم([17] ).

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان وراثة أبناء الابن المتوفى في أثناء حياة أبيه محل خلاف بين الفقهاء فلم يقل بعدم توريث أبناء الابن في هذه الحالة إلا الحنفية والزيدية, في حين يذهب آخرون إلى توريثهم, بل أن من ذهب إلى عدم التوريث قد قرر لهم ما يسمى بالوصية الواجبة.

▪️قد يموت بعض ورثة الشخص الذي قسم ماله قبل الشخص، فينقلب الوارث مورثاً.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان هذا من الحوادث العارضة أي الاستثنائية, والشرع مقرر أصلا للغالب وليس للعارض.

9- لوقسّم الأب تركته بين الأبناء فإنه سيبقى على شيء لنفسه يعيش منه، ولذلك فإنهم سيختلفون أيضاً على ماتبقّى له من مال, وعندئذ ينتفي الباعث على قسمة المال في أثناء الحياة.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان الخلاف لوحصل بين الورثة فسيكون محصوراً ومحدوداً بحدود المال المتبقي القليل ولن يكون كالخلاف في حالة عدم قسمة المال كله.

10- قد يقسم الشخص ماله على أبنائه ويبتليه الله بأنواع من البلايا والأمراض، ولا يجد من يعطيه تكلفة علاجه،وما يحتاجه من الضروريات فضلا عن الكماليات.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان هذا الأمر غير مطرد, فالغالب أن الأبناء يبرون بإبائهم والشرع للغالب.

11- أن الشخص إذا قسم ماله بينهم فربما يوفق أحدهم فيما أخذه فيتجر به ويزداد وينمو ويكون عند الموت ما بيده أكثر ما بيد الورثة الآخرين فيوقع هذا في قلوبهم شيئاً.

▪️ويناقش هذا الاستدلال: بان هذا الشيء الذي يقع في نفس بعض الأبناء أقل ضررا ومفسدة من أضرار ومفاسد الخلاف بين الورثة على القسمة بعد موت مورثهم. القول الثاني: يجوز للشخص قسمة أمواله في أثناء حياته شريطة أن بتم ذلك كقسمة الميراث تماماً, وهو قول د.صبري عبد الروؤف أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وهو قول غالبية علماء السعودية, وقد تضمنت هذا القول فتاوى اللجنة الدائمة للفتوى بالسعودية ولجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامي, وبه قال د.علي محيي الدين القره داغي عميد كلية الشريعة بجامعة قطر ود. احمد الحجي الكردي الأستاذ بجامعة قطر والشيخ صالح الفوزان من السعودية([18]).

وقد استدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية:

▪️الله تعالى قَسَم بين الأولاد, فجَعَل للذَّكَر مثل حظ الأنثيين, والأَولَى الاقتُدِاء بقِسمة الله عند قسمة الشخص لماله على أولاده في أثناء حياته بإعتبار ذلك من قبيل العطية أوالهبة، ويناقش هذا الاستدلال بأربعة وجوه:

الأول: هناك فرق بين الميراث بعد الموت وبين تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته لان ذلك يكون على سبيل العطية أو الهبة حال الحياة، من جهة أن الأول مختص بما بعد الموت، ولكل حالٍ أحكام ([19])، ومن جهة أن الهبة تطوعٌ وليست فرضاً كالميراث، ولو أنزلنا العطية منزلة الميراث لما كان للعطية فائدة([20]).

الثاني: أن الشخص في الميراث يكون راضيًا بما فرضه الله تعالى، بخلافه في الهبة ([21])، فالتفضيل فيها يورث الوَحشة.([22])

الثالث: الذَّكَر والأنثى يختلفان في الميراث بالعُصوبة، أما بالرحم المجردة فهما فيه سواء، كالإخوة والأخوات من الأم ([23]).

الرابع: أنّ التُّهمة في قسمة الميراث مُنتفية وفي العطية واردة ([24]).

▪️العطية والهبة في الحياة مثل الميراث بعد الموت, فيُجعَل للذَّكَر منها مثل حظ الأُنثيين, لأن العطية استعجال لما يكون بعد الموت, فينبغي أن تكون على حسبه, كما أن مُعجِّل الزكاة قبل وجوبها يؤديها على صفة أدائها بعد وجوبها, وكذلك الكَفّارات المعَجَّلة، ويناقش هذا الاستدلال بأن قسمة المال بعد الموت قد فرَضَها الله تعالى فيحصل التمليك في الإرث بمجرد الموت ولو لم يرض الوارِّث أو المورَّث، أما العطية فهي على الاختيار ولاتنعقد إلا برضا طرفي العقد، فافترقا، والإرث لايسمى عطية حتى يقال: إنه مثل العطية، إذ العطية تستدعي وجود مُعطٍ أو واهب ذي أهلية للتمليك، وهذه الأخيرة منتفيةٌ عن الميت، ولا يصح أن يقال: إن العطية استعجال لما يكون بعد الموت، لأنه لا يُدرى من منهما سيُفضي إلى ربه أولا، ولا مَن سيرث مَن، والأقيسة المذكورة فاسدةُ الاعتبار، لأنها في مقابلة النصوص الشرعية -السالف ذكرها- الدالّةِ على جوار قسمة المال في أثناء الحياة على سبيل العطية واستواء الذكور والإناث في ذلك ([25]).

▪️الذَّكَر أحوج من الأنثى إلى المال، لأنهما إذا تَزَوجا جميعًا، فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذَّكَر, والأنثى يتم الاتفاق عليها من قبل غيرها كزوج أو أخ, فكان الذكر أَولَى بالتفضيل لزيادة حاجته، ولذلك قسم الله تعالى الميراث, ففَضّل الذَّكَر مقرونًا بهذا المعنى فتعلَّل به, ويَتَعَدّى ذلك إلى العطية في الحياة، ويناقش هذا الاستدلال بأن التعليل بما ذُكِر ممنوع؛ لعدم الاطِّراد، فالإرث ثابت وإن لم يوجد ما ذُكِر، كأن لا يكون الذَّكَر الوارث متزوجًا فلايكون ملتزماً بنفقة وغيرها، أو يكون ذا زوجة غَنيَّة لاتحتاج لنفقته فتُسقِطها عنه، أو غير ذلك، ولا يُعَدُّ ذلك مانعًا له من الإرث، والشأن في العِلَّة أن يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا. فالمعنى المذكور حِكمة لاعلَّة، والحِكمة لا يَلزم اطِّرادها، ولايَضُرُّ تَخَلُّفُها.

▪️ويناقش هذا الاستدلال أيضاً أن الذَّكَر أقدر على الكسب من الأنثى، فكانت أحق بالتفضيل، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (لوكنت مُفَضِّلا أحداً لفضَّلتُ النساء) ([26]).

القول الثالث: يجوز للشخص قسمة أمواله في أثناء حياته على أن يتم ذلك على سبيل العطية أو الهبة التي يتساوى فيها الأولاد ذكوراً وإناثاً شريطة أن يتم التقسيم في غير مرض الموت وان يقبض كل واحد ما يخصه من العطية أو الهبة في أثناء حياة المورث, وهو قول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني([27]) والسيد علي السستاني من علماء الشيعة الجعفرية ([28]) وبه قال الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي مفتي عمان([29]) وهو قول د.صلاح الصاوي من علماء مصر وبه قال الشيخ عبد الكريم نجيب الخضير من علماء السعودية([30]), واستدل أصحاب هذا القول بالأتي:

1- قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبَشير: “أَكُلَّ ولدك نَحَلت مثل ما نَحَلته؟ قال: لا، قال: فلا أَشهَد على شيء أليس يَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء؟ قال: بَلَى. قال: فلا إذًا”([31]) فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب من بَشِير أن ينحل كلَّ أولاده مثل ما نحل النُّعمان، ولم يَستَفصِل منه عن بقية أولاده، أذكور هم أم إناث؟ فدلَّ هذا على أنه لا فَرق بين الذكور والإناث في التسوية المطلوبة بين الأولاد في العطية وعلى جواز القسمة في أثناء حياة الإنسان وأنها تكون على التساوي بين الذكر والأنثى وهذا هو معنى ما ذكره الطحاوي، حيث قال: وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألك ولد غيره؟ فقال: نعم. فقال: ألا سَوّيت بينهم؟)([32])، ولم يقل: ألك ولد غيره ذكَر أو أنثى؟ وذلك لا يكون وإلا وحُكم الأنثى في العطية كحُكم الذَّكَر، ولولا ذلك لما ذكر التسوية إلا بعد علمه أنهم ذكور كلهم، فلما أمسك عن البحث عن ذلك ثبت استواء حكمهم في ذلك عنده ([33]).

2- قوله صلى الله عليه وآله وسلم لبشير: (أليس يَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِر سواء) فهذا يدل على جواز القسمة في أثناء الحياة وعلى التسوية بين الأولاد ذكوراً وإناثاً الإناث والذكور، لأن البر مراد من البنت والابن لذلك يكون للأنثى من العطية مثلما للذَّكَر([34]).

3- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “فاتّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم” ([35]) والعَدل هو التسَّوِيَّة؛ قالَ الرَّاغِبُ في مفرداته: “العدالة والمعادلة لفظٌ يقتضي معنى المساواة”([36])، فالمقصود أن العَدل التسويةُ في كل شيء حتى يقوم المُخَصِّص ([37])، فالأمر بالعَدل في الحديث يدل دلالة منطوق على طلب التسوية بين الأولاد لا فرق في ذلك بين ذَكَر وأنثى؛ فلفظ الولد في اللغة يطلق على الذَّكَر والأنثى، والتعبير بالجمع المُعَرَّف بالإضافة يفيد عموم الأولاد كلهم لا فرق بين ذَكَر وأنثى([38]).

4- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ساووا بين أولادكم في العَطيّة، ولو كنتُ مُؤثِرًا أحدًا لآثرتُ النساء على الرجال”، وفي رواية: “سَووا بين أولادكم في العَطيّة، فلو كنتُ مُفَضِّلا أحدًا لفَضَّلتُ النساء” ([39])، قال التهانوي: “وهو نَصٌّ في محل النِّزاع فلا يُعدَل عنه”([40]) وناقش ابن قدامة الاستدلال بهذا الحديث بأن التسوية فيه محمولة على القِسمة على كتاب الله تعالى. وأنه يَحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته؛ فإن القسمة لا تقتضي التسوية من كل وجه، ويجاب هلى ذلك أنّ حمل التسوية في الحديث على القسمة على كتاب الله بعيدٌ غاية البعد؛ لأنه مخالف لأصل وضع التسوية المقتضي للمماثلة والمعادلة، قال في المصباح المنير: “ساواه مساواة: ماثله وعادله قدرًا أو قيمة” ([41]) وعَجُز الحديث -وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “ولو كنت مُفَضِّلا أحدًا لفضَّلتُ النساء”- فمقابلة التسوية بالتفضيل تُعَيِّن أن التسوية المطلوبة لا تفضيل فيها أصلا، ودعوى الاحتمال في أنه أراد التسوية في أصل العطاء لا في صفته، يرده قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث النُّعمان: “أكُلَّ ولدك نَحَلت مثل ما نَحَلته؟” ([42]).

5- أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء ابنٌ له، فقَبَّله وأجلسه على فَخِذه، ثم جاءت بنت له، فأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “فهلّا عدلت بينهما”، وفي رواية: “فما عدلت بينهما” ([43])، فهذا شاهد في الجُملة لاعتبار التسوية المطلوبة أنها تكون بإعطاء كل واحد من الأولاد مثل ما أُعطِيَ الآخر، لا فَرق في هذا بين ذَكَر وأنثى، قال الإمام الطحاوي: “أفلا يُرَى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أراد منه العدل بين الابنة والابن، وأن لا يُفَضِّل أحدهما على الآخر، فذلك دليلٌ على العدل في العطية أيضًا” ([44]).

▪️القسمة في أثناء الحياة تكون من قبيل عطية الأولاد، فاستوَى فيها الذَّكَر والأنثى كالنَّفَقة والكِسوة ([45])، وأيضًا فإنّ في التسوية تأليفًا للقلوب، وتفضيلُ الذكور قد يورث وَحشة بين الأخوة، فكانت التسوية أَولَى ([46]).

القول الرابع: قسمة الشخص لأمواله في أثناء حياته مكروهة,وهو قول جماعة من العلماء منهم د.يوسف البدري ود.احمد السيد علي إبراهيم من علماء مصر([47]).

▪️وقد استدل أصحاب هذا القول بالأدلة ذاتها التي استدل بها العلماء الذاهبون إلى عدم جواز قسمة الشخص لماله في أثناء حياته إلا أن هولاء العلماء الذاهبون إلى كراهة ذلك ذكروا أن تلك الأدلة تفيد الكراهة وليس التحريم.

الترجيح:

▪️من خلال مطالعة أقوال الفقهاء وأدلتهم السابق عرضها ومناقشتها فنحن نميل إلى ترجيح القول الثالث الذي ذهب إلى جواز القسمة في أثناء حياة الإنسان وان يكون ذلك على سبيل العطية أو الهبة للأسانيد الآتية :

▪️كثرة الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول وسلامتها من المطاعن وقوتها في الدلالة.

▪️هذا القول مناسب لمواجهة ومعالجة ظاهرة القسمة في أثناء حياة المورث وترشيدها,فهو أكثر مناسبة من الأقوال الأخرى بتحريمها أو كراهتها أو إجراء القسمة كالميراث .

▪️ملائمة هذا القول ومناسبته للاعتبارات والدوافع التي تدفع الأشخاص لقسمة أموالهم في أثناء حياتهم.

▪️هذا القول متوسط قياساً بالأقوال الأخرى,حيث أن هذا القول في غاية الإعتدال.

▪️يحقق هذا القول مقاصد الشريعة في تجفيف منابع الخلاف والشقاق بين الورثة مما يسهم في وجود مجتمع مسلم قوي متماسك خال من اسباب الشقاق والخلاف.

المبحث الثالث:

قسمة الإنسان لماله في أثناء حياته في القانون والقضاء اليمني :

➖➖➖➖➖➖

▪️يتكون هذا المبحث من مطلبين الأول: تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته في القانون اليمني, والمطلب الثاني: تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته في القضاء اليمني.

المطلب الأول:

تقسيم الشخص لماله في أثناء حياته في القانون اليمني:

➖➖➖➖➖

▪️لم يتعرض القانون اليمني لهذا الموضوع صراحة ولكن وردت في القانون المدني اليمني وقانون الأحوال الشخصية نصوص عامة غامضة متضاربة,وقد بذل الباحث وسعه لاستقرائها في محاولة لبيان موقف القانون اليمني من هذه المسالة,حيث كانت حصيلة ذلك الأتي:

الفرع الأول: موقف القانون المدني من قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

➖➖➖➖➖

نظم القانون المدني قسمة الأموال بين الورثة والشركاء على الشيوع في المواد من (1197) إلى(1223) وعند الدراسة والتدقيق لفحوى تلك النصوص نجد أنها لم تتعرض لهذا الموضوع, أي أنها لم تأمر به كما أنها لم تمنعه , وطبقاً للقواعد العامة الحاكمة للقانون المدني وخاصة قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة) المنصوص عليها في المادة (11) من ذلك القانون([48]), يفهم من خلال ذلك أن القسمة في أثناء حياة المورث مباحة أي جائزة.

الفرع الثاني: موقف قانون الأحوال الشخصية من قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته:

➖➖➖➖➖

▪️نظم قانون الأحوال الشخصية أحكام التركات وشروطها وحدد الفروض والأنصبة والسهام التي تتم بموجبها قسمة تركات المتوفين على الورثة,ومن خلال ذلك يظهر أن المقصود بهذه النصوص قسمة التركة بعد وفاة المورث وليس في أثناء حياته, إلا أن هذا القانون في سياق تنظيمه للهبة والوصية قد أشار إلى قسمة الإنسان لماله في أثناء حياته,ومن المناسب أن نعرض تنظيم قانون الأحوال الشخصية لهذا الموضوع على النحو الأتي:

أولاً: تنظيم القسمة في أثناء حياة المورث ضمن أحكام الهبة:

➖➖➖➖➖

▪️عرف قانون الأحوال الشخصية الهبة في المادة (168) بأن (الهبة هي عقد تبرعي يملك به مال أو تباح به منفعة حال الحياة )([49])ووفقا لهذا النص يجوز للشخص في أثناء حياته أن يملك أمواله لورثته المحتملين وغيرهم,وطبقاً لهذا النص فان الهبة عقد ينعقد مابين الواهب والموهوب له ويكون لازما بقبض الموهوب له للهبة([50]),وفي السياق ذاته اشترط القانون أن تتم المساواة في الهبة بين الموهوب لهم إذا كانوا من الورثة المحتملين حسبما ورد في المادة (183) من ذلك القانون التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) وعند إمعان النظر في هذه المادة نجد أنها قد أجازت قسمة المال في أثناء حياة المورث شريطة أن يتم ذلك طبقاً لأحكام الميراث فيعطي الإنسان أو يهب للذكر مثل حظ الأنثيين, وبهذا يكون القانون اليمني قد اخذ بقول العلماء الذين ذهبوا إلى جواز قسمة المال في أثناء حياة المورث شريطة أن يكون ذلك بحسب أحكام الميراث, ويستند كثير من القضاة والمحامين والأمناء الشرعيين إلى هذه المادة في إجراء القسمة وليس العطية أو الهبة في أثناء حياة المورث([51]), مع أن المادة (183) قد عالجت قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته على أنها تتم على أساس أحكام العطية أو الهبة بحسب تعبير القانون, فأحكام الهبة والعطية هي الواجب تطبيقها على هذا التصرف وليس القسمة،لان القسمة في أثناء الحياة تصرف مستقل يختلف عن القسمة فيما بعد الموت, وذلك يرجع إلى أن هذه المادة قد خلطت بين الهبة والقسمة، حيث أطلقت على هذا التصرف اسم الهبة وفي الوقت ذاته اشترطت تطبيق أحكام الميراث على هذا التصرف وليس الهبة, ومن المؤكد أن أحكام الهبة أو العطية للأولاد تختلف عن أحكام الميراث,فقد ذكرنا فيما سبق الفروق التي تميز الهبة والعطية عن القسمة فيما بعد الموت حيث ذكر العلماء أن العطية مصطلح خاص بما يعطي الوالد لأولاده خاصة في أثناء حياته,كما أن الهبة تطلق عند الفقهاء على المال الذي يهبه الشخص لغير أولاده,([52]) وذكرنا أيضا أن الغالبية العظمى من الفقهاء قد اشترطوا أن تكون العطية للأولاد متساوية دون تفرقة بين الذكور والإناث,ومن وجهة نظر الباحث فان المادة (183) السابق ذكرها قد خالفت ما ذهب إليه غالبية الفقهاء الذي ذهبوا إلى تطبيق أحكام العطية على هذا التصرف وليس الميراث واشترطوا ان يتساوي الذكر مع الأنثى في هذا التصرف باعتباره من الهبة وليس الميراث ويلاحظ أن هذه المادة قد أجازت قسمة الشخص لماله في إثناء حياته ولم تشترط إجازة الورثة المحتملين لذلك, كمالا يخفي التضارب الذي شاب المادة (183) التي أوجبت المساواة بين الأولاد على أساس أن القسمة في أثناء حياة الشخص تعد عطية يتساوي فيها الأولاد ذكوراً وإناثا,وفي الوقت ذاته أوجبت تلك المادة أن تتم القسمة في أثناء حياة المورث على أساس الميراث الذي يكون نصيب الذكر فيه مثل حظ الأنثيين, وتبعا لذلك يتعذر تطبيق المساواة التي أوجبها النص فكيف تتم المساواة بين الأولاد والورثة طالما وأنها تتم بحسب الميراث؟ كما أن المادة(183)غامضة ومتناقضة في معالجتها للهبة لغير الأولاد فقد أوجبت المساواة في الهبة مطلقا سواء كانت الهبة للأولاد أم لغيرهم مع أن المساواة لاتكون واجبة في الهبة إلا بين الأولاد فقط.

ثانياً: :تنظيم القسمة في أثناء حياة المورث ضمن أحكام الوصية:

➖➖➖➖➖

▪️لم يكتف قانون الأحوال الشخصية بالخلط بين أحكام الهبة والقسمة بل انه قد خلط أيضا بين الهبة والوصية مع انه لكل من الهبة والوصية أحكامها التي تختلف في أحكامها حسبما هو مثبت في كتب الفقه الإسلامي([53])، حيث نصت المادة (186) على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً) حيث يستند إلى هذا النص اجتهاد المحكمة العليا في تقريره أن أية قسمة في أثناء حياة المورث تكون في حكم الوصية من حيث تعليقها على إجازة الورثة بعد وفاة المورث وبناءً على نص المادة (186) السابق ذكرها فان هبة المورث لوارثه لاتكون نافذة إلا بعد وفاة المورث وإجازة بقية الورثة لها بعد وفاة المورث ولاتستثني من ذلك إلا حالة ما إذا قام الشخص الموهوب له باستهلاك الهبة أو تصرف بها إلى الغير,لأن الوصية لا تجوز لوارث إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة مورثهم بموجب المادة (234) التي نصت على انه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة)، والمقصود بالهبة في هذه المادة هي الهبة المنفردة أي الهبة التي ينفرد بها أحد الورثة وذلك ظاهر من صياغة المادة(الهبة للوارث) وهي بخلاف الهبة أو العطية المذكورة في المادة (183) التي يتساوى فيها الورثة من الأولاد والتي تندرج ضمنها قسمة الإنسان لماله في إثناء حياته,فالهبة المنفردة طبقا لهذه المادة لاتكون نافذة إلا بعد إجازة الورثة لها وذلك بعد وفاة الوالد الواهب بخلاف القسمة في إثناء الحياة ([54]), حيث نصت المادة (234) على انه (لا تصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة) وحددت المادة (238) وقت إجازة الورثة للوصية الصادرة من المورث لوارثه, فهذه الإجازة لا تكون إلا بعد وفاة المورث.

المطلب الثاني:

اجتهاد المحكمة العليا بشان قسمة الإنسان ماله في أثناء حياته :

➖➖➖➖➖

▪️يتضمن هذا المطلب بيان المقصود باجتهاد المحكمة العليا ومضمون هذا الاجتهاد, وسنذكر ذلك في الفرع الأول ,أما الفرع الثاني فسوف نعرض فيه أحكام المحكمة العليا التي تضمنت اجتهاد المحكمة, والفرع الثالث سوف نذكر فيه أسباب ومنطلقات اجتهاد المحكمة العليا ,في حين نذكر في الفرع الرابع مدى موافقة اجتهاد المحكمة العليا لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني.

الفرع الأول :

المقصود باجتهاد المحكمة العليا ومضمون هذا الاجتهاد :

➖➖➖➖➖

▪️المقصود باجتهاد المحكمة العليا في بحثنا هذا هو بيان القاعدة القضائية بشان قسمة الشخص لماله في أثناء حياته من خلال الرجوع إلى المجلدات القضائية المتضمنة القواعد القضائية التي قامت المحكمة العليا ذاتها بتلخيصها ونشرها في مجلدات تتضمن هذه القواعد أو الاجتهادات وأرقامها وتواريخ الأحكام التي استخلصت المحكمة القواعد منها([55]), وعلى هذا الأساس فسوف نعرض اجتهادات المحكمة العليا في هذا المطلب ومضمون هذا الاجتهاد أن المحكمة العليا قد استخلصت من الأحكام التي فصلت فيها قاعدة قضائية مفادها (أن أية قسمة في أثناء حياة المورث هي وصية تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد موت المورث) ([56]), حيث استقر اجتهاد المحكمة العليا باليمن على تقرير هذه القاعدة منذ عام 1999م وقد استغرق استقرار القاعدة مدة تصل إلى ما يقارب ثلاث سنين أي خلال الفترة من1999م وحتى 2001م, والظاهر أن المحاكم الأدنى قد تلقت اجتهاد المحكمة العليا بالقبول,أو أن المحاكم الأدنى لم تجد في قانون الأحوال الشخصية معالجة مناسبة أفضل من اجتهاد المحكمة العليا المشار إليه ([57]).

الفرع الثاني :

أحكام المحكمة العليا التي تضمنت اجتهاد المحكمة :

➖➖➖➖➖

▪️تضمنت هذا الاجتهاد أحكام قضائية كثيرة أصدرتها المحكمة العليا خلال الفترة من 1999م حتى 2001م وقامت بنشرها ضمن المجلدات القضائية التي تصدرها المحكمة والمعبرة عن موقف المحكمة العليا للتدليل على كونها قواعد قضائية ينبغي احترامها والعمل بمقتضاها, وأهم هذه الأحكام ماياتي:

▪️الحكم الأول:وهو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 28/8/1999م في الطعن الشخصي رقم (268) لسنة 1420هـ وقد جاء في هذا الحكم مانصه (الموجز: صحة القسمة الواقعة في حياة المورث- حكمه.

▪️القاعدة: أن القسمة اذا وقعت في حياة المورث فان صحتها موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت.

▪️الحكم:بعد المداولة والتأمل وإمعان النظر وجدنا ما يفيد أن القسمة وقعت في أثناء حياة المورث وصحتها موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت, فضلاً عمافيها من تصرفات غير موافقة لأحكام الشرع والقانون, وعليه فالالتماس غير مقبول ويغرم رافعه خمسة آلاف ريالا عملا بالمادة (232) مرافعات مع ألف ومائتي ريالا رسوم الطلب يورد كل ذلك إلى الخزانة العامة )([58]).

▪️الحكم الثاني:وهو الحكم الصادر بتاريخ 31/8/1999م عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا في الطعن الشخصي رقم (289) لسنة 1420ه وقد جاء في هذا الحكم مانصه (الموجز : لا إرث ولا قسمة إلا بعد ثبوت الوفاة حقيقة أو حكماً.

▪️القاعدة: لاقسمة ولا توارث حتى يتحقق موت المورثة أو مضي عمرها الطبيعي فان تمت القسمة قبل ذلك فتكون موقوفة على إجازة الورثة.

▪️الحكم: لما كان الطاعن …… قد تقدم بالطعن أمام المحكمة العليا,وأهم ما جاء فيه أن المحكمة الاستئنافية كانت قد قررت تأييد الحكم الابتدائي إلا أنها تراجعت بعد أن طلب المدعي اليمين وما كان لها أن تنقض ما أبرمت وكان عليها أن تلزم المدعي بتقديم عريضة طعنه إلى المحكمة العليا وانه لا وجه لقبول دعوى المدعي بنصيبه من مخلف المورثة المترتب على قيامها بقسمة مالها في أثناء حياتها وان الأيمان غير حجة عليه …الخ وبعد الاطلاع على مذكرة الرد من المطعون ضدهم وخلاصتها أن الطاعن قد نكل عن اليمين عندما طلبت منه بشان تاريخ وفاة المورثة.

▪️هذا وبعد المداولة والتأمل تبين أن المحكمة الإستئنافية أصدرت قرارا سنة 1418ه وفيه تأييد الحكم الابتدائي بكل فقراته وعند النطق به وفي أثناء ذلك طلب المدعي اليمين من المدعي عليهم بشان البصيرة المؤرخة 1381ه الصادرة عن المورثة في أثناء وجودها قبل سفرها,فلم يمضي المدعى عليهم باليمين بحسب الطلب فأصدرت المحكمة قرارا أخر والذي جاء فيه بعد ذكر الحيثيات أن المتوجب على أولاد الحاج….إطلاق ما تعين لفلانة من بعد والدها وهو الأربعة الحبال في حدبة المدحاجية مع ضم ما تقرر لها من بعد أخيها ….. بحسب تنزيل الحاكم وهو أربعة قراريط ونصف وسدس وربع قيراط وثلث سدس ما بقي لها غير ما ذكر ميراثا فقد اعترف الطاعن بأنه تحت يده,لذلك فان الشعبة لا تقر قسمة فلانة بنت فلان لمالها في أثناء حياتها وأثناء وجودها بمنطقة… كما أن لا توارث حتى يتحقق موتها أو مضي عمرها الطبيعي)([59]).

▪️الحكم الثالث: وهو الحكم الصادر عن دائرة الأحوال الشخصية بالمحكمة العليا بتاريخ 11/9/2001م في الطعن الشخصي رقم (383) لسنة 1422ه وقد ورد في الحكم ماياتي:

(الموجز: إجراء القسمة والمصالحة بين الورثة في حياة المؤرث أثره)

▪️القاعدة :إجراء القسمة في أثناء حياة المورث لا تكون حجة مالم يصادق عليها الورثة بعد وفاة المورث.

▪️الحكم : بعد الاطلاع على ملفات القضية وجميع الأحكام والطعنين بالنقض والدفع بعدم قبول الطعن م..وبعد المداولة تبين أن حكم الاستئناف السابق قد نقضه حكم المحكمة العليا,كما أنه قد ظهر إجراء القسمة في أثناء حياة الأب,وذلك ليس له حجة على الأولاد وهذا يعني عدم الركون إلى مستند القسمة الذي يدعى الطاعن…بأنه قد تم الإتفاق عليها فيما بين الأب وأولاده وحصول التراضي,والأساس في كل ذلك أن القسمة في أثناء حياة المورث موقوفة على إجازة الورثة كما جاء في الحكم الاستئنافي وهو الصحيح في تقرير أن القسمة في أثناء حياة الأب موقوفة على إجازة الورثة,ولذلك فان الطعن بالنقض لم يؤثر في الحكم الاستئنافي المطعون فيه لعدم تحقق أي سبب من أسباب الطعن بالنقض الأربعة المنصوص عليها في المادة (214)من قانون المرافعات والتنفيذ المدني (28) لسنة 1992م وعليه فنقرر مايلي :-

▪️عدم قبول الطعن بالنقض شكلا وفي الموضوع.

▪️تأييد الحكم الاستنئافي الصادر من محكمة استئناف حجة في الاستئناف الشخصي رقم(80)لسنة 1418ه بتاريخ 5/ذي القعدة/1421ه الموافق 28/1/2001م.

▪️مصادرة كفالة الطعن بالنقض لخزينة الدولة)([60]).

الفرع الثالث :

أسباب ومنطلقات اجتهاد المحكمة العليا :

➖➖➖➖➖

▪️هناك من يرجع سبب اجتهاد المحكمة العليا بان أية قسمة في أثناء حياة المورث تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد تحقق وفاته ,بان هذا الاجتهاد يرجع إلى أن غالبية القسمات التي تتم في أثناء حياة المورثين تشوبها الحيلة والإضرار بالورثة,فعندما تتم القسمة في أثناء حياة المورث يخالج الورثة المحتملين الخوف أو الحرج والحياء من مورثهم, وهذا يمنع الورثة في أثناء حياة مورثهم من الإعتراض على هذه القسمة إذا كانت غير عادلة,أما بعد موت المورث فهذه الضغوط والموثرات تنتفي, وعندئذ تكون إجازة الورثة للقسمة صحيحة وصادرة من الورثة بإرادتهم واختيارهم وخالية من الموثرات ([61])، والواقع من وجهة نظر الباحث أن سبب اجتهاد المحكمة العليا على هذا النحو يرجع وينطلق من فهم المحكمة العليا للمادة (186) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً) وكذا فهم المحكمة العليا للمادة(234) التي نصت على انه (لاتصح الوصية للوارث إلا بإجازة الورثة) وكذا المادة (238) التي حددت وقت إجازة الورثة للوصية الصادرة من المورث لوارثه,بان الإجازة لا تكون إلا بعد وفاة المورث,ولذلك فأن مبعث اجتهاد المحكمة العليا هو التضارب الحاصل في نصوص قانون الأحوال الشخصية ذات الصلة بهذا الموضوع والتي جعلت القضاة في حيرة من أمرهم إزاء هذا التضارب والغموض في النصوص، مما جعل المحكمة العليا تتدخل في اجتهادها حاسمة للتضارب ومزيلة للغموض والإلتباس, حيث قررت المحكمة العليا أن القسمة التي تتم في أثناء حياة المورث هي بمثابة وصية لوارث ينبغي لنفاذها إجازة الورثة لها بعد وفاة مورثهم([62]).

الفرع الرابع: مدى موافقة اجتهاد المحكمة العليا لأحكام الفقه الإسلامي والقانون اليمني:

➖➖➖➖➖

▪️اجتهاد المحكمة العليا بان كل قسمة تمت في أثناء حياة المورث تكون موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة المورث له أسبابه ودواعيه السابق ذكرها,ومع إحترامنا لهذا الاجتهاد إلا انه قد جاء مخالفا لنصوص القانون والفقه الإسلامي،وبيان أوجه المخالفة على النحو الأتي:

الوجه الأول: المادة (186) من القانون نصت على أن الهبة لوارث تكون بمثابة وصية: في حين أن اجتهاد المحكمة العليا الذي استند إلى هذا النص قد جعل كل قسمة بصفة عامة تتم في أثناء حياة المورث تكون وصية, وهناك فرق بين القسمة على جميع الورثة المحتملين في أثناء حياة المورث وبين الوصية لوارث واحد فقط, إذ أن المقصود بالهبة في المادة (186) هي الهبة المنفردة التي ينفرد بها أحد الورثة وليس قسمة الشخص لماله في أثناء حياته على جميع ورثته بموجب المادة (183) التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية)فعند المقارنة بين المادتين (183) و(186)نجد أن لكل منهما مجال للتطبيق, فالمادة (183)تنطبق على القسمة في أثناء حياة المورث ,في حين تنطبق المادة (186) على الوصية للوارث المنفرد,فذلك ظاهر من صياغتها (الوصية لوارث )أي لواحد فقط وليس الورثة جميعهم,فلو كانت إرادة القانون قد اتجهت إلى اعتبار كل قسمة في أثناء حياة المورث بمثابة وصية لنص عليها القانون في المادة (183) التي أجازت القسمة في أثناء حياة المورث على أساس العطية والهبة لأنها المكان المناسب لتقرير هذا الحكم ([63]).

الوجه الثاني: مخالفة اجتهاد المحكمة العليا للفقه الإسلامي :

➖➖➖➖➖

فلا شك أن القول بان القسمة في أثناء حياة المورث موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة مورثهم يخالف ما ذهب إليه الفقه الإسلامي حيث ذهب الجمهور إلى جواز القسمة في أثناء حياة المورث ولكنهم اختلفوا في تكييفها فمنهم من ذهب إلى أنها تتم على أساس الميراث ومنهم من ذهب إلى أنها تتم على أساس العطية والهبة حسبما تقدم بيانه عند عرض أقوال الفقهاء في هذه المسالة,كما انه من الثابت انه لم يقل احد من الفقهاء بان القسمة في أثناء حياة المورث موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة مورثهم ,فقد عرضنا أقوال الفقهاء ولم نجد من ذهب منهم إلى تعليق القسمة في أثناء الحياة على إجازة الورثة, ومن هذا المنطلق فان اجتهاد المحكمة العليا ليس له أساس من الفقه الإسلامي ([64]).

الوجه الثالث: عدم جواز رجوع الشخص الذي يقسم ماله :

➖➖➖➖➖

▪️لايجوز عند جمهور الفقهاء رجوع الواهب عن هبته اذا قبضها الموهوب له,ومن باب اولى لا يجوز لغير الواهب الرجوع أو إجازته تلك الهبة التي لم تصدر عنه,وبما أن القانون اليمني قد تعامل مع قسمة الشخص لماله في أثناء حياته على أنها من قبيل الهبة فكيف يجيز اجتهاد المحكمة العليا لغير الواهب وهم الورثة التراجع عن القسمة التي أجراها مورثهم أثناء حياته على سبيل الهبة أو العطية؟و كيف يشترط هذا الاجتهاد إجازة الورثه لها؟

الوجه الرابع :القانون اشترط إجازة الورثة فقط بالنسبة للأموال التي لم يقبضها الموهوب له:

➖➖➖➖➖

▪️في حين أن اجتهاد المحكمة العليا قد اشترط إجازة الورثة مطلقا وهذا يخالف صراحة المادة(186) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أن (الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً).

الوجه الخامس:إهدار اجتهاد المحكمة العليا لقسمة الإنسان لأمواله في أثناء حياته:

➖➖➖➖➖

▪️مع أن اجتهاد المحكمة العليا قد اقر بإمكانية قسمة الشخص لأمواله في أثناء حياته,إلا أن هذا الاجتهاد جعل هذه القسمة موقوفة حتى لو كان الأولاد والورثة المحتملين قد قبضوا العطية أو الهبة في أثناء حياة مورثهم, وهذا يخالف قول جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى أن العطية أو الهبة لازمة ونافذة في حالة قبضها,فإذا كانت هذه القسمة موقوفة على إجازة الورثة بعد وفاة مورثهم فما الفائدة من إقرار هذا القسمة أصلا؟([65])

الوجه السادس: الاجتهاد فتح باب النزاع والخلاف بين الورثة:

➖➖➖➖➖

▪️حيث أن قسمة الشخص لماله في أثناء حياته كان الغرض منه خشية الشخص على ورثته من الخلاف على تقسيم التركة بعد موته لمبررات يعرفها الشخص المورث أكثر من غيره,وبالفعل تحدث بين الورثة نزاعات طويلة تصل إلى حد قتل الورثة لبعضهم, لان الورثة في الغالب لاسيما المشاغبون منهم يرفضون إجازة القسمة الذي تمت في أثناء حياة مورثهم, فبدلاً من أن يسهم اجتهاد المحكمة العليا في تخفيف منابع الخلاف فقد فتح باباً واسعاً للخلاف مع أن القضاء في اليمن يعاني من ظاهرة كثرة القضايا وقلة القضاة([66]).

▪️إضافة إلى أن هذا الاجتهاد يقلقل المراكز القانونية للورثة التي كانت قد استقرت لفترة من الزمن وترتبت عليها حقوق وأثار شرعية وقانونية.

الوجه السابع: التقرير بان أية قسمة في أثناء حياة المورث وصية غير دقيق:

➖➖➖➖➖

▪️فهناك قسمات تكون باطلة أو منعدمة تتم في أثناء حياة المورث ولا يطلق عليها وصية بالمفهوم الشرعي والقانوني ولا تلحقها الإجازة,إضافة إلى أن هناك فروق جوهرية بين الوصية والقسمة في أثناء حياة المورث ,ومن هذه الفروق إختلاف أحكامهما وأثارهما([67]).

الوجه الثامن: مجافاة هذا الاجتهاد للفطرة والواقع:

➖➖➖➖➖

▪️فالفطرة الإنسانية تجعل الأب وألام وهما المورث في الغالب أكثر الناس شفقة ورحمة واعلم بحال ورثتهما والغالب أنهم الأبناء,كما أن الشخص المورث أعرف بأمواله ومواضعها وقيمتها وأهميتها وجدوى المال بالنسبة لكل واحد من الورثة ومهارات وإمكانيات كل وراث وما يناسبه من المال,ومن هذه المنطلقات يقوم الشخص في أثناء حياته بقسمة ماله على ورثته المحتملين, في حين أن هذا الاجتهاد القضائي قد طرح كل هذه الاعتبارات جانباً معتبراً أن أية قسمة تتم في أثناء حياة المورث تنطوي على حيلة.

