*تحقيق محكمة الموضوع لمستند ملكية الأرض*
*أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين*
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen
➖➖➖➖➖➖
*▪️إثبات ملكية الأراضي والعقارات ستظل هاجساً يؤرق كل من يحب اليمن ويسعى ويبحث في تشخيص إشكاليات هذا الموضوع، لان نظام التوثيق وتحرير الوثائق بنظر الأمناء حديث نسبيا، وكذلك الحال بالنسبة للسجل العقاري، ولذلك فان تحقيق وثائق الملكية السابقة لنظام الامناء والسجل العقاري يحتاج إلى مهارة نوعية من القاضي حسبما ارشد اليه الحكم الصادر عن المحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/12/2012م في الطعن رقم (46565) حيث قضى هذا الحكم بانه ((تبين ان نعي الطاعنين على الحكم المطعون فيه انه لم يناقش مستندات المستأنف ضده بصورة تفصيلية كافية تتناول كل مستند، وهذا النعي مؤثر على الحكم المطعون فيه، لان المعتبر في القانون ان مناقشة المستند للتأكد من صحته او بطلانه توجب على محكمة الموضوع حينما يثور بشأن المستند النزاع ان تستدعي كاتبه إن كان حياً وإلا فشاهداه إن كانا احياء وإلا عمدت إلى المضاهاة فان ثبت اليقين فبحسبه وإلا عمدت للاستدلال بشهادة الاقران على عدالة الكاتب والشهود وقرائن الأحوال فان لم تصل إلى درجة اليقين سلباً أو إيجاباً عمدت إلى الإحالة إلى المعمل الجنائي وحيث ان المستندات التي يحتج بها المطعون ضده كان تاريخ الأولى 1366هـ والثانية 1367هـ والثالثة 1375هـ وحيث انه قد ثبت ان الشعبة لم تحقق تلك المستندات تحقيقاً كاملاً ودقيقاً مما يقتضي نقض الحكم)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية:*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الأول : عدم جواز التحقيق في مستندات الحائز الشرعي:*
*▪️بالنسبة لوثائق ملكية الحائز للعقار أو الأرض للمدة القانونية (30) سنة فليس هناك ثمة إشكالية في هذا الشأن، لان إستقرار حيازته خلال هذه المدة الطويلة مع وجود وثائق تدل على صحة حيازته وصحة وضع يده في بداية حيازته فلا يجب في هذه الحالة البحث او التحقيق في مستنداته، لان ذلك سوف يخل بٱستقرار المراكز القانونية ويفتح باباً للنزاعات لا نهاية له، لان وثائق الملكية القديمة لم تكن تحرر في الغالب بنظر امناء وإنما كان يتم تحريرها من قبل الأشخاص الذين كانوا يجيدوا القراءة والكتابة في ذلك العصر وهم قليل، إضافة إلى أنه عند البيع في ذلك الحين لم يكن المشتري يحرص على الحصول على كافة المستندات السابقة المتعلقة بالمبيع كالبصائر السابقة اوالفصول اوالوهبيات اوالوصايا اوالنذريات..الخ حيث كانت تلك المستندات تظل لدى البائع، وكان الشعور الديني والاخلاقي في ذلك العصر يمنع البائع او ذريته من إستغلال تلك الوثائق في منازعة المشتري الحائز، اما في العصر الحاضر بعد ان تكالب الناس على حطام الدنيا وقل الوازع الديني والاخلاقي فان من اهم أسباب النزاعات على الأراضي والعقارات هو قيام احفاد البائعين السابقين بإستغلال الوثائق القديمة التي يطلق عليها في اليمن الوجائد وهي المجردة عن الثبوت او الحيازة القانونية (30) سنة، ولذلك لو تم فتح المجال لاصحاب الوجائد لمنازعة الحائزين لساهم ذلك في إتساع نطاق المنازعات العقارية ولعمت البغضاء والاحقاد والفوضى البلاد.*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الثاني: وجوب تحقيق مستندات الملكية عند النزاع فيما بين الحائزين:*
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بوجوب قيام محكمة الموضوع بتحقيق مستندات ملكية المتنازعين الحائزين، فهذا قضاء سديد حيث يحدث الخلاف بين الحائزين على الرهق الخاص او المساقي او حدود الأراضي وتداخلها لاسيما لتغير اسماء الاراضي والعقارات والمناطق والاماكن وزوال المعالم التي تميزها، كما يحدث النزاع بين الحائزين على الشيوع كالورثة، فهذه الحالة هي التي قضى الحكم بوجوب تحقيق المستندات فيها لمعرفة حدود الأرض ومساحتها ومراهقها التي يتنازع بشانها الثابتون او ما يسمى (اهل الداخل) بمعنى خلاف الحائزين فيما بينهم وليس خلافهم مع المدعي الخارج من العقار الذي لا حيازة له ولا ثبوت خلال المدة القانونية، فتحقيق مستندات الحائزين المتنازعين وسيلة لحسم النزاعات بين الجيران والورثة والشركاء بخلاف تحقيق المستندات في حالة منازعة الخارج للداخل الحائز حيازة شرعية وقانونية (30) سنة.*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الثالث: ماهية تحقيق مستندات ملكية الحائزين عند نزاعهم:*
*▪️تحقيق المستندات هو التحقق من صحة نسبتها لكاتبها ومن قدر المساحة المذكورة في الوثيقة وحدودها المذكورة واسماء المواضع التي تحدها وملحقات المبيع كالرهق والمساقي وغير ذلك، ويهدف التحقق إلى التأكد من سلامة وصحة وثائق الحائزين عند نزاعهم لحسم النزاع.*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الرابع: إجراءات التحقق من مستندات الحائزين عند نزاعهم:*
*▪️اشار الحكم محل تعليقنا إلى الإجراءات التي ينبغي على محكمة الموضوع إتباعها حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا،*
*▪️ويمكن تلخيص هذه الإجراءات كما يأتي:*
*1- إستدعاء كاتب الوثيقة إن كان حياً : فالغرض من الاستدعاء هو عرض الوثيقة او المستند على كاتبه وسؤاله عما اذا كان الخط خطه وكذا الوقوف على بعض المسائل الخلافية التي لم يتم تضمينها المحرر أو الوثيقة، وهذه الطريقة من افضل الطرق للتأكد من نسبة المحرر او الوثيقة لكاتبها، إلا أن اغلب الإشكاليات تقع بشأن المحررات او الوثائق القديمة التي مات كتبتها مثل القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا حيث كانت الوثائق الثلاث مؤرخة 1366هـ و 1367هـ و 1375هـ إي ان كاتبها وشهودها قد ماتوا.*
*2- إستدعاء الشهود المذكورين في المحرر : في بعض الحالات يكون كاتب المحرر قد مات، غير ان شهود المحرر ما زلوا احياء فعندئذ يجب على محكمة الموضوع إستدعاء الشهود المذكورين في المحرر للتأكد من أن المحرر قد تمت كتابته من قبل الكاتب وان الكاتب قد كتبه بموافقة ورضاء الطرفين المذكورين في المحرر كما تتحقق محكمة الموضوع من شهود الوثيقة عن المسائل محل الخلاف في الوثيقة او تفسيرها ومعرفة التفاصيل الاخرى التي لم يرد ذكرها في المستند لاسيما في المسائل الخلافية المنظورة أمام القاضي.*
*3- إستدعاء اقران كاتب المحرر وشهوده المعاصرين للكاتب والشهود:على أساس أن الاقران المعاصرين لكاتب المحرر وشهوده اعلم باحوال كاتب المحرر وشهوده، فيكون الغرض من إستدعاهم التعرف من خلالهم على خط الكاتب ومدى عدالته هو وشهود المحرر، ويتم التركيز بصفة خاصة على بعد الكاتب والشهود من تزوير الوثائق وشهادة الزور وعدم شهرتهم بالتزوير أو شهادة الزور.*
*4- مضاهاة الخطوط: ويكون ذلك في حالة وفاة الكاتب والشهود فعند ذلك لامناص من قيام محكمة الموضوع بمضاهاة الخطوط ، والمضاهاة هي المقارنة بين الخط في الوثيقة المتنازع بشأنها والخطوط الواردة في وثائق اخرى مركدة نسبتها للكاتب نفسه وتعتمد المقارنة بين الخطوط على مقارنة طريقة كتابة الحروف والكلمات، وينبغي ان تكون الوثائق المستعملة في المضاهاة نسبتها مؤكدة لكاتبها حيث تقارن بها الوثيقة المتنازع بشأنها، وتعتمد المضاهاة على المقارنة بالعين المجردة، لان لكل شخص خطه المميز الذي يختلف عن غيره وتكون نتائج المضاهاة دقيقة لاسيما اذا كان خط الكاتب مشهوراً وتوجد له وثائق لدى عدة اشخاص أو جهات، وقد تكون الوثائق التي تتم المضاهاة بموجبها عبارة عن رسائل شخصية كدعوات الزفاف القديمة او خطابات موجهة لاشخاص، لان المقصود هو التعرف على خط الكاتب.*
*5- قرائن الأحوال: وهي الأحوال المصاحبة للمستند والخلاف بشأن مستند الملكية ومنها صلاح وعدالة المتمسك بالوثيقة وكذا نوع الخط المستعمل في المستند مثل وجود بصيرة مكتوبة بقلم جاف منسوبة إلى كاتب قديم لم يكن القلم الجاف موجوداً في عصره أو ان يكون المستند على ورق مسطر لم يكن موجوداً في عصر الكاتب أو وجود بريق في الكتابة يدل على انها حديثة وغير ذلك من القرائن.*
*6- الإحالة إلى المعمل الجنائي: اشار الحكم محل تعليقنا إلى انه اذا تعذرت معرفة خط الكاتب عن طريق الوسائل السابق ذكرها فعندئذ يعمد القاضي إلى إحالة المستند المشكوك في صحته إلى المعمل الفني الجنائي الذي يستعمل الاجهزة الدقيقة لفحص المستند والتأكد من صحته في ضوء وثائق اخرى للكاتب المنسوبة له الوثيقة المشكوك في صحتها، وميزة تحقيق المستند بنظر المعمل الجنائي ان الاجهزة الفنية تستطيع ان تحدد عمر تقريبي للورق الذي كتبت عليه الوثيقة بالإضافة إلى تحديد عمر الخط وعمر الحبر المستعمل في الكتابة.*
➖➖➖➖➖➖
*الوجه الخامس: المناقشة السطحية لمستندات ملكية الحائزين قصور في التسبيب:*
*▪️قضى الحكم محل تعليقنا بان المناقشة السطحية او العامة لمستندات الملكية المختلف بشأنه يعد قصوراً في تسبيب الحكم، فلا يكفي ان يذكر الحكم في أسبابه ان المحكمة قد وجدت المستند سليماً دون ان تتحرى من سلامته بأي من الطرق السابق ذكرها في الوجه السابق وكذا يكون الحكم مشوباً بعيب القصور في التسبيب اذا ذكر في اسبابه بان المحكمة وجدت المستند غير صحيح ولم يبين الاجراءات التي اتبعها في تحقيق المستند للتأكد من صحته أو عدم صحته، فالقول بصحة المستند وعدمه نتيجة لبحث المحكمة وتحقيقها، والله اعلم.*
أضف تعليق