الأم أولى بالتنصيب على أولادها القاصرين أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
الأم أولى بالتنصيب على أولادها
القاصرين
-------------------------------------------------------
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
تكثر في اليمن حالات القتل والموت حيث
يترك القتلى والموتى اولادا لم يبلغوا سن البلوغ ،ولم يسبق للاباء الموتى ان حددوا
الاوصياء من بعدهم لرعاية القاصرين من ابنائهم، فعندئذ يتم التنصيب لمن يقوم
برعاية مصالح وحقوق هولاء القاصرين وتمثيلهم أمام الغير، ويثور في اليمن جدلاً
واسعاً بشأن وصاية الأم على اولادها القاصرين تبعاً للاختلاف في مفهوم الوصاية
واختلافه عن الحضانة، ولأهمية هذا الموضوع فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر عن
الدائرة الشخصية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16/2/2013م في الطعن
رقم (47326) وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم ان النيابة العامة اتهمت
شقيق الزوجة بانه قام بقتل زوجها، وحينما كانت قضية القتل منظورة أمام القضاء قام
شقيق الزوج القتيل برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية طلب فيها تنصيبه لرعاية حقوق
ومصالح طفلتي أخيه القتيل وذكر في دعواه أن أم الطفلتين أرملة القتيل كانت شريكة
لأخيها في قتل شقيقه ولذلك فهي من وجهة نظره غير أهلا للتنصيب على الطفلتين، وقد
توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بعدم قبول الدعوى والتقرير بأن الأم أولى
بالتنصيب على طفلتيها لأنه لم يثبت أن الأم كانت شريكة لأخيها في قتل زوجها، وأن
قيام أخ الأم بقتل زوجها لا يرفع عنها حقها في النصب عن اولادها، وقد قام المدعي
باستئناف الحكم الابتدائي وذكر في استئنافه أن الحكم الابتدائي قد خالف نص المادة
(262) أحوال شخصية وذكر أنه قد طلب التنصيب عن القاصرتين حتى يتمكن من المطالبة
بالقصاص لقتل ابيهما، وقد توصلت الشعبة الشخصية إلى الحكم بتأييد الحكم الابتدائي
لان الأم قد طلبت القصاص من أخيها المتهم بقتل زوجها حسبما هو ثابت في محاضر
التحقيقات وحيث ان ما ذكره المستأنف في عريضته ليس مبررا مقبولا لنقل الولاية من
الأم إلى عمهم وحيث أن الأم هي أولى بالولاية على أولادها من غيرها، فلم يقنع
المستأنف بالحكم الاستئنافي، فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي إلا أن
الدائرة الشخصية رفضت الطعن وأقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد في أسباب حكم المحكمة
العليا (اما من حيث الموضوع فقد ناقشت الدائرة الشخصية ما اثاره الطاعن من أسباب
في عريضة الطعن وكانت تلك الاسباب تتعلق بوقائع النزاع وقد تمت مناقشتها من قبل
محكمة الاستئناف باستفاضة وتوصلت في حكمها إلى نتيجة صحيحة موافقة للشرع والقانون
بتأييدها للحكم الابتدائي بولاية الأم لطفلتيها وبحسب الأسباب الواردة في حكم
محكمة الموضوع) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول : الحضانة والولاية
والوصاية وتداخلها :
--------------------------------------------------------------------
الحضانة بحسب ما ورد في قانون
الأحوال الشخصية هي القيام بأمر الطفل المحتاج للرعاية غير المستغني عنها وحفظه
ويستحق الطفل الحضانة من ساعة ميلاده حتى انتهاء سن الحضانة وهي تسع سنوات للطفل
و12 سنة للطفلة، اما الولاية على الطفل أو الطفلة فهي تبدأ بميلاد الطفل مثلها في
ذلك مثل الحضانة وتستمر ملازمة للطفل حتى يبلغ السن القانونية للرشد وهي 15 سنة
حسبما هو مقرر في القانون المدني، وتداخل الحضانة مع الولاية لا يثير أية إشكاليات
عندما تكون العلاقة الزوجية قائمة حيث تكون مسائل الحضانة داخل البيت تتولاها
الزوجة أو أم القاصرين، في حين يتولى الزوج أو الأب رعاية مصالح الطفل خارج البيت وتعليمه
وتمثيله امام الغير وتحمل المسئولية المدنية عن افعاله غير المشروعة فيضمن تصرفاته
واعماله ويباشر كافة الاجراءات والتصرفات خارج المنزل نيابة عن أبنه القاصر لان
الأم لا تستطيع في الغالب القيام بمهام الولاية، ومن المعلوم أن الوصاية وفقاً
للقانون والشرع تحل محل الولاية حيث يقوم الوصي بالأعمال والاجراءات ذاتها التي
كأن يقوم بها الولي، والوصي هو الذي يعينه الولي الشرعي على الطفل لرعاية مصالح
الطفل، وعندما لا يعين الولي أو الاب وصياً على أولاده القاصرين فان القاضي يقوم
بتنصيب من يراه جديراً لرعاية مصالح وحقوق القاصر وتمثيله لدى الجهات والشخصيات
التي يتعامل معها الطفل القاصر، ويطلق عليه في قانون الأحوال الشخصية المنصب، وقد
قضى الحكم محل تعليقنا بأن الأم أولى بالولاية أو التنصيب على أولادها القاصرين
إضافة إلى قيامها بحضانتهم وفقاً لقانون الأحوال الشخصية، وهناك اتجاه فقهي يذهب
إلى أنه إذا كان من الواجب إثبات الحضانة للام في هذه الحالة لانها تتطلب الرعاية
والحفظ داخل المنزل حيث تكون المرأة غالباً إلا أنه ليس الأولى أن يكون التنصيب
للأم للولاية على اولادها القاصرين وتمثيلهم والقيام بشئونهم خارج المنزل، لان
الولاية أو الرعاية خارج المنزل تحتاج إلى رجل للنهوض بها ،وربما أن الحكم محل
تعليقنا قد قضى بأن الأم الأولى بالتنصيب أو الولاية لان القاصرتين هما طفلتان
وليس طفلان فالأم المنصبة في هذه الحالة أولى برعاية مصالحهما داخل المنزل وخارجه.
الوجه الثاني : المشاركة في القتل
كمسقط للحضانة :
------------------------------------------------------------------------
كان المدعي في القضية التي تناولها
الحكم محل تعليقنا قد اتهم أرملة القتيل بأنها قد شاركت في عملية القتل وتبعا
لذلكً فانها غير جديرة بالتنصيب للقيام برعاية حقوق ومصالح الطفلتين القاصرتين
ابنتي القتيل، الا ان محكمة الموضوع لم يستجب لطلب المدعي لان قيام أخ الزوجة بقتل
زوجها لا يسقط حقها في التنصيب للقيام برعاية مصالح طفلتيها ،كما ان الحكم
الموضوعي قد اشار الى أن تهمة مشاركة الزوجة لأخيها في قتل زوجها لم تثبت اما اذا
ثبتت المشاركة فان الأم في هذه الحالة لا تكون جديرة بالتنصب على القاصرتين من
ابناء القتيل الذي شاركت في قتله، لان التنصيب يعني تمثيل القاصرين أمام القضاء
للمطالبة بالقصاص، كما أن الحكم محل تعليقنا قد اشار في اسبابه إلى أن مبرر المدعي
في المطالبة بتنصيبه هو المطالبة بالقصاص نيابة عن القاصرتين، حيث اشار الحكم إلى
أن أم الطفلتين قد طالبت بالقصاص اصالة عن نفسها ونيابة عن القاصرتين، كما أن
المدعي يعد من الورثة الذين يحق لهم المطالبة بالقصاص من تلقاء نفسه فلا يشترط ان
يطالب المدعي بالقصاص نيابة عن القاصرتين، لان المادة (62) عقوبات اجازت للبالغين
أن يطلبوا القصاص ولا ينتظروا بلوغ القاصرين، كما ان المطالبة بالقصاص نيابة عن
القاصرين يفوت عليهم مصالح،والله اعلم.
أضف تعليق