*الشفعة في أرض الدولة*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين* *الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء*
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen
➖➖➖➖➖➖
*▪️من المسائل الواقعية التي يتكرر وقوعها تنازل بعض الأشخاص عن حقهم في الإنتفاع بأي من أراضي وعقارات الدولة ويكون هناك سبب للشفعة كالإشتراك في الطريق أو المسقى أو الاشتراك في جدران المباني، فعندئذ يتم طلب الشفعة، إلا أنه بالنسبة لأراضي وعقارات الدولة فان الشفعة لا تجوز في هذه الحالة، لان التصرف يكون بالنسبة للمنفعة التي لا تفيد تمليك المتنازل له العين وإنما الإنتفاع فقط، فالمنفعة لا تكون محلاً للشفعة حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30/12/2012م في الطعن رقم (46451)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان المستأجر للدكان من هيئة الأراضي قام بالتنازل عن حقه في الإنتفاع بالدكان إلى غيره، وكان الدكان المتنازل عنه ملاصقاً في جدرانه بمنزل خاص مملوك ملكية خاصة لورثة قاصرين فقامت والدتهم بطلب الشفعة حتى وصلت القضية إلى المحكمة الابتدائية التي توصلت إلى الحكم برفض طلب الشفعة، بإعتبار العقار المطلوب الشفعة فيه مملوكا للدولة، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي ((فالعقار المطلوب الشفعة فيه من عقارات الدولة، وقانون أراضي وعقارات الدولة لا يجيز التصرف بأراضي وعقارات الدولة الا بموافقة هيئة الاراضي، فقد كان ينبغي على رؤساء المجالس المحلية إبلاغ هيئة الأراضي بالعقارات المملوكة للدولة بإعتبار ان الدفاع عن الأملاك العامة واجب دستوري، وحيث ان العقار موضوع الدعوى مال عام مملوك للدولة ممثلة بهيئة أراضي الدولة فلا يجوز التصرف فيه من قبل الحائز فليس له سوى التنازل عن حق الإنتفاع للغير أي بيع حق المنفعة فقط، ونفاذ ذلك التنازل يتوقف على موافقة الجهة المالكة وسداد الإيجارات المستحقة للدولة خلال الفترة السابقة على التنازل وسداد 10% من مبلغ التنازل إلى هيئة الأراضي، ومن ناحية أخرى فان الشفعة هي حق تملك عين ولو جبرًا ملكت لآخر بعقد صحيح بعوض معلوم على أية صفة كانت حسبما هو مقرر في المادة (1255) مدني إضافة إلى ان التنازل عن حق الإنتفاع لا يترتب عليه تملك العين حتى يتم تقديم طلب الشفعة، فالمتنازل ليس مالكاً شرعياً للمحل، فسبب الشفعة هو ملك الشفيع واتصال ملكه بالعين المشفوعة إتصال شراكة (خلطة) في أصل العين أو في حق من حقوقها، وحيث ان الحق المتنازل عنه هو مجرد تنازل عن حق الإنتفاع، ولذلك فلا تجوز الشفعة في هذه الحالة وفقاً لأحكام المادة (1160) مدني كما انه لا يخفى ان التنازل يتوقف على موافقة هيئة الأراضي)) وقد حكمت الشعبة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائي، وكذا أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا ((فقد تبين ان مناعي الطاعن إنما هي جدل في الوقائع والأدلة التي بنت محكمة الموضوع قضاءها عليها، حيث ان المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة ان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ بما تطمئن إليه من الأدلة وإطراح ما عداه ولا رقابة للمحكمة العليا على ذلك متى اقامت محكمة الموضوع حكمها على أسباب تكفي لحمله وتسوغ النتيجة التي انتهى اليها الحكم)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الآتية:*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الأول: المركز القانوني للمستأجر لأرض الدولة:*
*▪️يتحدد المركز القانوني للمستأجر لأرض الدولة في ضوء قانون أراضي وعقارات الدولة وفي ضوء قانون تنظيم العلاقة فيما بين المؤجرين والمستأجرين وكذا في ضوء عقد الإيجار المبرم فيما بين المستأجر للعين والهيئة العامة لأراضي الدولة، فهذه المرجعية القانونية والعقدية تمنع المستأجر من التصرف في العين المؤجرة ومن ذلك بيع العين أو التنازل عن منفعتها إلى الغير او مايطلق عليه التأجير من الباطن حيث ان هذا التصرف من أسباب فسخ عقد الإيجار حسبما منصوص عليه في عقود الإيجار أو في لائحة قانون أراضي الدولة أو في المادة (59) من قانون تنظيم العلاقة فيما بين المؤجرين والمستأجرين، بل ان أي تصرف يصدر من المستأجر لأرض الدولة يعد جريمة بما في ذلك التنازل أو التأجير من الباطن حسبما ورد في المادة (17) من قانون أراضي وعقارات الدولة، اما قيام المستأجر ببيع أرض الدولة أو التنازل عنها على أساس ان المتنازل عنها مالكاً لها فان ذلك يكون جريمة من جرائم الاخلال بالثقة بالتصرفات العقارية وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات كما ان هذا التصرف جريمة يعاقب عليها قانون أراضي وعقارات الدولة وفقاً للمادة (47).*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الثاني: التكييف القانوني لتنازل المستأجر لعقار الدولة عن العين المؤجرة:*
*▪️من خلال مطالعة الحكم محل تعليقنا نجد ان محل الخلاف كان تنازل المستأجر للدكان المملوك للدولة لشخص آخر من غير علم هيئة الأراضي أو موافقتها ومن غير إستكمال الإجراءات الواجب اتباعها وفقاً لقانون أراضي الدولة ولائحته التنفيذية، وتكييف هذا التنازل لازم لبيان حكم الشفعة في أرض الدولة، فتكييف هذا التصرف يختلف بإختلاف نوع التنازل فإذا كان موضوع التنازل بيع العين فان التنازل منعدم لان المستأجر لا يملك العين ،ومن شروط البيع ان يكون البائع مالكاً للمبيع، فيعد التنازل في هذه الحالة جريمة يعاقب عليها قانون الجرائم والعقوبات وقانون أراضي وعقارات الدولة، اما اذا كان التنازل عن حق المستأجر في الإنتفاع بالعين فان لائحة قانون أراضي وعقارات الدولة تجيز ذلك شريطة الحصول على الموافقة المسبقة من هيئة الأراضي وبعد دفع المأذونية المقررة في المادة (122) من لائحة قانون الأراضي وهي (10%) من الثمن الأساس المقدر للبيع أو القيمة الإيجارية السنوية للعقار، فاذا تم التنازل عن المنفعة من غير الموافقة المسبقة لهيئة الأراضي فان هذا التصرف يعد جريمة يعاقب عليها قانون أراضي وعقارات الدولة بمقتضى المادة (47).*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الثالث: مدى جواز الشفعة في أرض الدولة:*
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بعدم جواز الشفعة في أرض الدولة، لان الشفعة تهدف إلى تملك العين، أي ان الشفيع غرضه تملك العين، فالمادة (1255) مدني نصت على ان (الشفعة هي حق تملك عين ولو جبراً ملكت لآخر بعقد صحيح بعوض مال معلوم على آية صفة كانت) فبموجب هذه المادة فان محل التنازل في أرض الدولة هو الإنتفاع فقط، لان الإيجار يتم تعريفه بانه تمليك منفعة وليس تمليك العين، فمحل الشفعة هو ملكية الرقبة وليس مجرد الإنتفاع، إضافة إلى أن الشفعة تمليك جبراً أي بقوة القانون وبحكم القاضي في حين ان الإنتفاع بأرض الدولة وفقاً لقانون أراضي وعقارات الدولة يتم بموجب موافقة وإذن وإجراءات تقوم بها هيئة الأراضي، والله اعلم.*
أضف تعليق