أجهزة الضبط القضائي
ودورها في تعزيز حقوق الإنسان
خـلال مـراحل إنفـاذ القـانـون
إعــداد
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
قائمة محتــويــات الـدراسـة
المقدِّمة.
المبحث الأول : دور أجهزة الضبط
القضائي في تعزيز حقوق الإنسان.
المبحث الثاني : دور أجهزة السلطة
القضائية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
المبحث الثالث : حقوق الإنسان في
القانون الوطني ومدى توافقها مع الاتفاقيات الدولية.
المبحث الرابع : دور وسائل
الحماية الوطنية في تعزيز حقوق الإنسان أثناء إنفاذ القانون.
المطلب الأول : وسائل الحماية الشرعية
الإسلامية لحقوق الإنسان.
المطلب الثاني :وسائل الحماية
التربوية والبحثية لحقوق الإنسان.
المطلب الثالث: وسائل الحماية
المجتمعية لحقوق الإنسان.
المطلب الرابع : وسائل الحماية
الأمنية لحقوق الإنسان.
المطلب الخامس : وسائل الحماية
القضائية لحقوق الإنسان.
المطلب السادس : وسائل الحماية
القانونية والبرلمانية لحقوق الإنسان.
المطلب السابع : وسائل الحماية
الرقابية والإشرافية لحقوق الإنسان.
المبحث الخامس : دور وسائل
الحماية الدولية في تعزيز حقوق الإنسان أثناء إنفاذ القانون.
المطلب السادس : وسائل الحماية
القانونية والبرلمانية لحقوق الإنسان.
المطلب الثاني : دور وسائل
الحماية الدولية لحقوق الإنسان في مجال التدريب والتوعية والتمويل.
النتائج.
التَّوصيات.
المقدِّمةُ :
الحمد لله الذي كرم الإنسان أفضل
تكريم والصلاة والسلام أفضل تسليم على محمد المبعوث رحمة للناس أجمعين وعلى آله
وصحبه الطيبين الطاهرين: أما بعد فقد قمت بإعداد ورقة العمل هذه الموسومة (أجهزة
الضبط القضائي ودورها في تعزيز حقوق الإنسان خلال مراحل إنفاذ القانون)، بناءً على
التكليف الصادر لنا من معالي الأستاذة الفاضلة/حورية مشهور - وزيرة حقوق الإنسان
بتاريخ 30/09/2012م، حيث التزمت بالعنوان المحدد وكذا المفردات التي ينبغي أن
تتضمنها ورقة العمل هذه وهي استعراض موجز للحقوق في القانون الوطني ومدى الالتزام
بالمواثيق الدولية أثناء تطبيق القانون والصعوبات والمعوقات التي تعترض حقوق
الإنسان أثناء إنفاذ القانون والأدوار التي يجب أن تضطلع بها آليات الحماية
الوطنية والدولية بحسب ما ورد في التكليف الصادر لنا، ولا ريب أن هذا الموضوع
متشعب يتعلق بمواضيع ومجالات شتى، ولذلك فسوف نتناول هذا الموضوع على وفق خطة
البحث الآتية :
المبحث الأول : دور أجهزة الضبط
القضائي في تعزيز حقوق الإنسان.
المبحث الثاني : دور أجهزة السلطة
القضائية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
المبحث الثالث : حقوق الإنسان في
القانون الوطني ومدى توافقها مع الاتفاقيات الدولية.
المبحث الرابع : دور وسائل
الحماية الوطنية في تعزيز حقوق الإنسان أثناء إنفاذ القانون.
المبحث الخامس : دور وسائل
الحماية الدولية في تعزيز حقوق الإنسان أثناء إنفاذ القانون .
الخاتمـة : وتتضمن أهم النتائج
والتوصيات.
المبحث الأول
دور أجهزة الضبط القضائي في تعزيز
حقوق الإنسان
طبقاً لقانون الإجراءات الجزائية
فالمقصود بأجهزة الضبط القضائي هي أقسام الشرطة ومــراكزهــا وأدارت الأمن, وهذه
وهي الجهات التــي أناط بها قانون الإجراءات الجزائية ضبط المتهمين بارتكاب
الجرائم وإحالتهم إلى النيابة العامة خلال (24) ساعة من تاريخ القبض عليهم, كما أن
هذه الجهات منوط بها طبقاً لقانون هيئة الشرطة أن تتخذ الإجراءات والتدابير
المناسبة والاحتياطية للحيلولة دون حدوث الجرائم.
