إعلان علوي

آخر الاخبار

الحجز التحفظي فبل رفع الدعوى أمام هيئة التحكيم أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

 

الحجز التحفظي فبل رفع الدعوى أمام هيئة التحكيم

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء



الاتفاقيات بين الشركات الكبيرة تتضمن غالباً شرط التحكيم الذي يحدد هيئة التحكيم المختصة بنظر أي نزاعات قد تحدث بينها عند تنفيذ الاتفاقية أو العقد، ولكن قبل عرض النزاع على هيئة التحكيم تحدث مسائل مستعجلة تحتاج إلى اجراءات تحفظية لا تمس موضوع الحق كالحجز التحفظي الا ان هذه الإجراءات التحفظية تلحق الضرر بالمحجوز عليه لاسيما اذا تقاعس الحاجز أو تأخر في تقديم الدعوى بالحق الموضوعي أمام هيئة التحكيم، ولذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب تحديد مهلة زمنية معينة للحاجز لتقديم دعواه الموضوعية أمام هيئة التحكيم فان لم يفعل فيعد الحجز التحفظي كأن لم يكن، وهذا الحكم هو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 14/1/2017م في الطعن رقم (58519) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان الشركة صاحبة المشروع تقدمت أمام المحكمة التجارية بأمانة العاصمة بعريضة طلبت فيها من المحكمة اصدار أمر بايقاع الحجز التحفظي على خطابي ضمان لدى بنكين عاملين في اليمن لان مدة الخطابين قد اوشكت على الانتهاء وان حقوق طالبة الحجز متعلقة بهذين الخطابين، وبالفعل اصدرت المحكمة أمرا بإيقاع الحجز التحفظي على الخطابين ثم تقدمت الشركة الحاجزة بدعوى صحة الحجز أمام المحكمة التجارية في حين تمسكت الشركة المحجوز عليها بشرط التحكيم وان الاختصاص منعقد لغرفة تجارة باريس، حيث قبلت المحكمة دعوى صحة الحجز، فقامت الشركة المحجوز عليها باستئناف الحكم، وذكرت في استئنافها ان المحكمة الابتدائية لم تلتفت لدفاعها ودفوعها بشأن عدم الاختصاص بنظر القضية لوجود شرط التحكيم الذي حدد ان (غرفة تجاره باريس) هي المختصة بنظر أية نزاعات قد تحدث فيما بين الطرفين، إلا أن الشعبة قضت بتأييد الحكم الابتدائي لان قانون التحكيم قد اجاز لاطراف التحكيم ولهيئة التحكيم اللجوء أو الاستعانة بالمحكمة المختصة لاتخاذ الإجراءات التحفظية الملائمة حسبما نصت عليه المادة (43) تحكيم، فلم تقنع الشركة المحجوز عليها بالحكم الاستئنافي فقامت بالطعن فيه بالنقض، إلا أن الدائرة قبلت الطعن وقضت بإمهال الشركة الحاجزة مدة ستين يوماً لرفع دعواها الموضوعية أمام (غرفة تجارة باريس) مالم فان هذه الدائرة تقرر ان أمر الحجز التحفظي على الضمانين البنكيين ملغي ،وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا أنه (أما أمر الحجز  التحفظي على الخطابين فانه جائز حيث يسري في شأنه نص  المادة (43) تحكيم الذي يجيز لهيئة التحكيم أو لأي من الطرفين طلب المساعدة من المحكمة المختصة بإتخاذ ما تراه من الإجراءات التحفظية أو المؤقتة، وحيث انه لا تناكر بين طرفي الخصومة ان النزاع الموضوعي لم يعرض بعد على مؤسسة التحكيم المتفق عليها وتحوطاً من عدم تعرض أي طرف للضرر من استمرار الحجز التحفظي على الضامنين فان هذه الدائرة توجه محكمة التنفيذ إلى منح الحاجز المدعي مدة مناسبة لتقديم دعواه أمام مؤسسة التحكيم ولتكن المدة ستين يوماً من تاريخ تسليم هذا الحكم للطرفين فان تقدم بدعواه خلال تلك المدة اعتبر الحجز التحفظي ملغياً ويتحمل المقصر ما يترتب على ذلك من اضرار وعلى المحكمة إبلاغ هذا الحكم للطرفين دون تأخير، وما سبق يغني عن بقية الأسباب) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :

الوجه الأول : جواز لجوء المحتكم إلى المحكمة المختصة للمطالبة بإيقاع الحجز التحفظي :

هذا الحق مقرر بمقتضى المادة (43) تحكيم التي استند اليها الحكم محل تعليقنا، فاذا توفرت الشروط اللازمة  للحجز التحفظي فانه يحق للخصم الذي يخشى فوات حقه ان يطلب إيقاع الحجز التحفظي طالما والحجز التحفظي عبارة عن اجراء وقتي لا يمس موضوع الحق، وحق الخصم في مطالبة المحكمة بإيقاع الحجز التحفظي يستتبع حق طالب الحجز في تقديم دعوى صحة الحجز أمام المحكمة التي أمرت بإيقاع الحجز التحفظي لان هذه الدعوى من اسمها تتضمن الأسانيد والاعتبارات التي تبرر قانوناً صحة أمر الحجز التحفظي.