خاتمة البحث:

▪️تتضمن هذه الخاتمة أهم نتائج البحث وتوصياته, وبيان ذلك على النحو الأتي:

أولاً: نتائج البحث:

➖➖➖➖➖

من خلال استقراء البحث نستنتج الأتي:

▪️قسمة الشخص لماله في أثناء حياته هي قيام الشخص نفسه بحصر أمواله وتثمينها ثم قسمتها في أثناء حياته على ورثته المحتملين.

▪️يقوم الأشخاص بقسمة أموالهم في أثناء حياتهم خوفاً من حدوث الخلاف والنزاع بين الورثة بعد وفاتهم أو لغرض تعويض بعض الورثة إذا كانوا قد ساهموا في تنمية المال,كما قد يكون الهدف من ذلك الحيلة في بعض الأحيان.

▪️قسمة الشخص لماله في أثناء حياته لها علاقة وثيقة ببعض التصرفات كالقسمة بعد الوفاة والعطية والهبة والوصية,وهذه العلاقة كانت السبب الرئيس في اختلاف العلماء المعاصرين في تكييف هذه القسمة وحكمها حسبما ورد في البحث, كما أن علاقة قسمة الشخص لماله بالتصرفات المشار إليها كانت سبباً في اضطراب المعالجة القانونية والاجتهاد القضائي بشان هذا القسمة.

▪️قسمة الشخص لماله في أثناء حياته تعد تصرفاً مستقلاً له أحكامه المستقلة التي تميزه عن التصرفات الأخرى وان كان اقرب مايكون إلى العطية والهبة.

▪️ظاهرة قسمة الأشخاص لأموالهم في أثناء حياتهم شاعت في العصر الحاضر ولذلك لم يتعرض لها الفقهاء المتقدمون باستثناء إشارات للأمام احمد بن حنبل وابن حجر الهيثمي.

▪️اختلف العلماء المعاصرون في حكم قسمة الشخص لماله في أثناء حياته,وقد وردت أقوال هؤلاء العلماء في هذا الشأن قول كل عالم على حدة لا يجمعها جامع، حيث وردت هذه الأقوال في بعض الصحف والمحلات والفتاوى والمواقع الالكترونية, وقد قام الباحث بجمع هذه الآراء بحسب وجهتها في هذه المسالة, حيث تم جمع آراء الذاهبين إلى المنع في قول والذاهبين إلى الكراهة في قول والذاهبين إلى جواز هذه القسمة على أساس قواعد الميراث في قول، وقد ذهب الباحث إلى ترجيح القول بجواز قسمة الشخص لماله في أثناء حياته على أساس العطية والهبة.

▪️خلط قانون الأحوال الشخصية اليمني في معالجته لهذا الموضوع بين هذه القسمة والقسمة بعد وفاة المورث كما انه خلط بين هذه القسمة وكل من العطية والهبة والوصية حسبما هو مبين في موضعه من البحث.

▪️نتيجة لاضطراب قانون الأحوال الشخصية في معالجته لهذا الموضوع فقد كان اجتهاد المحكمة العليا باليمن (محكمة النقض) مضطرباً أيضاً ومخالفاً إلى حدما للفقه والقانون.

ثانياً: توصيات البحث:

➖➖➖➖➖

من خلال استعراض البحث ونتائجه فإن الباحث يوصي بالآتي:

▪️تعديل قانون الأحوال الشخصية باليمن لإزالة الغموض والخلط والاضطراب الحاصل في تنظيمه لهذا الموضوع, وننصح السلطة التشريعية باليمن باعتماد القول الذي توصل إليه الباحث وهو أن قسمة الشخص لماله في أثناء حياته يكون عطية بالنسبة لأولاد الشخص ويكون هبة بالنسبة للورثة الآخرين المحتملين, وبناءً على ذلك نوصي بتعديل المادة (183) التي نصت على انه (تجب المساواة في الهبة والمشتبهات بها بين الأولاد وبين الورثة بحسب الفريضة الشرعية) بحيث تكون هذه المادة بعد التعديل (يجوز للشخص في أثناء حياته إذا كانت هناك مبررات قوية أن يقوم بتوزيع ماله كله أو بعضه على أولاده على سبيل العطية التي يتساوى فيها الأولاد وبحسب الفريضة الشرعية بالنسبة للورثة الآخرين المحتملين).

▪️إلغاء المادة (186) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أن ( الهبة للوارث ووارثه في حياته تأخذ حكم الوصية إلا فيما استهلكه الموهوب له في حياة الواهب حقيقة أو حكماً) حتى لاتكون هذه المادة وليجة للحيلة وإحراج بقية الورثة في إجازتها بعد وفاة مورثهم, إضافة إلى أنها تخالف حديث وقاعدة (لاوصية لوارث) كما أن سوء فهم هذه المادة قد يفضي إلى تعطيل تصرفات أخرى منها القسمة في أثناء حياة المورث.

▪️عقد لقاءت علمية وحلقات نقاش لقضاة الأحوال الشخصية والموثقين المتولين توثيق العقود والتصرفات والأمناء الشرعيين الذين يتولون تحرير وإنشاء العقود والتصرفات لمناقشة هذا الموضوع ومعرفة دقائقه وتفاصيله وتوعيتهم بهذا الموضوع.

▪️والحمد لله في البدء والختام والصلاة والسلام على سيدنا محمد بدر التمام وعلى اله الكرام


هناك تعليق واحد:

اترك تعليقك هنا