عدم جواز السمسرة في العقود مع الدولة
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
اجاز القانون التجاري اليمني السمسرة، وتناول أحكامها بايجاز بإعتبار السمسرة من العقود التجارية، فالسمسار يقوم بالتوسط والتوفيق بين المتعاقدين وتقريب وجهات النظر حتى يتم إبرام العقود والصفقات، غير أن السمسرة وإن كانت جائزة في الأعمال الخاصة أو الأعمال التجارية بين الأفراد إلا أن السمسرة في العقود والصفقات التي تبرمها الدولة مع الغير عمل محرم بل أن القانون يجرمه حفظاً للحقوق والمصالح العامة وحرصاً على نزاهة الوظيفة العامة وكرامتها وحياديتها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-12-2014م في الطعن رقم (55646)، الذي ورد ضمن أسبابه: ((فمناعي الطاعن مردودة، لأن دعوى الطاعن تتلخص بأنه أتفق شفوياً مع المدعى عليها بأنه سوف يسعى ويتوسط في إبرام عقود مقاولات مع الدولة، وذلك بإقناع الجهات المختصة بالتعاقد مع المطعون ضدها في المشاريع التي يقوم بمتابعتها مقابل عمولة قدرها (10%) من قيمة كل عقد، وعلى أن يكون تعاقد الدولة مع المطعون ضدها عن طريق الأمر المباشر وليس المناقصة حتى تقوم المدعى عليها بإضافة العمولة المتفق عليها عند التعاقد مع الدولة ، وذكر الطاعن أنه أقنع الجهات المختصة بالتعاقد مع المطعون ضدها بخصوص مشروعي...و... ، والدائرة تجد: أن هذه الدعوى لا سماع لها، لأنها تتصادم مع المبادئ العامة للقانون، إذ نصت المادة (75) مرافعات على أنه (لا تقبل أي دعوى أو طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون)، كما نصت المادة (12) من القانون المدني على أن (الأصل في المعاملات وأنواعها وكيفيتها ما أقره الشرع ثم ما جرى به عرف الناس وتراضوا عليه مالم يخالف حكم الشرع من تحليل حرام أو تحريم حلال وإذا اجتمع التحليل والتحريم غلب جانب التحريم)، مما يستوجب رفض الطعن))، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية السمسرة:
السمسرة:
هي قيام شخص يسمى السمسار بالتوسط فيما بين الراغبين بإبرام العقود والصفقات، فيكون
دور السمسار هو التوسط أو التقريب بين وجهات نظر الراغبين بالتعاقد، ويتولى السمسار
تقديم البيانات اللازمة لهم بشأن العقد أو الصفقة التي يعتزموا إبرامها ، ويتمتع
السمسار بالخبرة الكافية والمناسبة في مجال العقود والصفقات التي يتوسط فيها، ويقدم
السمسار للراغبين في إبرام العقود والصفقات يقدم لهم الخبرة والمشورة حتى يتمكنوا
من إبرام العقود والصفقات بعد إدراكهم لكافة التفاصيل بشأن الصفقات وإجراءات
التعاقد وإبرام العقود والصفقات سواء أكانت هذه الإجراءات سابقة أم لاحقة لإبرام
العقود والصفقات، وعلى هذا الأساس فإن السمسار يقدم خدمة حقيقية ومساعدة للمقدمين
على إبرام العقود والصفقات ، ولذلك فإن أعمال السمسرة تتم بواسطة شركات ومؤسسات
متخصصة تقوم الدول المختلفة بتنظيم أعمالها وشئونها، إذ تتوفر لدى شركات السمسرة في
تلك الدول المعلومات والبيانات والإمكانيات اللازمة التي تمكنها من القيام بأعمال
السمسرة وفقاً للوائح المنظمة لاعمالها بما يكفل ترشيد مهنة السمسرة واعمالها ، فتباشر
شركات السمسرة أعمالها في تلك الدول بشفافية بل أن كثيراً من الدول قد وضعت مدونات
سلوك للسمسرة والسماسرة والوسطاء والموفقين.
ويختلف
الحال بالنسبة لليمن، إذ أن مهنة السمسرة والسمسارة غير منظمة فهي عشوائية، فضلاً
عن أن مفهوم السمسرة في الواقع اليمني
يختلط مع أعمال النصب والإحتيال والتدليس والكذب وأكل أموال الناس بالباطل،
ولذلك فإن غالبية اليمنيين ينظرون إلى السمسرة على أنها مظهر من مظاهر الفساد
وواجهة من واجهات الفساد.
الوجه الثاني: الطبيعة الدستورية والقانونية للعقود والصفقات التي تكون الدولة طرفاً فيها وعلاقة ذلك بالسمسرة:
يصرح
الدستور اليمني على مبدأ المساواة وتكافؤ
الفرص بين المواطنين، وهذا المبدا يقتضي أن تكون هناك فرص متساوية بين المواطنين في
الحصول على الخدمات والحقوق، ومن ذلك الحق في دخول المنافسة للحصول على العقود
والصفقات مع الدولة وفقا للشروط والمواصفات التي تضعها الدولة، ولذلك تتم عقود
الدولة وصفقاتها بطريقة علنية عن طريق المناقصات والمزايدات العلنية ليس للحصول
على السعر الأقل أو الأكثر فحسب وإنما أيضاً لتحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين
وتكافؤ الفرص فيما بينهم، وعلى هذا الأساس فإن أعمال السمسرة تتنافى مع مبدأ
المساواة وتكافوا الفرص، لأن السمسار يسعى لترجيح جانب الطرف الذي وسطه لإبرام
الصفقة أو العقد، إضافة إلى أن القوانين واللوائح مثل قانون المناقصات والمزايدات
ولائحته التنفيذية والنماذج الملحقة بهما قد حددت بدقة كيفية وإجراءات إبرام
الدولة للعقود والصفقات، ولذلك فإن كافة البيانات والمعلومات مبينة في طلب الدولة
التعاقد الذي يتم عن طريق مناقصة أو مزايدة علنية تتضمن كافة البيانات والمعلومات
والإجراءات والنماذج المطلوبة للتعاقد، وعلى هذا الأساس القانوني فإن السمسرة لا
محل لها في عقود وصفقات الدولة.
الوجه الثالث: السمسرة في عقود الدولة وصفقاتها جريمة وفساد:
صرح
الحكم محل تعليقنا بأن السمسرة في عقود الدولة وصفقاتها أمر محظور ولذلك لا يجوز
الإدعاء أو المطالبة بذلك بإعتباره من الأفعال المحظورة في القانون، ومؤدى ذلك أن
السمسرة في عقود الدولة جريمة يعاقب عليها قانون الجرائم والعقوبات بإعتبارها من
أفعال الرشوة فضلا عن ان الوساطة في مجال الوظيفة العامة أو الأعمال العامة جريمة يعاقب عليها قانون الجرائم والعقوبات اليمني ، وبالإضافة إلى ذلك فإن السمسرة تعد جريمة وفقاً لقانون المناقصات والمزايدات، فضلاً
عن أن السمسرة في عقود الدولة وصفقاتها من جرائم الفساد وفقاً لما هو مقرر في
قانون مكافحة الفساد، والله اعلم .