الوجه الثاني : الاضرار التي تلحق المحجوز عليه تحفظياً :

الجز التحفظي حسبما هو معروف عبارة عن منع صاحب الحق من التصرف في حقه لمدة مؤقتة، فغالباً ما يكون الحجز التحفظي معلقاً على الفصل في الحق الموضوعي محل النزاع، وبالنسبة للمحتكم المحجوز عليه فانه يكون تحت رحمة الحاجز الذي قد لا يبادر إلى رفع الدعوى بالحق الموضوعي أمام هيئة التحكيم لاسيما اذا كانت خارج البلاد واتعاب ومصاريف التقاضي باهضة مثل (غرفة تجارة باريس) التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا، ولذلك فان بقاء الحجز التحفظي وتعليقه على رفع الدعوى أمام هيئة التحكيم يجعل المحجوز عليه تحت رحمة الحاجز، ولذلك قضى الحكم محل تعليقنا بتحديد مهلة لتقديم الدعوى الموضوعية أمام هيئة التحكيم.

الوجه الثالث : الاسانيد التي يقوم عليها اجتهاد الحكم محل تعليقنا بتحديد مهلة لتقديم الدعوى الموضوعية أمام هيئة التحكيم :

لا شك ان اجتهاد الحكم محل تعليقنا في إبطال الحجز التحفظي اذا لم يتم تقديم الدعوى الموضوعية أمام هيئة التحكيم في المهلة المحددة في الحكم لا يستند إلى نص صريح في القانون، لان القانون قرر سقوط الحجز التحفظي في حالة عدم إعلان المدين بأمر الحجز خلال ثلاثة أيام أو اذا لم يتم تقديم دعوى صحة الحجز خلال ثمانية أيام من تاريخ إعلان المدين بالحجز حسبما هو مقرر في المادتين (385 و 389) مرافعات إلا أن الحكم محل تعليقنا قضى بمهلة مدتها (60) يوماً لرفع الدعوى الموضوعية أمام هيئة التحكيم خارج البلاد، ويستند هذا الاجتهاد إلى مبدأ حسن نية الخصوم في التقاضي وعدم تعمد بعضهم الاضرار  ببعض فضلاً عن الاستماع الى مبدأ عدم جواز التعسف في اجراءات التقاضي.

الوجه الرابع : الجمع والتفريق بين دعوى صحة الحجز والدعوى بالحق الموضوعي :

كان الخلاف في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا هو مدى جواز الجمع والتفريق بين دعوى صحة الحجز التحفظي ودعوى الحق الموضوعي، حيث كان المحجوز عليه يذهب إلى ان المادة (388) مرافعات تقرر ان دعوى صحة الحجز ودعوى الحق الموضوعي هما دعوى واحدة وان الاختصاص بها معقود لهيئة التحكيم وهذا يستدعي ان اختصاص هيئة التحكيم  مخاطبة المحكمة المختصة بإيقاع الحجز التحفظي ان كان له مقتضى حيث نصت المادة المشار اليها على أنه (يجب على من امر له بالحجز التحفظي في أي حالة بدون حكم أو امر اداء ان يرفع دعوى بحقه وبصحة الحجز يخاصم فيها المحجوز عليه واذا كان طالب الحجز التحفظي بيده حكم أو امر اداء غير نهائي وتم الحجز بموجب ذلك فيلزمه رفع دعوى صحة الحجز) فالمحجوز عليه كان متمسك بان النص قد قرر بان دعوى صحة الحجز ودعوى الحق الموضوعي ينبغي ان ترفعا معاً ولا يكون ذلك إلا أمام هيئة التحكيم، في حين ذهب الحكم محل تعليقنا ان دعوى صحة الحجز يتم رفعها أمام المحكمة التي آمرت بالحجز اما دعوى الحق الموضوعي فيتم رفعها أمام هيئة التحكيم تنفيذاً لشرط التحكيم القائم بين الطرفين،والله اعلم.

ليست هناك تعليقات

فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا