إعلان علوي

آخر الاخبار

المبحث الثاني من الفصل الاول من رسالة دكتوراة

 

ضمانات القاضي
 في الشريعة الإسلامية والقانون

-  دراسة مقارنة -

 

المبحث الثاني من الفصل الاول رسالة  مقدمة إلى مجلس كلية القانون في جامعة بابل , وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في القانون 


من الطالب

حامد إبراهيم عبد الكريم الجبوري

المبحث الثاني

مشروعيــة القضــاء 

يحتل القضاء أهمية كبيرة في المجتمعات الإنسانية وقد بدأت هذه الأهمية تزداد مع تطور البشرية وانتقالها إلى مراحل متمدنة ففي الوقت الذي كانت تسود في المجتمعات القديمة شريعة الغاب وغياب النظام ، ظهرت الحاجة ماسة إلى إيجاد مؤسسة تقوم بواجب حفظ النظام وسيادة القانون ، فكان أن ظهر نظام القضاء ليقوم بهذا الواجب المقدس ، وكان لابد لهذا النظام القضائي من  أسس شرعية أو قانونية يعتمد عليها في وجوده وفي القيام بدوره لأنه وإن كان يبدو ظاهراً أن ضرورة القضاء ومشروعيته بديهية لا تحتاج إلى أن يدلل عليها أو أن يؤسس لها أساساً من الشرع أو القانون إلاّ أن الصحيح أن النظام القضائي كونه سلطة ، لابد من أن يدلل على مشروعية قيامه . ولأجل بيان ذلك فقد قسمنا هذا المبحث على مطلبين : الأول يتناول مشروعية القضاء في الفقه الإسلامي ، والثاني يتناول مشروعيته في   القانون . 

المطلب الأول

مشروعية القضاء في الفقه الإسلامي

إن القضاء ضروري للمجتمع وإن كل المجتمعات في حاجة إليه بلا استثناء سواء كان مجتمعاً إسلامياً أو غير إسلامي ، لهذا أمر الإسلام بالقضاء ، إذ قال تعالى [ وإن أحكم بينهم بما أنزل الله] ( )( ). ذلك أن نظام النوع الإنساني يتوقف عليه ، ولأن الظلم من شيم النفوس فكان يتوجب وجود قاضٍ ينتصف للمظلوم من الظالم لما يترتب عليه من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف( ).ففيه ومن خلاله تحقن الدماء وتصان الأعراض والأموال وتحترم الحقوق , فالقوي بساحته ضعيف حتى يؤخذ الحق منه والضعيف بسلطانه قوي حتى يأخذ حقه ، لذا نجد أن القضاء في الإسلام احتل مكانة مرموقة وتبوأ منزلة عالية لتحقيق أنبل الأهداف وهو إقامة ميزان العدالة في الأرض وتطبيق مبادئ الحق فيها( ) . 

ودليل مشروعية القضاء الكتاب والسنة والإجماع  :

أ-  فقد ورد في الكتاب الكريم قوله تعالى [إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله] ( ) . وقوله تعالى [وإن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم] ( ) . وقوله تعالى [فأحكم بينهم بالقسط] ( ) وقوله تعالى [وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل] ( ) وقوله تعالى [فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً] ( ) .

ب- وقد ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه بعث الإمام علياً (عليه السلام) إلى اليمن قاضياً وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) {لا يقدس الله أمة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه} وقد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معاذ بن جبل إلى اليمن وحضرموت قاضياً وقال له : ((كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله ؟ قال : أجتهد رأيي ولا آلو ، فضرب رسول الله صدره ، وقال الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي رسول الله)) ( ).


جـ- إما الإجماع فقد أجمع المسلمون على مشروعيته( ).

وبذلك نجد أن التأسيس لهذه المشروعية كان النواة الأولى في إقرار ضمانات القضاة قبل أي جهة يمكن أن تتعرض للتدخل أو المساس بعملهم أو بشخصهم انطلاقاً من كونهم يمارسون عملهم في ظل هذه المشروعية ، فكان أن أقرت هذه الضمانات وعولجت في الفقه الإسلامي بعمق وسوف يتبين ذلك من خلال الفصول القادمة .


المطلب الثاني

مشروعية القضاء في القانون

يستمد القضاء ضرورته في الدولة من ضرورة وجود قواعد قانونية في المجتمع( ). وإذا كان وجود القواعد القانونية ضرورة اجتماعية تسعى إلى تحقيق الحياة الهادئة للمجتمع ، فإن تنفيذها في الواقع الاجتماعي من خلال الأعمال العقلي لقواعدها، يعد ضرورة اجتماعية كذلك لا تقل أهميتها عن ضرورة وجود القانون نفسه فلا خير في قانون لا ينفذ ولا تحترم قواعده ، كما لا خير في مجتمع لا يحترم قانون حياته( ).

والأصل أن يقوم الأشخاص باختيارهم بالتقيد بالقواعد القانونية من خلال ما تحكمه في سلوكهم المعتاد كونهم مفروضاً عليهم احترامها أما اقتناعاً بها ، وإما خوفاً من توقيع الجزاء عليهم( ).

غير أن هذا النفاذ التلقائي ، لا يتحقق غالباً بسبب من أن الفرد يسعى بكل السبل إلى تحقيق رغباته وإشباع احتياجاته حتى لوكان ذلك على حساب الآخرين والمساس بحقوقهم ، نظراً للطبيعة البشرية والأنانية التي تحكم سلوكه ، ومن ثم يحدث ما يؤدي إلى إعاقة تنفيذ القانون ، لإرادة مخالفتها من الأفراد ولعدم اقتناعهم بأحكامها وأحياناً جهلاً بقواعد القانون لذا كان لابد من إزالة ما يحول دون تحقيق القانون من عوائق أي بمعنى تحقيقه في الواقع( ).

وفي مرحلة تاريخية سابقة ، كان التطبيق يتم عن طريق ذي المصلحة

 محل الحماية القانونية غير أنه بفعل تطور المجتمعات ، باتت لا تعترف بحق الشخص باقتضاء حقه بنفسه بمعنى أن تحقيق القانون في الواقع الاجتماعي يجب أن لا يترك لتقدير الأفراد بل لابد من إيجاد سلطة تكفل احترام القانون وتعمل على النفاذ العادل له عن طريق إجبار الأفراد على احترام القانون والالتزام بقواعده في سلوكهم ، أي في الواقع الاجتماعي ، ذلك أن السماح للفرد أن يقتضي حقه بنفسه سوف يؤدي إلى إشاعة الفوضى و عدم الاستقرار في المجتمع كما أنه ينافي سيادة الدولة( ). 

وقد كان هناك ما يعرف بنظام القضاء الخاص Justice Prive ومؤداه أن من يملك القوة يستطيع حماية حقوقه ومن لا يملكها فليس أمامه إلاّ الخضوع للأقوياء أصحاب النفوذ ، ولنا أن نتصور كيف يكون حال المجتمع الذي يسوده هذا المبدأ !  .

لذا فإن المجتمعات بحثت عن وسيلة أخرى غير القوة تكون أكثر عدلاً وفعاليةً لحسم المنازعات بين الناس فظهرت في البداية فكرة التحكيم الاختياري ، التي تطورت فيما بعد إلى فكرة التحكيم الإجباري وبمقتضاه يلجأ المتنازعون إلى شخص ثالث لعرض خصومتهم عليه ثم ليصدر حكمه الذي يرتضيه الطرفان ويكون حاسماً للنزاع وتنتهي به المنازعة ويتم تحقيق القانون .

غير أن هذا النظام لم يُعد قادراً على أداء الدور الذي كان يقوم به بالسابق ولاسيما مع تشعب العلاقات بين الأفراد والتطور الحضاري الذي حصل في مختلف المجتمعات ، لذا اقتضى الأمر البحث عن نظام آخر يكون أكثر قدرة على أداء هذا الدور بما يتماشى مع تطور دور الدولة الحديثة وتطور مفهوم وظيفتها ، فلم يعد نظام القضاء الخاص وما تبعه من أنظمة يتفق مع دورها في تحقيق العدالة بين المواطنين وأعمال قواعد القانون في الواقع الفعلي( ) .

 لذلك عملت الدولة على إلغاء القضاء الخاص بكل مظاهره وأحلت محله القضاء العام Justice public عن طريق هيئات تقوم هي  بإنشائها ، الذي أصبح هو الأصل في أي مجتمع قانوني متطور ، وبه أصبح القضاء حكراً على الدولة ومظهراً من مظاهر سيادتها( ).

لذلك قامت الدولة بإنشاء الجهاز القضائي( ) وجعلت منه سلطة من سلطاتها ومنحته من الضمانات ما يكفل له القيام بوظيفته ، وأعطت للأفراد الحق في اللجوء إلى القضاء طلباً لحمايته،وقد نصت الدساتير على هذا الحق وأنه لا يقبل التنازل عنه ولا يكون قابلاً للإنقضاء بعدم الاستعمال.

ومن هنا لابد من وضع قواعد منظمة لممارسة هذا الحق وقد تولى المشرع بنفسه وضع القواعد لممارسة حق التقاضي عن طريق مجموعة من القواعد القانونية التي تتولى تنظيم عجلة القضاء ووظيفته ,وفي العراق يطلق عليها قانون   المرافعات ( ) المدنية( ).

ومن خلال النصوص التشريعية التي أسست لمشروعية القضاء نجد أن هذه النصوص كفلت من جانب آخر لهذا القضاء أن يؤدي عمله على النحو الذي لا يمس استقلال القضاء أو كرامته أو هيبته ، فعملت على النص على ضمانات 

للقضاة حماية لهم من كل من يريد أن يتدخل في عملهم أو المساس بهم وقد 

اختلفت التشريعات في حجم هذه الضمانات المقرة تبعاً لعوامل متعددة سوف نوضحها لاحقاً .


ليست هناك تعليقات

فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا