الحيازة في القانون المدني اليمني 2002

تعد الحيازة والثبوت من أهم المفاهيم في القانون المدني اليمني، لا سيما في مجال إثبات ملكية الأراضي والعقارات. تناول القانون المدني اليمني رقم (14) لسنة 2002 هذه المفاهيم بشكل مفصل، مستلهمًا أحكامه من الشريعة الإسلامية والقوانين المدنية الحديثة.

الحيازة هي السيطرة المادية الفعلية على شيء، سواء كان عقارًا أو منقولًا، بنية التملك أو بنية ممارسة حق عيني آخر. هي واقعة مادية تخلق مركزًا قانونيًا معينًا، وتحميها القوانين حتى لو لم تكن متطابقة مع الملكية القانونية.

أركان الحيازة:

للحيازة ركنان أساسيان:

الركن المادي (السيطرة الفعلية): ويتمثل في قيام الحائز بالأعمال المادية التي تدل على سيطرته على الشيء، مثل:
- الاستيلاء على العقار أو الأرض.
- البناء عليها أو زراعتها.
- تحصيل الثمار أو الإيجارات.
- إجراء التصرفات القانونية المتعلقة بها (مثل البيع والإيجار).
- وضع اليد على العقار بشكل ظاهر ومستمر.
الركن المعنوي (القصد): ويتمثل في نية الحائز في ممارسة الحق على الشيء محل الحيازة، سواء كانت نية التملك كمالك، أو نية ممارسة حق انتفاع أو ارتفاق. يجب أن تكون هذه النية واضحة وصريحة.

أنواع الحيازة:
الحيازة الأصلية: وهي التي يكون فيها الحائز مالكًا أو يرى نفسه مالكًا، وينوي أن يملك الشيء لنفسه.

الحيازة العرضية: وهي التي لا يكون فيها الحائز مالكًا، ولا ينوي أن يملك الشيء لنفسه، بل يحوزه نيابة عن غيره، كالمستأجر أو الوديع.

آثار الحيازة:

للحيازة آثار قانونية مهمة، منها:

قرينة الملكية: يعتبر القانون الحائز مالكًا للشيء حتى يثبت العكس. وهذه القرينة قابلة لإثبات العكس.
الحماية القانونية: يحمي القانون الحيازة حتى لو لم تكن مبنية على حق، وذلك للحفاظ على الأمن والنظام العام، ومنع الأفراد من أخذ حقوقهم بأيديهم. يمكن للحائز رفع دعاوى حيازة (مثل دعوى منع التعرض أو دعوى استرداد الحيازة) لحماية حيازته من أي اعتداء.
التقادم المكسب للملكية (الحيازة الطويلة): وهي من أهم آثار الحيازة، حيث يؤدي مرور مدة معينة من الحيازة المستقرة والهادئة والظاهرة وغير المنقطعة إلى كسب الحائز للملكية، حتى لو لم يكن مالكًا في الأصل.

شروط التقادم المكسب للملكية في القانون المدني اليمني:

تنص المادة (1118) من القانون المدني اليمني 2002 على: "لا تسمع دعوى الملك من حاضر على ذي اليد الثابتة الذي يتصرف تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا ظروف غير عادية تسود فيها الفوضى أو التغلب ويتعذر فيها الوصول إلى الحق وذلك بعد مضي ثلاثين سنة من يوم وضع اليد. والعبرة في اعتبار الشخص غائباً عن البلد هي بوجوده خارجها طوال المدة المقررة ويعتبر حاضراً إذا كان متردداً إليها. ويستثنى من ذلك الميراث والوقف والشراكة فلا تحدد بمدة ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق.

ا".

من هذه المادة، يمكن استخلاص شروط التقادم المكسب للملكية:

الحيازة الفعلية للعقار: يجب أن تكون الحيازة حيازة فعلية ومادية.
صفة الحائز: يجب أن يتصرف الحائز تصرف المالك، أي يمارس على العقار جميع سلطات المالك.
الحيازة الهادئة: يجب أن تكون الحيازة خالية من النزاع أو الإكراه.
الحيازة الظاهرة: يجب أن تكون الحيازة علنية، بحيث يعلم بها الكافة.
الحيازة المستمرة وغير المنقطعة: يجب أن تستمر الحيازة لمدة معينة دون انقطاع.
مرور المدة القانونية: وهي ثلاثون سنة في القانون اليمني، ما لم يكن هناك استثناء.
عدم وجود موانع: مثل القرابة أو المصاهرة أو ظروف الفوضى والتغلب التي تعيق المطالبة بالحق.
استثناءات المدة: الميراث والوقف والشركة لا تخضع لهذه المدة.

الثبوت في القانون المدني اليمني 2002

الثبوت يتعلق بإثبات الحقوق، وخاصة الملكية، أمام القضاء. في حين أن الحيازة هي واقعة مادية، فإن الثبوت هو عملية قانونية تستهدف إثبات وجود حق معين، عادةً الملكية، بأحد طرق الإثبات المقررة قانونًا.

طرق إثبات الملكية:

يحدد القانون المدني اليمني وقانون الإثبات اليمني رقم (21) لسنة 1992 (المعدل) طرق إثبات الملكية، والتي تشمل:

الكتابة (المستندات الرسمية والعرفية):
- السندات الرسمية: وهي الوثائق التي يحررها موظفون عموميون مختصون، مثل محررات السجل العقاري، وعقود البيع الموثقة لدى الجهات الرسمية، والأحكام القضائية النهائية. وتعتبر هذه المستندات أقوى دليل على الملكية.
- السندات العرفية: وهي الوثائق التي يحررها الأفراد فيما بينهم دون تدخل موظف رسمي، مثل عقود البيع العرفية أو الوثائق المكتوبة بخط اليد. وتعتبر حجة على أطرافها، ولكن يمكن الطعن فيها بالإنكار أو التزوير.
الشهادة (البينة):
- تعتبر الشهادة من طرق الإثبات المهمة، خاصة في غياب المستندات المكتوبة أو قدمها.
- تخضع الشهادة لضوابط وشروط محددة في القانون، مثل عدد الشهود وشروطهم.
القرائن:
- القرائن القانونية: وهي التي يضعها القانون لتسهيل الإثبات، مثل قرينة الحيازة التي تعتبر دليلاً على الملكية حتى يثبت العكس.
- القرائن القضائية: وهي التي يستخلصها القاضي من وقائع ثابتة في الدعوى، ويدل بها على واقعة مجهولة.
الإقرار:
- اعتراف الخصم بالحق المدعى به عليه، ويعتبر حجة قاطعة على المقر.
اليمين:
- آخر طرق الإثبات التي يلجأ إليها القاضي عندما تعجز طرق الإثبات الأخرى عن حسم النزاع.

العلاقة بين الحيازة والثبوت:

ترتبط الحيازة والثبوت ارتباطًا وثيقًا في القانون اليمني:

الحيازة قرينة على الملكية: كما ذكرنا، فإن الحيازة تعتبر قرينة على أن الحائز هو المالك، مما يسهل عليه عملية الثبوت. فالمدعي بالملكية لا يحتاج إلى إثباتها إذا كانت حيازته مستقرة، وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يقدم الدليل.
الحيازة الطويلة تؤدي إلى الثبوت: عن طريق التقادم المكسب للملكية، تتحول الحيازة الطويلة المستوفية للشروط إلى ملكية ثابتة وقانونية.
الثبوت يحمي الحيازة: عندما تثبت الملكية بمستند رسمي، فإن هذا يعزز حيازة المالك ويوفر له حماية قانونية أقوى ضد أي اعتداء.

التحديات والآفاق

في سياق إثبات ملكية الأراضي والعقارات في اليمن، تواجه الحيازة والثبوت تحديات كبيرة بسبب:

غياب السجل العقاري الشامل: ما يزال نظام السجل العقاري في اليمن حديثًا وغير مكتمل، مما يجعل الاعتماد على الوثائق القديمة والعرف ضرورة.
تعدد طرق التوثيق السابقة: كما ذكرنا سابقًا، فإن اختلاف طرق التوثيق القديمة يجعل عملية التحقق منها معقدة.
النزاعات المتكررة: تفضي هذه العوامل إلى نشوء العديد من النزاعات على الملكية، والتي تتطلب مهارة قانونية خاصة للتعامل معها.

لتحسين الوضع، يجب تعزيز الجهود في:

رقمنة وتوثيق الوثائق القديمة: إنشاء قاعدة بيانات مركزية للوثائق التاريخية.
تطوير نظام السجل العقاري: تحديث وتوسيع نطاق السجل العقاري ليشمل جميع الأراضي والعقارات.
التوعية القانونية: نشر الوعي بأهمية توثيق الملكية وسبل حمايتها.

هل تود التعمق في جانب معين من الحيازة أو الثبوت، أو ربما ترغب في معرفة أحكام تتعلق بحالات خاصة؟