من خلال التعريف الموجز السابق
يظهر بجلاء تام الدور المنوط بأجهزة الضبط القضائي وهو ضبط المتهمين بعد وقوع
الجرائم واتخاذ الإجراءات والتدابير التي تحول دون ارتكاب الجرائم, وفي سبيل قيام
أجهزة الضبط القضائي بضبط المتهمين والجرائم التي تحدث فهي تقوم بإجراءات التفتيش
للأشخاص والمنازل والسيارات كما أنها في هذا السبيل تقوم بالقبض على المتهمين
والمشتبهين بارتكاب الجرائم كما أنها تباشر إجراءات التحفظ على الأشخاص وإيقافهم
واستيقافهم طبقاً لقانون الإجراءات كما أنها تقوم بجمع الاستدلالات والاستماع إلى
أقوال المتهمين والمشتبهين ومعاينة مسرح الجريمة وتحرير محضر جمع الاستدلالات,
وبعد ذلك تقوم هذه الأجهزة بإحــالة ملفات القضايا والمتهمين إلى النيابة العامة
خلال (24) ساعة.
كما أن أجهزة الضبط القضائي تختص
بمنع وقوع الجرائم واتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة للحيلولة دون ارتكاب
الجرائم ولهذه الغاية فإنها تقوم بأعمال المراقبة ووضع الحواجز ونقاط التفتيش في
الطرقات وأعمال التفتيش الوقائي والسؤال للمارة والعابرين وغير ذلك.
ووفقاً لما تقدم فهناك دور هام
يقع على عاتق أجهزة الضبط القضائي في مجال تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، فيجب على
هذه الأجهزة أن تعلم علماً يقينياً بمصفوفة حقوق الإنسان في أثناء مراحل القبض
والتحفظ والإيقاف والتفتيش وأن تلتزم بالضمانات التي تحول دون انتهاك حقوق الإنسان
ومن أبرزها حق الإنسان في الحرية والتنقل وسلامته الجسدية والنفسية وحماية حريته
وحياته الشخصية وحرمة مسكنه وسيارته، وعلى أجهزة الضبط القضائي أن توائم دوماً بين
حمايتها لحقوق الإنسـان وقيامها بواجباتها القانونية في منع الجرائم قبل وقوعها
وضبطها بعد وقوعها(1).
ومن أهم التجاوزات والخروقات التي
تقع على حقوق الإنسان فيما يتعلق بأجهزة الضبط القضائي ما يأتي :
1. أجهزة الاستخبارات والمباحث
الجنائية لا تقوم بإحالة المتهمين إلى القضاء خلال المدة المقررة قانوناً (24)
ساعة, كما أن هذه الأجهزة تلجأ في أحيان كثيرة إلى إخفاء المعتقلين لديها كما أنها
تنتزع أقوال بعضهم بأساليب وطرق غير قانونية.
2. تمارس بعض أجهزة الاستخبارات
أعمال الاعتقال والقبض التعسفي بدون إذن من النيابة وكذا تباشر هذه الأجهزة أعمال
المراقبة والتجسس من غير إذن من النيابة، كما أنها لا تنفذ ضمانات حقوق الإنسان
المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية.
3. كثير من مراكز الشرطة تقوم بالقبض
على الأشخاص لأغراض أخرى غير جنائية كالنزاعات المدنية والتجارية والشخصية بين
الأشخاص.
4. أجهزة الضبط القضائي تمنع
المتهمين من تصوير مستندات القضايا المنسوبة إليهم كما أن أغلب هذه الأجهزة تمنع
المحامين من حضور الإجراءات التي تباشرها هذه الأجهزة في مواجهة المتهمين.
5. كثرة جهات الضبط القضائي الخاص في
اليمن وذلك يهدد حقوق الإنسان وحرياته, فكل جهة من الجهات تسعى إلى النص في
قانونها على أن يكون لها صفة الضبطية القضائية الخاصة, فموظفو الصحة لهم ضبطية
وموظفو الضرائب لهم ضبطية وموظفو الجمارك لهم ضبطية وموظفو البلدية لهم ضبطية
وكذاك الحال هيئة المواصفات والمحافظة على المدن التاريخية ووزارة الصناعة
والتجارة وغيرها من الجهات وأغلب هذه الجهات تتعسف في استعمالها لصفة الضبطية
فبعضها تقوم بحبس المخالفين ومصادرة أملاكهم.
6. كثرة أماكن الاحتجاز والاعتقال
للأشخاص تبعاً لكثرة جهات الضبط.
7. وجود سجون خاصة لدى بعض الجهات
غير الضبطية إضافةً إلى وجود سجون خاصة تتبع بعض الأشخاص .
المبحث الثاني
دور أجهزة السلطة القضائية في
تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها
أجهزة السلطة القضائية هي المحاكم
والنيابات بمختلف درجاتها, ولأجهزة السلطة القضائية دور هام وحيوي للغاية في مجال
تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، فحقوق الإنسان تكون مجرد أمان طيبة إن لم تجد من
يقوم بإنفاذها ويحمي حياضها ويعاقب من ينتهكها وذلك هو الدور المناط بأجهزة السلطة
القضائية(1).
فالقضاء هو الذي يقرر حقوق
الإنسان المختلفة بواسطة الأحكام القضائية التي يصدرها ويتم تنفيذها اختياراً أو
جبراً بواسطة القضاء, والقضاء هو الذي يصدر أحكامه معاقباً من ينتهك حقوق الإنسان,
فالمحاكم المدنية هي التي تقضي وتقرر وتنفذ حقوق الإنسان المدنية كحقه في الملكية
والاسم والصورة وحقه في التعاقد والمحاكم الإدارية هي التي تقضي وتقرر وتنفذ حق
الإنسان في الوظيفة والمكافأة والأجر والترقية وعدم النقل والفصل التعسفي وكذا حقه
في التعويض وإلغاء القرارات الإدارية المضرة بمركزه الإداري والوظيفي وكذا حقه في
المساواة عند التعاقد مع الدولة، كما أن المحاكم التجارية تقضي وتقرر حق الإنسان
في العمل والتجارة وتحمي حقه في العلامات والأسماء التجارية وكافة حقوق الملكية
الفكرية بما فيها حق المؤلف والفنان وغيره، كما أن المحاكم الشخصية أو قضاة
الأحوال الشخصية هم الذين يقررون في أحكامهم وينفذون حقوق الإنسان الشخصية كحقه في
الزواج والطلاق والفسخ والنفقة والحضانة وغيرها, كما أن قضاة الجنايات أو الجزاءات
هم الذين يقضون في أحكامهم بالعقوبات الرادعة على كل من ينتهك حقوق الإنسان كحق
الإنسان في الحياة وكذا على كل من ينتهك حريته بالحبس بدون حق أو تفتيشه بدون حق
أو القبض عليه بدون حق أو التجسس عليه أو تعذيبه أو حرمانه من حقوقه أو تقييد
حريته أو منعه من التنقل والتجوال بحرية، فكل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان وغيرها
تعد جرائم بموجب قانون الجرائم والعقوبات ولكنها لا تجد طريقها للتنفيذ إلا بموجب
حكم قضائي نهائي أو بات يصدر من القضاء الجنائي المختص(2).
كما تعد النيابة العامة من ضمن
أجهزة الضبط القضائي طبقاً للدستور النافذ باليمن وهي التي تتولى التحقيق
الابتدائي في كافة الجرائم والمخالفات التي تقوم بضبطها أجهزة الضبط القضائي
السابق ذكرها في المبحث الأول, حيث تقوم النيابة بالتحقيق في تلك القضايا المضبوطة
والمحالة إليها وبعدئذ تتصرف النيابة العامة في ضوء نتائج التحقيق الابتدائي الذي
تجريه النيابة العامة، فإن كانت الأدلة كافية لنسبة التهمة إلى المتهم فإن النيابة
عندئذ تقوم بإصدار قرار إحالة المتهم إلى المحكمة (قرار اتهام) وهو الدعوى
الجزائية التي تباشرها النيابة العامة نيابة عن المجتمع أمام القاضي الجزائي حتى
يصدر حكمه فيها، أما إذا توصلت النيابة العامة في تحقيقها إلى عدم كفاية الأدلة
على نسبة التهمة إلى المتهم فحينئذ تصدر النيابة قراراً بان لا وجه لإقامة
الدعوى(1), والنيابة العامة في اليمن تجمع بين سلطات أربع, السلطة الأولى : سلطة
التحقيق فهي التي تقوم بالتحقيق بكافة مشتملاته وتكون محاضرها في هذا الشأن محاضر
رسمية لها حجيتها, والسلطة الثانية : هي سلطة الاتهام فالنيابة العامة وحدها هي
الذي يجوز لها أن تقوم بالإدعاء نيابة عن المجتمع أمام القضاء الجزائي، والسلطة
الثالثة : أن النيابة العامة من ضمن هيئات القضاء حيث تصدر قرارات وأوامر ذات طابع
قضائي كأمر الحفظ وقرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى وقرار الاتهام, والسلطة الرابعة
: هي قيام النيابة العامة بالإشراف على تنفيذ الأحكام بل أنها هي التي تقوم بتنفيذ
تلك الأحكام, وتباشر النيابة العامة هذه السلطات الأربع مجتمعه من غير وجود قاضي
تحقيق كما هو الحال في مصر وفرنسا يقوم بالإشراف على النيابة والتحقيقات التي
تجريها للتثبت من حياد النيابة وسلامة إجراءاتها، وتبعاً لذلك فإن الإنسان لا يكون
باليمن بمأمن من تعسف النيابة العامة وشططها وافتياتها على حقوقه طالما وهي تجمع
بين هذه السلطات الأربع من غير رقيب أو حسيب.
ومن أهم التجاوزات ذات الصلة
بحقوق الإنسان التي تظهر أمام النيابات العامة والمحاكم ما يأتي :
1- جمع النيابة العامة بين سلطات
التحقيق والاتهام والقضاء وتنفيذ الأحكام وذلك يجعلها في أحيان كثيرة خصماً غير
شريف يحرص حرصاً شديداً على الإدانة أكثر من حرصه على البراءة مع أن الأصل البراءة
وليس الإدانة.
2- طول أمد التحقيق بنظر النيابة
العامة قبل أن تتصرف النيابة في التحقيق، فبعض القضايا ظلت رهن التحقيق لأكثر من
عشر سنوات ولم تقم النيابة العامة بإحالة المتهمين إلى المحكمة المختصة إلا بعد
عشر سنوات بعد أن ضاعت معالم هذه القضايا وضاعت معها أوجه الدفاع التي كان بوسع
المتهمين التمسك بها، علماً بان قانون الإجراءات يجعل الحد الأعلى للتحقيق تسعة
أشهر ويجبر النيابة العامة بعدها على التصرف بالقضية إما بالإحالة إلى المحكمة
والحفظ أو القرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى.
3- عدم قيام النيابة العامة بمراقبة
أماكن الاحتجاز والاعتقال غير القانونية واتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية في
مواجهة الجهات والأشخاص الذين يقومون بأعمال الاحتجاز والاعتقال والحبس خارج
القانون.
4- أكثر الأحكام القضائية الجنائية
تكون ذات جانب جنائي وجانب مدني وإزاء ذلك تقوم النيابة العامة بتنفيذ الجانب
الجنائي ولا تكتفي بذلك بل تقوم بتنفيذ الجانب المدني من الحكم فترفض النيابة
العامة إطلاق كثير من السجناء حتى ينفذوا الجانب المدني المحكوم به عليهم وغالباً
ما يكون مبالغ مالية لأصحاب الحق المدني الخاص وقد علق أحد القانونيين المخضرمين
على ذلك بان النيابة العامة في اليمن ليست نيابة عامة فقط بل أنها نيابة خاصة تجبر
الأشخاص المحكوم عليهم على الوفاء لأصحاب الحق الخاص بما حُكم به لهم.
5- طول إجراءات التقاضي التي تجعل
طريق الوصول إلى الحقوق طويلاً ومعقداً ومرهقاً إضافة إلى بطء إجراءات التقاضي،
والعدالة المتأخرة ظلم.
6- كلفة التقاضي باهظة وتتمثل في
مصاريف التقاضي وأتعاب المحاماة والرسوم القضائية التي تم تعديلها مؤخراً وجعلها
نسبة من قيمة الدعوى فكثير من أصحاب الحقوق والحاجات يعجزون عن المطالبة بحقوقهم
أمام القضاء لذلك السبب لاسيما مع غياب العون القضائي وعدم جدواه، وفي هذا المجال
فليس هناك مساواة حقيقية أمام القضاء مع أن المساواة من أهم حقوق الإنسان
القضائية، فمن المؤكد أن الفقراء لا يتساوون مع الأغنياء أمام القضاء(1).
7- تراكم القضايا المنظورة أمام
القضاء ففي بعض الأحيان تصل القضايا التي تكون بعهدة قاضٍ واحد أكثر من ألفين
قضية، وهذا الوضع يجعل القاضي لا يوافق في حكمه الحقيقة وهذا سبب من ضمن أسباب
كثرة الأحكام الجائرة وسبب من أسباب ظاهرة بطء إجراءات التقاضي.
8- عدم استقلال القاضي في اليمن من
الناحية الفعلية والعملية، مع أن الدستور ينص على أن القضاء مستقل والقضاة مستقلون
وذلك يعني أن السلطة القضائية برمتها مستقلة عن سلطات الدولة الأخرى التنفيذية
والتشريعية (البرلمان والحكومة) كما أن مبدأ استقلال القضاة أنفسهم يقتضي أن يكون
القاضي نفسه مستقلاً حتى عن السلطة القضائية (القضاة الأعلى درجة أو وظيفة) ولكن
الواقع يظهران القضاة لا يتعرضون فقط لضغوطات ومؤثرات من السلطات الأخرى (الحكومة
والبرلمان) بل أن القضاة يتعرضون إلى ضغوط ومؤثرات أكبر وأخطر من داخل السلطة
القضائية ذاتها من رؤساء المحاكم والقضاة الأعلى منهم، وذلك يؤدي إلى إهدار كثير
من الحقوق بدلاً من حمايتها.
9- النصوص القانونية في اليمن سواء
في مجال حقوق الإنسان أو غيرها مفرطة في العمومية والتجريد، ولذلك تتفاوت الأحكام
القضائية وتختلف في القضية أو الواقعة الواحدة ما بين قاض وقاض وما بين محكمة
وأخرى، ولذلك فكل قاض يفهم حقوق الإنسان بطريقته.
المبحث الثالث
حقوق الإنسان في القانون الوطني
ومدى توافقها مع الاتفاقيات الدولية
ذكر الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان ماهية حقوق الإنسان ولا يتسع المجال لذكرها هنا تفصيلاً ومن أهم الحقوق
المساواة بين الناس في الكرامة والحقوق والتمتع بها من غير تمييز وحق الإنسان في
الحياة والحرية وسلامة شخصه وعدم استعباده أو تعذيبه وحق الإنسان في الاعتراف بشخصيته
والمساواة مع غيره أمام القانون وحقه في اللجوء إلى القضاء وعدم جواز القبض عليه
أو حجزه أو نفيه وحقه في المحاكمة مع الآخرين على قدم المساواة أمام محكمة مستقلة
نزيهة عادلة تفصل علنياً في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جنائية توجه إليه وأن
كل شخص متهم بجريمة يعد بريئاً إلى أن تثبت إدانته وأن لكل إنسان حق التملك بمفرده
أو بالاشتراك مع غيره وكذا الحق في تقلد الوظائف العامة والحق في العمل والحق في
التعليم والحق في حماية حقوقه الأدبية والفكرية.... وغير ذلك (1)، والتشريعات
اليمنية التي تضمنت حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلانات والمواثيق والعهود
الدولية كثيرة جدا ولا يتسع المجال لذكرها هنا وتكفي الإشارة إلى بعض هذه
التشريعات، حيث تناول الدستور النافذ الحقوق والحريات وأغلبها وردت في الباب
الثاني من الدستور بعنوان (حقوق وواجبات المواطنين الأساسية) ومن ذلك حق المواطنين
في المساواة في الحقوق والواجبات وحقهم في الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية وحق الانتخاب والترشيح والجنسية وأن المتهم بري حتى تثبت
إدانته وعدم جواز مصادرة وتقييد حريته أو القبض عليه أو تفتيشه أو حجزه إلا في
حالة التلبس(1)، ومن جهته تناول القانون المدني الحقوق المدنية للإنسان حيث تناول
مصادر حق الملكية وأحكامه ومسؤوليات الإنسان المدنية العقدية والتقصيرية وغيرها،
كما تناول قانون الأحوال المدنية بعض الحقوق المدنية كاسم الإنسان وحقوقه في
المواطنة وهويته، كما نظم قانون الجنسية حق الإنسان في الجنسية وكيفية منحها
والآثار المترتبة عليها، كما تناول قانون الإجراءات الجزائية وقانون المرافعات
المدنية والتجارية إجراءات حق التقاضي وقواعد المحاكمة العادلة ومبادئها، في حين
نظم قانون الأحوال الشخصية حق الإنسان في الزواج والطلاق والفسخ والنفقة والحضانة
والولاية والوصاية وحقه في الميراث....وغيره، ونظم قانون الانتخابات حق الإنسان في
الترشيح والانتخاب، وهكذا في بقية القوانين، وخلاصة القول أن التشريعات والقوانين
الوطنية قد تناولت ونظمت كافة حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلانات والمواثيق
الدولية، كما أن القوانين الوطنية تتوافق مع الإعلانات والمواثيق الدولية بشأن
الغالبية العظمى لحقوق الإنسان ولا خلاف بين القوانين الوطنية والإعلانات
والمواثيق الدولية إلا فيما يتعلق بالنصوص التي يتضمنها قانون الجرائم والعقوبات
النافذ والمتعلقة بالقصاص في النفس ومادون النفس والنصوص المتعلقة بعقوبة الجلد في
زنا البكر وشرب الخمر والقذف وعقوبة قطع الأطراف والصلب في جريمتي الحرابة والسرقة
وكذا عقوبة الإعدام في الردة والجرائم الماسة بأمن الدولة وكذلك تتعارض بعض النصوص
في الدستور اليمني وبعض القوانين اليمنية مع بعض نصوص اتفاقية القضاء على جميع
أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) حيث يرى بعض الباحثين(2) أن المادة رقم (5) من
الاتفاقية الدولية المشار إليها تلغي التزام الأم بالقيام بواجب الأمومة ورعاية
الأسرة حيث تنص المادة السالف ذكرها على أن الأمومة وظيفة اجتماعية يقوم بها المجتمع
ولا تختص بها الأم كما أن الاتفاقية المشار إليها تلغي ولاية الأب على أبنته كما
تسمح هذه الاتفاقية بزواج المسلمة من غير المسلم وكذا زواجها من غير أذن أبيها أو
أخيها أو وليها الشرعي، كما أن الاتفاقية تسمح بإقامة علاقة جنسية غير شرعية خارج
نطاق الزواج الشرعي كما تنص المادة (13) من الاتفاقية على المساواة بين الذكور
والإناث في الميراث خلافاً لقوله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)
كما تلزم المادة رقم (12) من الاتفاقية الدولية الدولة بتوفير موانع الحمل للمرأة
سواء كانت متزوجة أم غير متزوجة، في حين منعت المادتان (10،11) من السيداو الفصل
بين الطلاب والطالبات في مقاعد الدراسة ......الخ، كما أن اتفاقية حقوق الطفــــل
قد أبــــاحت نظـــام التبني للطفـــل في حيـــن أن الشـــريعة تحــرمه بقوله
تعالى ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ
تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)(1).
ومع هذا فإن اتفاقية السيداو مرنة
في هذا الشأن إذ لم تلزم الدول كافة بتطبيق كافة مواد بنود الاتفاقية حيث أتاحت
للدول أن تطبق من الاتفاقية ما يتوافق مع قيمها وعقائدها الدينية، وتبعاً لذلك لا مجال
للتعذر بهذه النصوص المخالفة للشريعة الإسلامية في تعطيل كافة بنود اتفاقية
السيداو التي لا تخالف الشريعة، ومن أهم الإشكالات التي تثار في هذا الشأن أن
الغالبية العظمى من القضاة في اليمن لا يستندون في أحكامهم ذات الصلة بحقوق
الإنسان إلى الاتفاقيات الدولية ولا يشيرون إليها في منطوق الحكم وأسبابه حيث
يكتفون بذكر نص القانون الوطني الذي تضمن حقوق الإنسان، والسبب في ذلك يرجع إلى
عدم قيام الجهات المختصة بالتشريع والنشر القانوني كالبرلمان ووزارتي الشؤون
القانونية والعدل بنشر الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان في كتب ومجلدات
رسمية تحمل شعار الدولة واسم الجهة الحكومية المختصة (البرلمان - الشؤون القانونية
- العدل) حتى يتعامل القاضي مع تلك الاتفاقيات على أنها قانون وطني، كما يعتقد
أغلب القضاة اعتقاداً جازماً بأن كافة حقوق الإنسان قد تضمنتها القوانين الوطنية ولا
حاجة لذكر نصوصها في الأحكام القضائية الوطنية(2).
فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا