إعلان علوي

آخر الاخبار

رخصة البناء لا تبرر المخالفة أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 

رخصة البناء لا تبرر المخالفة

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء



تضع الهيئات المعنية مخططات البناء التفصيلية في المدن بموجب قانون التخطيط الحضري  حيث تحدد هذه المخططات المساحات والمسافات التي يجوز فيها البناء فيها والمساحات المخصصة للخدمات العامة التي لا يجوز البناء فيها مثل الشوارع باعتبارها شوارع عامة لنفع المجتمع عامة، وبموجب قانون التخطيط الحضري وقانون البناء يجب على المواطنين الالتزام بتلك المخططات وعدم مخالفتها وإلا كانوا عرضة للجزاء القانوني المقرر للمخالفة، إلا أنه في حالات كثيرة يسعى المخالفون في سبيل تبرير مخالفاتهم الى الحصول على تراخيص للبناء بالمخالفة لتلك المخططات الرسمية على أساس أن تلك التراخيص بمثابة إذن من الجهة المعنية للمخالف بالبناء يبرر مخالفته للمخططات العمرانية وان تلك التراخيص بمثابة تعديل للمخططات العمرانية المعتمدة، ولا شك أن هذه التراخيص المخالفة تصدر بطريقة غير قانونية وغير نظامية، وهذه المسألة تثير إشكاليات كثيرة تقتضي الاشارة اليها في سياق التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/2/2013م في الطعن رقم (47581) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم أن النيابة العامة بناء على شكوى الجيران اتهمت شخصاً بأنه قام بسد الشارع العام الذي يطل عليه منزله وذلك من نهاية الشارع  الفرعي  حيث قطع ذلك الشارع ومنع اتصاله بالشارع الرئيس وضم مساحة ذلك الشارع الى حوش منزله  حيث قام  بتسوير جزء من الشارع وضمه مساحة الشارع المجاورةتلى  إلى منزله بالمخالفة للمادتين (3 و 68) من قانون البناء والمادة (13) من لائحة مخالفات البناء والتخطيط، حيث قامت المحكمة الابتدائية بتكليف مدير الاشغال ومهندس اخر برفع تقرير إلى المحكمة فقاما برفع تقرير مفاده : أن المخالف  لديه رخصة تسوير برقم (...) وتاريخ (...) وان الرخصة سليمة وان هناك مخطط اخر بتعديل المخطط السابق، وبناء على هذا التقرير قضت المحكمة الابتدائية ببراءة المتهم لان البناء تم بموجب رخصة رسمية، فقام احد جيران المخالف باستئناف الحكم الابتدائي لانه الذي قدم البلاغ إلى النيابة العامة كما أنه المتضرر من سد الشارع قام الجار باستئناف الحكم الابتدائي، فقبلت الشعبة الجزائية الاستئناف وقضت بإلغاء الحكم الابتدائي وادانة المتهم المخالف وازالة السور وفتح الشارع واعتبار رخصة التسوير باسم المخالف كأن لم تكن لصدورها بالمخالفة للمخطط التفصيلي وبتواطؤ المختصين في مكتب الاشغال العامة، ولان المستأنف قد بنى منزله بناءً على رخصة حددت الشارع الذي قام المستأنف ضده بغلقه، وقد جاء في أسباب الحكم الاستئنافي (أنه قد ثبت للمحكمة من خلال المعاينة أن المخالف المستأنف ضده قام بسد الشارع المؤدي إلى الشارع الرئيسي وأنه احتفظ لمنزله بفتحتين احدهما إلى الشارع الذي قام بغلقه والاخرى  إلى الشارع الرئيسي من الناحية الثانية  وحرم جيرانه خاصة المستانف من النفوذ الى الشارع الرئيسي  وبما أن السور الذي استحدثه المستأنف ضده قد قطع شارع بعرض خمسة متر، ولا يخفى أن رخص البناء التي يتمسك المستأنف تتطابق مع المخطط العام للمدينة وان الشارع محل الخلاف موجود في المخطط العام إلا أن المستأنف ضده قد حصل على رخصة التسوير بالتواطؤ مع المختصين بمكتب الاشغال  بالمخالفة لقانون التخطيط الحضري والمخطط العام وقد حصل الضرر بالمجني عليه المستأنف الذي حرم من النفوذ إلى الشارع الرئيسي عن طريق الشارع الفرعي الذي قام بسده المستأنف ضده، وحيث أن ازاحة الشارع العام على الطبيعة والاستيلاء على الشارع المذكور في المخطط العام يمثل اعتداء على حق عام ومنفعة عامة وحيث تأكد للمحكمة تهرب مكتب الاشغال والمهندسين المختصين من الحضور إلى المحكمة لمناقشتهم بشان الرخص الممنوحة لطرفي النزاع وسندها القانوني وأيهما المطابقة للمخطط العام والمخالفة له مما يستوجب إحالة المختصين إلى النيابة للتحقيق معهم في تلك المخالفات) فلم يقبل المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن فيه بالنقض إلا أن الدائرة الجزائية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (اما نعي الطاعن بأن الحكم الاستئنافي قد سبب قضاءه على أساس المخطط العام ورخص بناء المطعون ضده وابطل رخصته اي الطاعن  فقد وجدت الدائرة ان الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد ناقش هذا الموضوع تفصيلاً حسبما هو مبين في أسباب الحكم المطعون فيه) وسيكون تعليقنا حسبما هو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : الوضعية القانونية لمخططات البناء :

نظم قانون التخطيط الحضري رقم (20) لسنة 1995م مخططات البناء التي تمر بلجان ومراحل ودراسات مختلفة حتى ينتهي المخطط بإقراره من  من قبل رئاسة الجهة المختصة ،فلا يجيز القانون المشار اليه اجراء أية تعديلات في المخططات التي تم اقرارها حيث نصت المادة (44) على أنه (لا يجوز بأي حال من الأحوال اجراء أية تعديلات في المخططات التفصيلية التي تم التصديق عليها بصفة نهائية إلا في حالات الضرورة التي تقدرها اللجنة الفنية العليا وتصادق عليها قيادة الوزارة اذا كانت هناك ظروف استثنائية عامة أو اسباب وجهية تقتضي التعديل شريطة الا تؤثر هذه التعديلات على حقوق الاخرين في موقع التعديل وأن تكون مبررة من الناحية الفنية) ومن خلال تطبيق هذا النص على القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا نجد أن المخطط التفصيلي لم يتم تعديله على النحو المبين في هذا النص وان المخطط الذي كان  مرفقا  برخصة بناء سور كان عبارة عن مخطط غير معتمد أو مصادق عليه من قيادة الوزارة، علاوة على أن تعديل المخطط يضر بجار المخالف حيث قام المخالف بسد الشارع النافذ إلى الشارع الرئيسي القريب من منزله واصبح الجار المتضرر لا يصل إلى الشارع الرئيسي الا  عن طريق اخر بعيد عن منزله، ولذلك قام الجار بمنازعة المخالف والابلاغ عن مخالفته  والشكوى به الى الجهة المختصة.

الوجه الثاني : الوضعية القانونية لمخالفة المخطط التفصيلي بسد الشارع المحدد في المخطط التفصيلي :

