إعلان علوي

آخر الاخبار

مدى جواز اثارة المطاعن ذاتها في الطعن للمرة الثانية

 

مدى جواز اثارة المطاعن ذاتها في الطعن للمرة الثانية

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

الاستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء

 

من الاشكاليات الواقعية والتي تتسبب في اطالة اجراءات التقاضي في اليمن كثرة الدفوع والطعون  والاستشكالات غير الرشيدة حيث تتعقد القضايا وتطول اجراءات التقاضي, ومن الغريب ان الخصوم في قضايا كثيرة يعيدون طرح المطاعن والاسباب غير المنتجة امام درجات التقاضي المختلفة بل امام المحكمة العليا بل ان هذه المطاعن يتكرر اثارتها امام المحكمة العليا للمرة الثانية,فعند الطعن بالنفض للمرة الاولى تكون في بعض الاحيان المطاعن او الاسباب منتجة فتقبلها المحكمة العليا فتنقض الحكم وتعيد القضية الى محكمة


الموضوع للفصل فيها في ضوء توجيهات وارشادات المحكمة العليا حيث تلتزم محكمة الموضوع بتوجيهات المحكمة فعندئذ لا مجال امام الطاعن  ان يثير هذه المطاعن التي سبق ان اثارها امام المحكمة العليا فكانت سببا في نقض الحكم ولكن قد لا تستجيب محكمة الموضوع لارشادات المحكمة العليا وتهملها ففي هذه الحالة يجوز للطاعن ان يعيد طرح الاسباب التي سبق له اثارتها امام المحكمة العليا, ولان هذه المسألة ليست مستقرة في اذهان الكثيرين ولذلك  تتسبب في اثارة المطاعن من غير اقتضاء او حاجة او ضابط وذلك بدوره يكون سببا في اطالة اجراءات التقاضي وتعقيدها, ولذلك فقد وجدنا انه من المناسب التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/1/2011م في الطعن الجزائي رقم (40088) لسنة 1431هـ وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذاالحكم ان متهما بالقتل محكوم عليه بالإعدام قام بالطعن امام المحكمة العليا حبث ذكر في طعنه بأن محكمة الموضوع اهملت دفاعه حينما تمسك امامها بحالة الدفاع الشرعي وانه اقدم على قتل المجني عليه دفاعا عن نفسه واضاف في طعنه الاول بان المجني عليه قد ضرب يده بالشريم حتى انزلقت اصبعه الى زناد المسدس الذي كان بيده فانفجرت الطلقة فأصابت المجني عليه فقتلته, فقبلت المحكمة العليا هذا الطعن وقضت باعادة القضية الى محكمة الموضوع للتحقيق والمناقشة لما ذكره الطاعن في طعنه, فتمت احالة القضية الى محكمة الموضوع التي قامت بالفعل بالتحقيق والمناقشة لما ذكره الطاعن ومن خلال التحقيق والمناقشة تأكد لمحكمة الموضوع عدم صحة ما ذكره الطاعن فحكمت بعدم ثبوت حالة الدفاع الشرعي او واقعة ضرب المجني عليه للمتهم بالشريم في يده التي كانت ممسكة بالمسدس, فلم يقبل الطاعن بالحكم الاستئنافي حيث قام بالطعن بالنقض للمرة الثانية في الحكم الاستئنافي وقام بتضمين الطعن بالنقض الاسباب ذاتها التي سبق له ان اثارها في الطعن الاول الا ان المحكمة العليا رفضت الطعن الثاني بالنقض واقرت الحكم الاستئنافي الذي قضى بإعدام المتهم وعدم ثبوت واقعتي الدفاع الشرعي او ضرب المجني عليه ليد المتهم بالشريم, وقد ورد ضمن اسباب حكم المحكمة العليا (اما من حيث الموضوع فما نعى به الطاعن على الحكم الاستئنافي الثاني لبطلان اجراءاته وعدم الفصل لأوجه دفاعه الى اخر ما ورد في عريضة طعنه, فقد وجدت الدائرة ان ما اثاره الطاعن قد سبق له اثارته في الطعن بالنقض امام المحكمة العليا سابقا وهو ما كان سببا لنقض الحكم الاستئنافي الاول واعادة القضية للفصل فيها مجددا, وحيث ان الشعبة الجزائية قد سارت في حكمها الثاني وفقا لما اشار اليه حكم المحكمة العليا وفصلت في دفاع الطاعن وصححت البطلان في الاجراءات طبقا لنص المادة (429) اجراءات واستمعت الى شهادات  شهود الادعاء  واعترافات الطاعن التي اكدت قيامه بإطلاق النار على المجني عليه وقتله حسبما هو مفصل في الحكم الاستئنافي الثاني المطعون فيه كما ان هذا الحكم قد فصل في ادعاء الطاعن بالدفاع حيث ورد في اسباب الحكم الاستئنافي : غير انه لا برهان للطاعن على حالة الدفاع الشرعي ولا على انفجار الطلقة النارية من خلال ما ادعاه بقيام المجني عليه بضرب يده بالشريم وتنزيلها حتى انفجرت الطلقة ومما يدحض ادعاءه الدفاع ما اثاره الطاعن امام الشعبة من قيام المجني عليه بمحاولة الدخول الى منزله, وبهذا فإن الشعبة الاستئنافية تكون قد فصلت في جميع طلبات الطاعن ودفوعه ودفاعه فجاء حكمها موافقا لصحيح القانون) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو مبين في الوجوه الاتية :

الوجه الأول : مدى وجوب التزام محكمة الموضوع بتوجيهات المحكمة العليا :

من المقرر ان محكمة الموضوع باعتبارها محكمة احالة تحيل اليها المحكمة القضية يجب عليها ان الالتزام بتوجيهات المحكمة العليا التي احالت اليها القضية بعد نقض الحكم في القضية؛ فعلى محكمة الاحالة ان تتبع ما ورد في حكم المحكمة العليا بشأن المسألة القانونية عملا بالمادة (300) مرافعات التي نصت على انه (اذا كان نقض الحكم لغير مخالفة قواعد الاختصاص فتقوم الدائرة باعادة القضية الى المحكمة التي اصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيه من جديد بناء على طلب الخصوم متبعة توجيهات المحكمة العليا) وعلى محكمة      الاحالة ان تقتصر في بحثها على المسألة الواردة في حكم المحكمة العليا فلا تمتد سلطة محكمة الموضوع الى غير هذه المسألة, وللخصوم في نطاق المسألة الواردة في حكم المحكمة العليا ان يقدموا امام محكمة الاحالة الطلبات والدفوع و اوجه الدفاع التي كان لهم تقديمها قبل صدور الحكم المنقوض, وفي نطاق المسألة القانونية التي فصل فيها حكم المحكمة العليا تعود الحياة امام محكمة الاحالة الى ما كان الخصوم قد ابدوه من الطلبات والدفوع واوجه الدفاع دون حاجة الى اعادة التمسك بها من جديد, واذا كان من الواجب على المحكمة المحالة اليها القضية ان تتقيد بحكم المحكمة العليا في المسألة القانونية التي فصل فيها فإنها على عكس ذلك تسترد سلطتها بالنسبة للوقائع فلها ان تقدر الوقائع على غير النحو الذي قدرته من قبل وان تقيم حكمها على فهم جديد لوقائع الدعوى حيث تقوم بتحصيله من جميع عناصر وقائع الدعوى كما يكون لها ان تصر على الواقعة التي حصلتها قبل الحكم المنقوض اذا هي استخلصت الواقعة من مصدر اخر من عناصر الدعوى متى كانت في حكمها الجديد قد احترمت حكم المحكمة العليا بالنسبة للمسألة القانونية؛ على انه اذا كان حكم المحكمة العليا في المسألة القانونية مبنيا على تقدير معين للوقائع مخالفا لتقدير الحكم المنقوض فعندئذ يتوجب على محكمة الاحالة ان تلتزم بهذا التقدير . وعند تطبيق هذا المفهوم بالنسبة للحكم محل تعليقنا نجد ان المسألتين المحالتين  الى محكمة الاحالة هي مسألة ادعاء المتهم بانه كان في حالة دفاع شرعي حينما اطلق النار على المجني عليه  والمسألة الثانية دفاعه بانه لم يقم باطلاق النار من تلقاء نفسه بل نتيجة ضرب المجني عليه ليده حتى انزلق اصبعه الى الزناد بفعل ضرب المجني عليه ليد المتهم, فهاتان المسألتان قانونيتان   لان القانون ينص صراحة على وجوب تحقيق ومناقشة اوجه الدفاع الجوهري .

الوجه الثاني : اثارة الطاعن للمطاعن ذاتها في الطعن بالنقض للمرة الثانية :

صرح الحكم محل تعليقنا بعدم جواز اثارة الطاعن للمطاعن ذاتها التي سبق له اثارتها في الطعن الاول؛ وبين الحكم سبب ذلك وهو ان محكمة الموضوع قد استدركت  المطاعن التي اثارها الطاعن وهي تجاهلها لاوجه دفاعه, وبما ان الحكم الاستئنافي قد حقق في اوجه الدفاع وناقشها وتأكد له عدم صحة تلك الاوجه فقد التزمت  محكمة الموضوع بتوجيه المحكمة العليا في تلك المسألة القانونية وهي تحقيق ومناقشة اوجه دفاع الطاعن للتأكد من صحتها او عدمه فليس المطلوب من محكمة الموضوع ان تحكم بوجود حالة الدفاع الشرعي او ان المجني عليه كان المتسبب في انطلاق المقذوف الذي قتله, ولذلك فان اثارة الطاعن للمطاعن ذاتها التي سبق له اثارتها في الطعن السابق يجعلها غير مقبولة.

الوجه الثالث : المطاعن التي يجوز للطاعن اثارتها في طعنه بالنقض للمرة الثانية :

ذكرنا انه يجب وفقا للقانون على محكمة الموضوع (محكمة الاحالة) ان تتبع ارشادات المحكمة العليا اذا كان الامر متعلقا بمسألة قانونية باعتبار ذلك مظهر من مظاهر الرقابة القانونية للمحكمة العليا, فاذا لم تقم محكمة الموضوع او محكمة الاحالة بذلك فعندئذ يجوز للطاعن في هذه الحالة اثارة المطاعن ذاتها التي سبق له ان اثارها في طعنه الاول, لان محكمة الاحالة قد تجاهلت توصية المحكمة العليا ومن ثم تجاهلت مطاعنه التي سبق له ان اثارها, وكذا يجوز للطاعن ان يثير في طعنه للمرة الثانية المطاعن المتعلقة بتجاوز محكمة الاحالة لتوجيه المحكمة العليا, او اذا تضمن الحكم الموضوعي الثاني مخالفات واخطاء قانونية اخرى غير ما سبق في الحكم الاول ؛والله اعلم .        

ليست هناك تعليقات

فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا