إعلان علوي

آخر الاخبار

صيام رمضان المبارك اركان وشروطه ورخصه

لماذا يصوم المسلمون شهر رمضان:  أركانة وشروطة:

صيام رمضان أحد أركان الإسلام وفروضه ويصونها المسلمين تنفيذا وطاعته لأوامر الله تعالى ، لقول الله تعالى    {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } سورة البقرة (183).
 وعن أبي هريرة قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس إذا أتاه رجل فقال : يا رسول الله : ما الإسلام ؟ قال أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان متفق عليه" .
شروط الصيام:
ولا يجب إلا بشروط أربعة :
أولاً:-  الإسلام : فلا يجب على كافر أصلي أو مرتد .
ثانياً:- العقل : فلا يجب على المجنون .
 ثالثا:- البلوغ : فلا يجب على صبي لما ذكره في الصلاة ، وقال بعض أصحابنا : يجب على من أطاقه ، لما روى عبد الرحمن بن أبي لبيبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان ، ولأنه يعاقب على تركه وهذا هو حقيقة الواجب والأول المذهب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ رواه أبو داود ولأنه عبادة بدنية ، فلم يلزم الصبي كالحج، وحديثهم مرسل ، ثم يحمل على تأكيد الندب . كقوله : غسل الجمعة واجب على كل محتلم لكن يؤمر بالصوم إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده كالصلاة ، فإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي في أثناء الشهر ، لزمه صيام ما يستقبلونه ، لأنهم صاروا من أهل الخطاب فيدخلون في الخطاب به ولا يلزمهم قضاء ما مضى ، لأنه مضى قبل تكليفهم فلم يلزمهم قضاؤه كالرمضان الماضي ، وإن وجد ذلك منهم في أثناء نهار ، لزمهم إمساك بقيته وقضاؤه .
رابعاً:- الإطاقة:  فلا يجب على الشيخ الذي يجهده الصيام ، ولا المريض المأيوس من برئه لقول الله تعالى : لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وعليه أن يطعم لكل يوم مسكيناً لقول الله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين . قال ابن عباس كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً ، والحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا . رواه أبو داود . فإن لم يكن له فدية فلا شيء عليه ، للآية الأولى .
الرخصه من الصوم:
أولاً:- الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فلهما الفطر ، وعليهما القضاء وإطعام مسكين لكل يوم لما ذكرنا من الآية ، وإن أفطرتا خوفاً على أنفسهما فعليهما القضاء حسب كالمريض .
ثانياً:-  الحائض و النفساء لهما الفطر ، ولا يصح منهما الصيام لما ذكرنا في باب الحيض ، و النفاس كالحيض فنقيسه عليه ، ومتى وجد ذلك في جزء من اليوم أفسده ، وإن انقطع دمها ليلاً فنوت الصوم ، ثم اغتسلت في النهار ، صح صومها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من جماع ثم يغتسل ويتم صومه . متفق عليه ، وهذه في معناه .
ثالثاً : المريض له الفطر وعليه القضاء لقول الله تعالى : فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر . والمبيح للفطر : ما خيف من الصوم زيادته أو إبطاء برئه ، فأما ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس والإصبع ونحوه فلا يبيح الفطر ، لأنه لا ضرر عليه في الصوم ، ومن أصبح صائماً فمرض في النهار فله الفطر ، لأن الضرر موجود ، والصحيح إذا خاف على نفسه لشدة عطش أو جوع ، أو شبق يخاف أن تنشق أنثياه ونحو ذلك ، فله الفطر ويقضي ، لأنه خائف على نفسه ، أشبه المريض ، ومن فاته الصوم لإغماء فعليه القضاء ، لأنه لا يزيل التكليف ، ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ولا تثبت الولاية على صاحبه ، فهو كالمريض ، ومن أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه ، لأن الصوم الإمساك ولا ينسب ذلك إليه ، وإن أفاق في جزء من النهار صح صومه ، لوجود الإمساك فيه ، وإن نام جميع النهار صح صومه ، لأن النائم في حكم المنتبه ، لكونه ينتبه إذا نبه ، ويجد الألم في حال نومه .
رابعاً:-  السفر الطويل المباح يبيح الفطر ، للآية ، ولا يباح الفطر لغيره لما ذكرنا في القصر ، ولا يفطر حتى يترك البيوت وراء ظهره لما ذكرنا في القصر ، وللمسافر أن يصوم ويفطر ، لما روى حمزة بن عمر الأسلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أصوم في السفر ؟ قال : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر متفق عليه . والفطر أفضل : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ليس من البر الصوم في السفر متفق عليه . ولأنه من رخص السفر المتفق عليها ، فكان أفضل كالقصر .
وعنه : لا يفطر بالجماع ، فإن أفطر به ففي الكفارة روايتان :
أصحهما : لا تجب ، لأن الصوم لا يجب المضي فيه ، فأشبه التطوع ، وإذا قدم المسافر وبرئ المريض وهما صائمان لم يبح لهما الفطر ، لأنه زال عذرهما قبل الترخص أشبه القصر ، فإن زال عذرهما أو عذر الحائض و النفساء وهم مفطرون ففي الإمساك روايتان ، على ما ذكرنا في الصبي ونحوه . ومن أبيح له الفطر لم يكن له أن يصوم غير رمضان ، فإن نوى ذلك لم يصح ، لأنه لم ينو رمضان ولا يصح الزمان لسواه .
 قوله تعالـى:
    {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } سورة البقرة (183).
   يعنـي الله تعالـى ذكره بقوله: يا أيّها الّذين آمَنُوا يا أيها الذين آمنوا بـالله ورسوله, وصدّقوا بهما وأقرّوا. ويعنـي بقوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ فرض علـيكم الصيام, والصيام مصدر من قول القائل: صمت عن كذا وكذا, يعنـي كففت عنه, أصوم عنه صوما وصياما, ومعنى الصيام: الكفّ عما أمر الله بـالكف عنه ومن ذلك قـيـل: صامت الـخيـل إذا كفت عن السير, ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:
 خَيْـلٌ صِيامٌ وخَيْـلٌ غَيْرُ صَائمةٍ تَـحْتَ العَجاجِ وأخْرَى تَعْلُكُ اللّـجُما
  ومنه قول الله تعالـى ذكره إنّـي نَذَرتُ للرّحمَنِ صَوْما يعنـي صمتا عن الكلام. وقوله كَمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعنـي: فرض علـيكم مثل الذي فرض علـى الذين من قبلكم.
  ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنى الله بقوله: كَمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وفـي الـمعنى الذي وقع فـيه التشبـيه بـين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا, فقال بعضهم: الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علـينا أنه كمثل الذي كان علـيهم هم النصارى, وقالوا: التشبـيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفـاقهما فـي الوقت والـمقدار الذي هو لازم لنا الـيوم فرضه.
 حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كَما كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ رمضان كتبه الله علـى من كان قبلهم.
  وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: معنى الآية: يا أيها الذين آمنوا فرض علـيكم الصيام كما فرض علـى الذين من قبلكم من أهل الكتاب, أياما معدودات, وهي شهر رمضان كله لأن من بعد إبراهيـم صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بـاتبـاع إبراهيـم, وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما, وقد أخبرنا الله عزّ وجل أن دينه كان الـحنـيفـية الـمسلـمة, فأمر نبـينا صلى الله عليه وسلم بـمثل الذي أمر به من قبله من الأنبـياء.
  وأما التشبـيه فإنـما وقع علـى الوقت, وذلك أن من كان قبلنا إنـما كان فرض علـيهم شهر رمضان مثل الذي فرض علـينا سواء.
  وأما تأويـل قوله: لَعَلّكُمْ تَتّقُون فإنه يعنـي به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فـيه, يقول: فرضت علـيكم الصوم والكفّ عما تكونون بترك الكفّ عنه مفطرين لتتقوا ما يفطركم فـي وقت صومكم. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك:
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
    {أَيّاماً مّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مّرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } الآية : 184
   يعنـي تعالـى ذكره: كتب علـيكم أيها الذين آمنوا الصيام أياما معدودات. ونصب «أياما» بـمضمر من الفعل, كأنه قـيـل: كتب علـيكم الصيام كما كتب علـى الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات, كما يقال: أعجبنـي الضرب زيدا وقوله: كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ من الصيام, كأنه قـيـل: كتب علـيكم الذي هو مثل الذي كتب علـى الذين من قبلكم أن تصوموا أياما معدودات.
  وقال آخرون: بل الأيام الثلاثة التـي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومها قبل أن يفرض رمضان كان تطوّعا صومهن, وإنـما عنى الله جل وعز بقوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ... أيّاما مَعْدُوداتٍ أيام شهر رمضان, لا الأيام التـي كان يصومهن قبل وجوب فرض صوم شهر رمضان. ذكر من قال ذلك:
   حدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: حدثنا الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك قوله: كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ الآية, فرض الصوم من العتـمة إلـى مثلها من القابلة, فإذا صلـى الرجل العتـمة حرم علـيه الطعام والـجماع إلـى مثلها من القابلة, ثم نزل الصوم الاَخر بإحلال الطعام والـجماع بـاللـيـل كله, وهو قوله: وكُلُوا وَاشرَبُوا حّتـى يتبَـيّنَ لَكُمُ الـخَيْطُ الأبْـيَضُ مِنَ الـخَيْطِ الأسْوَدِ إلـى قوله: ثُمّ أتـمّوا الصّيامَ إلـى اللّـيْـلِ وأحلّ الـجماع أيضا فقال: أُحِلّ لَكُمْ لَـيْـلَةَ الصّيامِ الرّفَثُ إلـى نِساِئكُمْ وكان فـي الصوم الأول الفدية, فمن شاء من مسافر أو مقـيـم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك, ولـم يذكر الله تعالـى ذكره فـي الصوم الاَخر الفدية, وقال: فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ فنسخ هذا الصوم الاَخر الفدية.
  وقال آخرون: بل كان قوله: وَعلـى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِين حكما خاصا للشيخ الكبـير والعجوز اللذين يطيقان الصوم كان مرخصا لهما أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا, ثم نسخ ذلك بقوله: فَمَنْ شَهدَ مِنْكُمُ الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم فـيكون ذلك الـحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله. ذكر من قال ذلك:
حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا خالد, عن عكرمة: «وَعلـى الّذِينَ يُطيقُونَهُ» قال: قال ابن عبـاس: هو الشيخ الكبـير.
   حدثنا أبو هشام مـحمد بن يزيد الرفـاعي, عن يعقوب, عن بشار, عن عمرو, عن الـحسن: طعام مساكين عن الشهر كله.
  وأعجب القراءتـين إلـيّ فـي ذلك قراءة من قرأ طعام مسكين علـى الواحد بـمعنى: وعلـى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين لأن فـي إبـانة حكم الـمفطر يوما واحدا وصولاً إلـى معرفة حكم الـمفطر جميع الشهر, ولـيس فـي إبـانة حكم الـمفطر جميع الشهر وصول إلـى إبـانة حكم الـمفطر يوما واحدا وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر, وأن كل واحد يترجم عن الـجميع وأن الـجميع لا يترجم به عن الواحد, فلذلك اخترنا قراءة ذلك بـالتوحيد.
  واختلف أهل العلـم فـي مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون فـي ذلك إذا أفطروا, فقال بعضهم: كان الواجب من طعام الـمسكين لإفطار الـيوم الواحد نصف صاع من قمـح.
  وقال بعضهم: كان الواجب من طعام الـمسكين لإفطار الـيوم مدّا من قمـح ومن سائر أقواتهم.
  وقال بعضهم: كان ذلك نصف صاع من قمـح أو صاعا من تـمر أو زبـيب.
  وقال بعضهم: ما كان الـمفطر يتقوّته يومه الذي أفطره.
  وقال بعضهم: كان ذلك سحورا وعشاء يكون للـمسكين إفطارا. وقد ذكرنا بعض هذه الـمقالات فـيـما مضى قبل فكرهنا إعادة ذكرها.
  القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَمِنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ.
  اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم بـما:
   حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وعطاء, عن ابن عبـاس: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فزاد طعام مسكين آخر فهو خير له, وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ.
   حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي ابن طاوس عن أبـيه: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ قال: من أطعم مسكينا آخر.
  وقال آخرون: معنى ذلك: فمن تطوّع خيرا فصام مع الفدية. ذكر من قال ذلك:
 حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال مـجاهد: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فزاد طعاما فهو خير له.
  والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن الله تعالـى ذكره عمـم بقوله: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا فلـم يخصص بعض معانـي الـخير دون بعض, فإن جمع الصوم مع الفدية من تطوّع الـخير وزيادة مسكين علـى جزاء الفدية من تطوّع الـخير.
  وجائز أن يكون تعالـى ذكره عنى بقوله: فَمَنْ تَطَوّعَ خَيْرا أي هذه الـمعانـي تطوّع به الـمفتدي من صومه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ لأن كل ذلك من تطوّع الـخير ونوافل الفضل.
  القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وأنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ.
  يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وأنْ تَصُومُوا ما كتب علـيكم من شهر رمضان فهو خير لكم من أن تفطروه وتفتدوا. كما:
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
    {شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِيَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لّلنّاسِ وَبَيّنَاتٍ مّنَ الْهُدَىَ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىَ سَفَرٍ فَعِدّةٌ مّنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللّهَ عَلَىَ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } الآية : (185) سزرة البقرة
   قال أبو جعفر: الشهر فـيـما قـيـل أصله من الشهرة, يقال منه: قد شهر فلان سيفه إذا أخرجه من غمده فـاعترض به من أراد ضربه, يشهره شهرا وكذلك شهر الشهر إذا طلع هلاله, وأشهرنا نـحن إذا دخـلنا فـي الشهر. وأما رمضان فإن بعض أهل الـمعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمي بذلك لشدة الـحرّ الذي كان يكون فـيه حتـى تَرْمَضُ فـيه الفصال كما يقال للشهر الذي يحجّ فـيه ذو الـحجة, والذي يرتبع فـيه ربـيع الأول وربـيع الاَخر. وأما مـجاهد فإنه كان يكره أن يقال رمضان ويقول: لعله اسم من أسماء الله.
وقرأه بعضهم نصبـا بـمعنى أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتـم تعلـمون. وقد يجوز أيضا نصبه علـى وجه الأمر بصومه كأنه قـيـل: شهر رمضان فصوموه, وجائز نصبه علـى الوقت كأنه قـيـل: كتب علـيكم الصيام فـي شهر رمضان.
  وأما قوله: الّذي أُنْزلَ فـيهِ القُرآنُ فإنه ذكر أنه نزل فـي لـيـلة القدر من اللوح الـمـحفوظ إلـى سماء الدنـيا فـي لـيـلة القدر من شهر رمضان, ثم أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى ما أراد الله إنزاله إلـيه. كما:
   حدثنا  أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن الأعمش, عن حسان بن أبـي الأشرس, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس قال: أنزل القرآن جملة من الذكر فـي لـيـلة أربع وعشرين من رمضان, فجعل فـي بـيت العزّة. قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر, وقال ذلك السدي.
حدثنـي عيسى بن عثمان, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن الأعمش, عن حسان, عن سعيد بن جبـير, قال: نزل القرآن جملة واحدة فـي لـيـلة القدر فـي شهر رمضان, فجعل فـي سماء الدنـيا.
 حدثنا  أحمد بن منصور, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, قال: حدثنا عمران القطان, عن قتادة, عن ابن أبـي الـملـيح عن واثلة, عن النبـي صلى الله عليه وسلم, قال: «نزلتْ صُحُف إبراهِيـمَ أوّلَ لَـيْـلَةٍ من شَهْرِ رَمَضَانَ, وأُنْزِلَت التّوْرَاةُ لِستّ مَضَيْنَ من رَمَضَانَ, وأُنْزِلَ الإنـجيـلُ لثَلاثَ عَشْرَةَ خَـلَتْ, وأُنْزِلَ القُرآنُ لأَرْبَعٍ وعِشْرين مِنْ رَمَضَان».
  حدثنا  يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود, عن الشعبـي, قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلـى السماء الدنـيا.
  ـ حدثنـي  الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قرأه ابن جريج فـي قوله: شَهْرُ رَمَضَان الّذِي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ قال: قال ابن عبـاس: أنزل القرآن جملة واحدة علـى جبريـل فـي لـيـلة القدر, فكان لا ينزل منه إلا بأمر. قال ابن جريج: كان ينزل من القرآن فـي لـيـلة القدر كل شيء ينزل من القرآن فـي تلك السنة, فنزل ذلك من السماء السابعة علـى جبريـل فـي السماء الدنـيا, فلا يُنزل جبريـل من ذلك علـى مـحمد إلا ما أمره به ربه ومثل ذلك: إنّا أنْزَلْناهُ فِـي لَـيْـلَةِ القَدْرِ وإنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةً مبَـاركَةٍ.
  حدثنـي  الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن إسرائيـل, عن السدي, عن مـحمد بن أبـي الـمـجالد, عن مقسم, عن ابن عبـاس قال له رجل: إنه قد وقع فـي قلبـي الشك من قوله: شَهْرُ رَمَضَانَ الّذي أُنْزِلَ فِـيهِ القُرآنُ وقوله: إنّا أنْزَلْنَاهُ فِـي لَـيْـلَةٍ مُبَـاركَةٍ وقوله: إنّا أنْزَلْنَاه فِـي لَـيْـلَةٍ القَدْرِ وقد أنزل الله فـي شوّال وذي القعدة وغيره قال: إنـما أنزل فـي رمضان فـي لـيـلة القدر ولـيـلة مبـاركة جملة واحدة, ثم أنزل علـى مواقع النـجوم رَسَلاً فـي الشهور والأيام.
  وأما قوله هُدىً للنّاسِ فإنه يعنـي رشادا للناس إلـى سبـيـل الـحقّ وقصد الـمنهج.
  وأما قوله: وَبَـيّناتٍ فإنه يعنـي: وواضحات من الهدى, يعنـي من البـيان الدالّ علـى حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.
  وقوله: والفُرْقَان يعنـي: والفصل بـين الـحق والبـاطل. كما:
  حدثنا  ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو الولـيد, قال: حدثنا حماد, عن قتادة, عن الـحسن وسعيد بن الـمسيب قالا: من أدركه الصوم وهو مقـيـم رمضان ثم سافر, قالا: إن شاء أفطر.
  وقال آخرون: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشّهْرَ فَلْـيَصُمْهُ يعنـي فمن شهده عاقلاً بـالغا مكلفـا فلـيصمه. ومـمن قال ذلك أبو حنـيفة وأصحابه, كانوا يقولون: من دخـل علـيه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بـالغ فعلـيه صومه, فإن جنّ بعد دخوله علـيه وهو بـالصفة التـي وصفنا ثم أفـاق بعد انقضائه لزمه قضاء ما كان فـيه من أيام الشهر مغلوبـا علـى عقله, لأنه كان مـمن شهده وهو مـمن علـيه فرض قالوا: وكذلك لو دخـل علـيه شهر رمضان وهو مـجنون إلا أنه مـمن لو كان صحيح العقل كان علـيه صومه, فلن ينقضي الشهر حتـى صحّ وبرأ أو أفـاق قبل انقضاء الشهر بـيوم أو أكثر من ذلك, فإن علـيه قضاء صوم الشهر كله سوى الـيوم الذي صامه بعد إفـاقته, لأنه مـمن قد شهد الشهر قالوا: ولو دخـل علـيه شهر رمضان وهو مـجنون فلـم يفق حتـى انقضى الشهر كله ثم أفـاق لـم يـلزمه قضاء شيء منه, لأنه لـم يكن مـمن شهده مكلفـا صومه وهذا تأويـل لا معنى له, لأن الـجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر فقد يجب أن يكون ذلك سبـيـل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم. وقد أجمع الـجميع علـى أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام ثم أفـاق بعد انقضاء الشهر أن علـيه قضاء الشهر كله, ولـم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به علـى الأمة وإذا كان إجماعا فـالواجب أن يكون سبـيـل كل من كان زائل العقل جميع شهر الصوم سبـيـل الـمغمى علـيه. وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن تأويـل الآية غير الذي تأوّلها قائلو هذه الـمقالة من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفـا صومه. وإذا بطل ذلك فتأويـل الـمتأوّل الذي زعم أن معناه: فمن شهد أوله مقـيـما حاضرا فعلـيه صوم جميعه أبطلُ وأفسدُ لتظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج عام الفتـح من الـمدينة فـي شهر رمضان بعد ما صام بعضه وأفطر وأمر أصحابه بـالإفطار.
صمت فـيه كان أهون علـيّ من أن أقضيه فـي الـحر. فقال: قال الله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الـيُسْرَ ولاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ما كان أيسر علـيك فـافعل.
  وهذا القول عندنا أولـى بـالصواب لإجماع الـجميع علـى أن مريضا لو صام شهر رمضان وهو مـمن له الإفطار لـمرضه أن صومه ذلك مـجزىء عنه, ولا قضاء علـيه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر, فكان معلوما بذلك أن حكم الـمسافر حكمه فـي أن لا قضاء علـيه إن صامه فـي سفره, لأن الذي جعل للـمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر مثل الذي جعل من ذلك للـمريض وأمر به من القضاء.
  ثم فـي دلالة الآية كفـاية مغنـية عن استشهاد شاهد علـى صحته ذلك بغيرها, وذلك قول الله تعالـى ذكره: يُريدُ الله بِكُم الـيُسْرَ ولاَ يُرِيدُ بِكُم العُسْرَ ولا عسر أعظم من أن يـلزم من صامه فـي سفره عدة من أيام أخر, وقد تكلف أداء فرضه فـي أثقل الـحالـين علـيه حتـى قضاه وأدّاه.
  فإن ظنّ ذو غبـاوة أن الذي صامه لـم يكن فرضه الواجب, فإن فـي قول الله تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ, شَهْرُ رَمَضَانَ الّذِي أُنْزِلَ فـيهِ القُرآنُ ما ينبىء أن الـمكتوب صومه من الشهور علـى كل مؤمن هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقـيـما, لعموم الله تعالـى ذكره الـمؤمنـين بذلك بقوله: يا أيّها الّذين آمَنُوا كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الصّيامُ شَهْرُ رَمَضَانَ وأن قوله: ومَنْ كانَ مَرِيضا أوْ علـى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَر معناه: ومن كان مريضا أو علـى سفر فأفطر برخصة الله فعلـيه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التـي أفطر فـي سفره أو مرضه.
  ثم فـي تظاهر الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله إذا سئل عن الصوم فـي السفر: «إن شِئْتَ فَصُمْ, وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ», الكفـاية الكافـية عن الاستدلال علـى صحة ما قلنا فـي ذلك بغيره.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, قال: سمعت سفـيان يقول: وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ قال: بلغنا أنه التكبـير يوم الفطر.
حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: كان ابن عبـاس يقول: حقّ علـى الـمسلـمين إذا نظروا إلـى هلال شوّال أن يكبروا الله حتـى يفرغوا من عيدهم لأن الله تعالـى ذكره يقول: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ قال ابن زيد: ينبغي لهم إذا غدوا إلـى الـمصلـى كبروا, فإذا جلسوا كبروا, فإذا جاء الإمام صمتوا, فإذا كبر الإمام كبروا, ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبـيره, حتـى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد. قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والـجماعة عندنا علـى أن يغدوا بـالتكبـير إلـى الـمصلـى.
  القول فـي تأويـل قوله تعالـى:  وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرونَ.
  يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولتشكروا الله علـى ما أنعم به علـيكم من الهداية والتوفـيق. وتـيسير ما لو شاء عسر علـيكم. و «لعل» فـي هذا الـموضع بـمعنى «كي», ولذلك عطف به علـى قوله: وَلِتُكْمِلُوا العِدّة وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ علـى ما هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ.

ليست هناك تعليقات

فضلاً وليس أمراً
اترك تعليقاً هنا