ذكرنا في الوجه الأول أن المادة (44) من قانون التخطيط حظرت التعديل للمخطط النهائي الذي تصادق عليه قيادة الوزارة ومن ذلك سد أو الغاء الشارع أو ازاحته، ولكن قانون التخطيط ولائحته التنفيذية لم يقررا عقوبة رادعة على المخالف في هذه الحالة وبدلا من ذلك تم ادراج هذا الفعل كمخالفة ضمن لائحة مخالفات التخطيط واعمال البناء الصادرة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (23) لسنة 1994م حيث ورد في الفقرة (10) من جدول المخالفات بان من قام (بإقامة البناء في الأراضي المخصصة للخدمات والمرافق العامة بحسب ما تحدده المخططات العامة يعاقب بغرامة لا تقل عن 2500 ريالاً ولا تزيد عن (3000) ريالاً مع إزالة المخالفة على نفقة المخالف) وبالنظر إلى خطورة واثار هذا الفعل وهو سد الشارع فأن هذا الفعل يعد جريمة وليس مخالفة ،فمن يقوم بسد شارع أو الغائه يلحق بالمجتمع عامة والمجاورين له  خاصة اضرار فادحة ويعطل مصالحهم ويهدر حقوقهم، وقد استند الحكم محل تعليقنا إلى هذا النص في قضائه بإزالة المخالفة، ومن وجهة نظرنا فان تعديل المخططات من غير إذن وموافقة الوزارة ومن غير سلوك الطريق المحددة قانوناً لتعديل المخطط التفصيلي تعد جريمة من جرائم التزوير وليس مخالفة حسبما قررت لائحة مخالفات التخطيط.

الوجه الثالث : رخصة البناء لا تبرر جريمة مخالفة التخطيط :

من خلال مطالعتنا للحكم محل تعليقنا نجد أن المخالف الذي قام بسد الشارع كان متمسكاً بالرخصة الرسمية الصادرة من الجهة المختصة بالبناء في الشارع والغاء الشارع، فيما ذهب الحكم إلى أن رخصة البناء في هذه الحالة لا تبرر المخالفة أو الجريمة وأن العبرة بما ورد في المخطط التفصيلي وليس بما ورد في رخصة البناء ،لان رخصة البناء صدرت بموجب مخطط غير قانوني لم تصادق عليه  قيادة الجهة المختصة حسبما ورد في قانون التخطيط وأن الرخصة قد قامت على مخطط باطل، فما بني على باطل فهو باطل، وبموجب قانون البناء رقم (19) لسنة 2002م فان رخصة  البناء لا تصدر إلا اذا لم يكن البناء المطلوب  مخالف للمخطط التفصيلي لان المادة (8)  من قانون البناء قد صرحت بعدم جواز اصدار الترخيص بالبناء اذا كانت الاعمال المطلوب الترخيص بها تقع في المناطق المخصصة للمراهق والخدمات العامة كالشوارع ، وكذا صرح بذلك قانون التخطيط الحضري، وعلى هذا الأساس فان رخصة البناء في هذه الحالة تكون مخالفة للقانون فمن غير المقبول قانوناً أن تكون هذه الرخصة المخالفة مبرراً لمخالفة اخرى وهي البناء في الشارع أو سده أو غير ذلك من مخالفات البناء ومن جهة ثانية فان رخصة البناء لاتفيد ملكية الشخص للارض التي يتم الترخيص له بالبناء فيها، لان الغرض من رخصة البناء هو التاكد من الارض مخصصة للبناء فيجوز البناء فيها حتى كانت الجهة المعنية الترخيص  الا  بعد ان تتاكد الجهة من ملكية طالب الترخيص للارض ، غير ان رخصة البناء تكون دليلا على ملكية البناء الذي يقام بموجب  الترخيص ،ولذا نلاحظ عند بيع المباني او رهنها يطلب المشتري او المرتهن الوثائق  التي تدل على ملكية البناء  ومن اهمها رخصة البناء واتفاقية الماء والكهرباء والهاتف.

الوجه الرابع : التلاعب  بالمخططات التفصيلية في اليمن :

كشف الحكم محل تعليقنا عن جانب خطير للتلاعب بالمخططات التفصيلية دون ادراك لأهمية المخططات والاثار السلبية الخطيرة المترتبة على التلاعب فيها والذي تستمر اثاره لسنوات بل لقرون عدة، ومساس هذا التلاعب بمستقبل الوطن والشعب، وقد اشرنا سابقاً إلى أن القانون قد تساهل مع جريمة التلاعب بالمخططات التفصيلية واعتبرها مجرد مخالفة ليس إلا، ولذلك فان التلاعب بالمخططات والغاء شوارع وخدمات يجري على قدم وساق،والله اعلم.

 

ليست هناك تعليقات

فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا