تقدير العناء بموجب القانون وليس العرف أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
تقدير العناء بموجب القانون وليس العرف
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
من
الإشكاليات القائمة في المجتمع اليمني تقدير العناء في الأراضي الزراعية المؤجرة
على المزارعين حيث يثير هذا الموضوع خلافات ونزاعات تنتهي إلى ساحات القضاء ويؤدي
في أحيان كثيرة إلى تعطيل الإنتفاع بالأراضي الزراعية، ولا شك أن هناك توجهات عند البعض لإيجاد اعراف فاسدة تخالف الشرع والقانون في حكمه لهذا
الموضوع المهم، ولذلك فقد اخترنا التعليق على الحكم الصادر من الدائرة المدنية
بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/2/2013م في الطعن رقم (47535)
وتتلخص وقائع القضية أن امرأة قامت بتأجير أرض بموجب عقد مزارعة حيث يقوم المزارع
بدفع ربع محصول الأرض إلى المؤجرة، وبعد مدة
طويلة اراد ورثة المؤجرة إستعادة الأرض الزراعية المملوكة لمورثتهم فعندئذ
طلب ورثة المزارع المستأجر ربع مساحة الأرض كعناء عن الأرض بحسب العرف السائد في
المنطقة، فأختلف الطرفان حيث قام الورثة الملاك برفع دعوى على المزارعين
المستأجرين للأرض طلبوا فيها من المحكمة الابتدائية الزام المزارعين بإطلاق الأرض
المؤجرة لهم، فرد المزارعون بأنهم لا ينكرون أن الأرض ملك المدعين ولكنهم لن
يطلقوها الا بعد قيام الملاك بدفع العناء بحسب عرف المنطقة وهو ربع مساحة الأرض أو
قيمة الربع، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بالزام المدعى عليهم برفع
أيديهم عن الأرض والزام المدعين بدفع مبلغ خمسة مليون وثلاثمائة ألف ريالا عناء
الأرض المشار اليها، فقام المدعى عليهم باستئناف الحكم ،لان المبلغ الذي تم تقديره
كعناء لا يساوي قيمة البئر الذي حفره مؤرثهم في الارض، وقد قضت الشعبة المدنية
بتعديل الحكم الابتدائي فيما يتعلق بتقدير العناء حيث قضى الحكم الاستئنافي (بأن
يكون العناء هو ربع مساحة الأرض أو قيمة ذلك بما يقدره خبيران عدلان وفقاً للعرف
الجاري الذي يعد مصدراً من مصادر التشريع وحجة بين أهل المنطقة باعتباره قاعدة
عامة نظمت عقود المساقاة والمزارعة والمغارسة لعقود طويلة والعرف السائد في
المنطقة هنا هو أن للرعوي عند رفع يده ربع الأرض) فلم يقبل الملاك بالحكم
الاستئنافي فقاموا بالطعن فيه بالنقض ، فقبلت الدائرة المدنية الطعن ونقضت الحكم
الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (فقد وجدت الدائرة أن مناعي
الطاعنين في محلها وتجد سندها من القانون حيث أنه من الثابت من الأوراق أن الحكم
الاستئنافي لم يستند الى علاقة الايجار القائمة فيما بين الطرفين باعتبارها رابطة
عقدية فضلاً عن أن الحكم الاستئنافي قد بني على القول بالعرف السائد وهو بناء على
غير سند، فالمعلوم الا يرجع إلى العرف إلا في حالة عدم وجود النص في الشرع
والقانون حسب ما ورد في المادة (1) مدني، لا سيما ان القانون المدني قد تضمن كيفية
تقدير العناء اذا حدث النزاع بين المالك والمزارع لشان تقدير العناء ،فليست
العلاقة بين الطرفين بيعاً أو شراء أو أرثا ، وقد كانت محكمة أول درجة قد قدرت
العناء نقداً وأن كان تقديرها جزافاً إلا أن ملاك الأرض لم يعترضوا أو يطعنوا في
ذلك لدى محكمة الاستئناف،اما محكمة الاستئناف فقد خالفت القانون في قضائها بإقتطاع
ثلث أرض الملاك دون مسوغ من الشرع أو القانون وتجاهلت العلاقة الايجارية القائمة
بين الطرفين) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسب ماهو مبين في الأوجه الأتية :
الوجه الأول :
التنظيم القانوني للعناء :
نقض حكم المحكمة
العليا الحكم الاستئنافي لانه اعتمد على العرف ولم يستند إلى النص القانوني الذي
نظم كيفية تقدير العناء وحالات استحقاقه، حسبما ورد في المادة (766) مدني التي نصت
على أنه (اذا اجر رب الأرض أرضاً معلومة لشخص اخر يزرعها حرثاً وبذراً وتنقية فيما
تصلح له بجزء معلوم مما تنتجه الأرض كان العقد ملزماً للمتعاقدين بشروطه المتفق
عليها حال العقد وللمالك رفع يد الأجير بعد حصاد الزرع القائم اذا خالف العرف أو
العمل أو فرط أو اخل بما شرط عليه او عجز، وللأجير مقابل ما غرمه في اقامة الأرض
(العناء) بما يقدره عدلان اذا كان الزرع مما لا يقطع العناء عرفاً ولكل من
المتعاقدين طلب انهاء المزارعة بعد حصاد الزرع القائم مع مراعاة التنبيه على الطرف
الأخر قبل ذلك بوقت كاف وفي البقول ونحوها مما يستغل اكثر من مرة يعمل بالعرف)،
ومن خلال استقراء هذا النص نلاحظ الأتي :
1- العناء هو عوض عن
المبالغ التي دفعها المزارع في إقامة الأرض وتعميرها أي اصلاحها وجعلها صالحة
لزراعة المحصول الذي اتفق الطرفان على
زراعته ،كأن يقوم المزارع باستصلاح الأرض الصالبة أو بناء الجدران الساندة
لها أو غرسها بالأشجار المثمرة المعمرة كالبن والفواكة والقات، والمقصود بإقامة
المزارع للأرض المذكور في النص هو جعلها صالحة للزراعة فاذا كان المزارع قد استلم
الأرض وهي صالح للزراعة المتفق عليها فلا يستحق العناء، كما أنه لا يستحق العناء
مقابل حرث الأرض وبذرها وتنقيتها من الحشائش وكذا الاعمال المعتادة التي يقوم به
في كل موسم زراعي، لان المزارع يتقاضى مقابل ذلك جزءا من المحصول المتفق عليه في
عقد المزارعة، والعناء ينبغي أن يكون ظاهراً أي مشاهداً يسهل إثباته عند الخلاف
كالأشجار المعمرة والجدران القائمة والمساحة الزائدة في الأرض التي استصلحها
المزارع، والعناء بهذا المفهوم يتأسس على أن عقد المزارعة يقتضي أن يقوم المالك
بتسليم الأرض صالحة للانتفاع بها في الزراعة المتفق عليها فاذا لم تكن الأرض كذلك
فأن المبالغ التي يدفعها المستأجر لجعل الأرض صالحة للزراعة ينبغي أن يتحملها
المالك المؤجر.
2- المبالغ التي ينفقها
المزارع لصيانة الأرض الصيانة المعتادة لا تدخل ضمن العناء ولا يلزم المالك أن
يدفعها كالصيانة الموسمية أو الفصلية التي يقوم بها المزارع بمناسبة الموسم
الزراعي كتنقية الأرض من الاعشاب والاحجار والاتربة الزائدة وغيرها لان هذه
المبالغ لم يتم دفعها لإقامة الأرض وإنما لصيانتها الصيانة المألوفةولغرض زراعة
المحصول الذي يحصل المزارع على جزء منه.
3- النص السابق ذكره لم
يقرر أحقية المزارع في جزء من الأرض مقابل العناء، وانما قرر احقيته في المبالغ
التي دفعها فعلاً لإقامة الأرض على النحو السابق بيانه.
4- قرر النص القانوني
السابق أن العناء لا يكون الا بالنسبة للأشجار التي لا تقطع أي الاشجار المعمرة
كالقات والبن والفواكه ،لان النص اشترط (اذا كان الزرع مما لا يقطع)اذاَ كان
المزارع هو الذي قام بغرس تلك الاشجار في الارض.
5- حدد النص القانوني
السابق وسيلة تقدير العناء عند خلاف المزارع مع المالك وهو اختيار عدلين حيث يقوم
المالك باختيار عدل والمزارع عدل لتقدير العناء المستحق للمزارع.
الوجه الثاني : العرف
وتقدير العناء :
اشار النص القانوني
السابق إلى دور العرف في تقدير العناء، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بأن الحكم
الاستئنافي قد أخطأ حينما استند إلى العرف الفاسد المخالف للقانون فقضى بأن تكون
ربع مساحة الأرض هي العناء ،ولذلك فأن الأمر يستوجب الأشارة إلى دور العرف في
تحديد العناء، فالنص القانوني اشار إلى الحالة التي يستحق فيها المزارع العناء وان
المزارع يستحق المبالغ التي غرمها في سبيل إقامة الأرض أي التي دفعها للغير مقابل
إقامة الأرض، وبناءً على ذلك فأنه يتضح دور العرف بانه يقتصر على تحديد المبالغ
التي دفعها المزارع مثل عرف المنطقة في تحديد اجرة العامل أو اجرة الشيول أو ثمن
الغرس في الوادي أو المنطقة اما اذا كان العرف السائد يخالف القانون أو الشرع
فيكون عرفاً فاسد لا يتم العمل به مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث : عقد
المزارعة وتحديد مقدار العناء :
اشار النص القانوني
السابق بأن عقد المزارعة الذي يتفق عليه المالك مع المزارع يكون لازماً على
الطرفين يجب عليهما الالتزام به وتنفيذه واحترامه باعتباره شريعة المتعاقدين
المزارع والمالك، ولذلك فان العلاقة القائمة بينهما بموجب هذا العقد هي عقد ايجار
للمزارعة وليس عقد شراكة او ارثا يستحق بموجبها المزارع عند رفع يده عن الأرض
المتعاقد عليها ربعها أو نصفها، وبناءً على هذا عقد المزارعة فأن المزارع يستحق
العناء بحسب ما قرره القانون على النحو السابق بيانه في الوجه الأول، ومع ذلك فأنه
يجوز أن يتضمن عقد المزارعة ذاته كيفية تقدير عناء المزارع ودفعه إلى المزارع ،حيث
يتم الاتفاق في عقد المزارعة في الوقت الراهن على أن يقوم المزارع بابلاغ المالك بالعمل الذي يعزم القيام
به لإقامة الأرض أو استصلاح رهقها أو زرعها بأشجار معمرة أو غيره فيقوم المالك
بدفع تلك المبالغ أولاً بأول أو يتم الاتفاق بينهما على خصمها من حصة المالك من
المحصول، وبناءً على ذلك يتضمن عقد المزارعة النص على عدم جواز مطالبة المزارع
للمالك في هذه الحالة بالعناء باعتبار أن المالك قد قام بدفعه مسبقاً، ولما ذكرنا
فأن عقود المزارعة في الوقت الراهن تتضمن بنداً يتضمن تسوية مسألة العناء فيما بين
المزارع والمالك قبل انتهاء العلاقة بينهما لتحاشي النزاع بينهما عند رفع المزارع
يده عن الأرض واعادتها لمالكها ،وهذا الوضع هو الأفضل وهو الذي نوصي به،والله
اعلم.
أضف تعليق